مسئولياتنا دون اختزال - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسئولياتنا دون اختزال

نشر فى : الإثنين 15 ديسمبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 ديسمبر 2014 - 8:00 ص

لن تغادر أصوات ومجموعات الحقوق والحريات مواقع الوهن الراهنة ولن تسهم بإيجابية فى تجاوز مصر لوضعية «الأمة القلقة»، ما لم تدرك أن مسئولية ترشيد النقاش العام ومسئولية البناء والعمل فى مساحات وساحات المجتمع المدنى والجهود التنموية لا تقل أهميتهما عن مسئولية كشف وتوثيق الانتهاكات والدفاع عن الضحايا ومسئولية المطالبة المستمرة بتفعيل سيادة القانون.

خطأ قاتل أن يتورط حقوقيون وأكاديميون وكتاب فى معارك لفظية أو اشتباك كلامى مع رافضى الفكرة الديمقراطية ومبررى الحكم السلطوى، وهم يدافعون عن حقوق الناس وحرية الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى ويقاومون طغيان المكون الأمنى على فعل السلطة التنفيذية وتغول الأخيرة على المواطن الذى يهجر من المجال العام وعلى المجتمع الذى تلغى تنظيماته الوسيطة. خطأ قاتل تقع به المجموعات الطلابية والشبابية التى تبحث عن مجتمع السلم الأهلى والتسامح ودولة العدل القوية وترى فيهما ومعهما المواطن الواعى أضلاع مثلث تقدم الوطن حين تزج بأعضائها إلى أتون مواجهات خطابية مع مؤسسات وأجهزة الدولة والمصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية المؤيدة للحكم بشأن ثنائيات ذات تناقضات مصطنعة بين الحرية والأمن.

فدور الحقوقى / الأكاديمى / الكاتب المدافع عن الفكرة الديمقراطية هو ترشيد النقاش العام بتوعية الناس بالإمكانية الفعلية للتحول الديمقراطى وبأفضلية مبادئ سيادة القانون وتداول السلطة والرقابة الشعبية على الحكام والشفافية على أنماط الحكم المستبد والسلطوى وبأفضليتها لجهة ضمان كرامة الإنسان (من حمام الأزبكية إلى أماكن الاحتجاز وسلب حرية المواطن) وتمكين المجتمع والدولة من التقدم، وليس استهلاك طاقاته والسياقات المحدودة التى يستطيع التحرك بها فى معارك لفظية وكلامية عبر وسائل الإعلام لا طائل من ورائها ولا خلاص فى اللحظة المصرية الراهنة من انحيازها الكاسح لرافضى الديمقراطية ومروجى أوهام الاستبداد والسلطوية. ومسئولية المجموعات الطلابية والشبابية هى توظيف طاقاتها بسلمية وعلنية وثقة جماعية لفك التناقضات المصطنعة بين الحرية الأمن وبين الحقوق وسيادة القانون وبين مواجهة الإرهاب والعنف وتوعية الناس بصبر وتفاؤل وابتعاد تام عن ممارسة الاستعلاء باتجاههم ــ ولتكن الأجيال الشابة والوسيطة التى تشكل أغلبية مجتمعنا هى وجهة أنشطة التوعية الأساسية مع عدم إغفال ضرورة الاقتراب اليومى من القطاعات الشعبية الأخرى، وليس الانزلاق إلى سلسلة عديمة الفاعلية من ردود الأفعال العلنية باتجاه من يشوهونهم بإفك التخوين واتهامات التخريب أو باتجاه النخب والمصالح المؤيدة للسلطوية والمتصارعة بوحشية على المواقع والخانات والأنصبة المتاحة للقوة والنفوذ والحماية والعوائد بحوار الحكم / السلطة.

ويرتبط، من جهة بالابتعاد عن المعارك اللفظية والاشتباك الكلامى والمواجهات الخطابية التى لا طائل من ورائها مع دعاة الاستبداد والسلطوية ومن جهة أخرى بنشر أصوات ومجموعات الحقوق والحريات الثقة فى كون التحول الديمقراطى قادم لا محالة وإن طال زمن إدارة عمليات التحول المتنوعة وإن حضرت احتمالية ارتفاع كلفته على المواطن والمجتمع والدولة (وهو ما أتمنى لمصر أن لا تنزلق إليه)، إدراك أن مسئولية البناء والعمل فى المجتمع المدنى ومسئولية الإسهام فى دعم الجهود التنموية التى تتقاطع مع حياة الناس وظروفهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية تقعان أيضا على عاتق القوى الديمقراطية ولا بديل عن الاضطلاع بهما دون انتظار لتحقيق نجاحات واختراقات كبرى أو صغرى فى ملفات مواجهة انتهاكات الحقوق والحريات والعدالة الانتقالية وإحياء السياسة.

البناء والعمل والتنمية هى شروط أساسية لا تقبل التأجيل لمساعدة مصر المواطن والمجتمع والدولة على الحد من كلفة وضعية الأمة القلقة ومن كلفة صراعات اقتصادية واجتماعية وسياسية قادمة لا محالة فى سياق تحولات اليوم والغد، وهنا أيضا فرص حقيقية للقوى الديمقراطية ولأصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات لاكتساب شىء من الرضاء الشعبى العام وبعض الثقة فى التزامها بالصالح العام بمضامينه الشاملة.

غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات