هل نتغير إلى الأحسن؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نتغير إلى الأحسن؟

نشر فى : الجمعة 16 يناير 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 يناير 2015 - 8:55 ص

(1)

أتاح الله جل جلاله للبشرية أكثر مما تستحق، فقد خلقها وخلق رزقها كاملا قبل أن يخلقها، ورفعنا فوق درجة الملائكة، واصطفى منا ــ نحن البشر ــ الأنبياء والرسل، وسخر لنا السموات والأرض وما فيهما. ولما عبث الأشرار بالكتب السماوية الأولى، أنزل جل جلاله كتابه الخاتم ــ القرآن الكريم ــ لا يقبل التحريف ولا يلين للإخفاء، ويستعصى على المخاطرة، وتكفل جل جلاله بحفظه أبد الآبدين، حيث قال «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».

(2)

وجاء محمد (صلى الله عليه وسلم) يحمل القرآن شفاء دون أجر، ورحمة بغير منّ ولا أذى، فهدى الله به الناس وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا، ثم رحل صلى الله عليه وسلم إلى ربه كما جاء، لم يكنز شيئا ولم يورث أحدا شيئا، بل خرج من الدنيا لا يوصى الناس إلا بأنفسهم ودماءهم وأموالهم. وإذا خص أحدا بوصية، فإنما يخص المستضعفين، فقد أوصى بالنساء، وأوصى بغير المسلمين، بل إن الله قد أطلعه على فتح مصر وطرد الرومان منها، فسارع يوصى أتباعه بأهل مص،ر فقال «تواصوا بأهل مصر خيرا، فإن لى فيهم نسبا وصهرا».

(3)

وكذلك أتاح الله جل جلاله لنا دائما تذكيرا وإعلانا مجانيا يجذب القلب ويطرب السمع ويسر النفس. هل علمت ما هو هذا التذكير والإعلام؟ إنها المساجد فيها آيات بينات:

مجرد وجود المسجد بين المنشآت له وظيفة مهمة، فكل المنشآت لها أصحاب ولهم عليها سلطات سواء كانت للأفراد أو الحكام والحكومات، أما المسجد فهو إعلان ثابت دائم عن وجود الله وشيوع رحمته، وعدم تحكم أحد من البشر فيها.. فبيوت الله حرز آمن لكل من يدخلها، ومعلم واضح يذكر الناس دائما أن «الله موجود» وأن العاقل من «يخشاه ويتحبب إليه».

ثم انظر أيضا فى تلك الرحمة الواسعة الممتدة زمانا ومكانا. رحمة الأذان: يتردد كل يوم فى كل مسجد، بل فى الإذاعات والفضائيات. يتردد خمس مرات معلنا أن «الله أكبر»، أكبر من أى متكبر، ولسوف يقهر المتكبرين، وأكبر قدرة على إنصاف المظلومين.

ثم إن توقيت الصلوات على مدى اليوم والليلة يجعل التذكير والإعلام دائما لا يسهو عنه إلا من أسرف على نفسه واتبع هواه.

ثم إن وقت كل صلاة «دقائق معدودات» يعقبها انصراف بعد الصبح 7 ساعات وبعد الظهر 3 ساعات وبعد العصر ساعتين، وساعة بين المغرب والعشاء. هذا فالشعائر قليلة، وباقى الزمن متروك لنا للإعمار والإنتاج والإصلاح أو الراحة أو التواصل والتعارف.. إلخ. فكيف نستثمر عمرنا وزمننا لمنفعتنا ومصلحتنا؟

(4)

على الإنسان واجب نحو نفسه، أن يتقن حرفة أو مهنة تكون ضرورية للمجتمع الذى يقيم فيه، فلا قيمة لحرفة أو لمهنة إلا فى الموطن الملائم لها حيث توجد مواردها الخام، أو حيث توجد أسواق طلبها، ولا عبرة بتلك المؤهلات والشهادات التى لا يحتاج الناس إليها أو لا توجد مؤسسات وكيانات لاستخدامها.

وإذا لم يسع الإنسان إلى توفيق قدراته وملكاته لطلبات المجتمع وما يحتاجه الناس، فلسوف يعيش ذليلا وربما ينقلب حاقدا على غيره.. فليحذر العاقل أن تمر سنوات عمره وهو لا يتقن حرفة أو مهنة اتقانا يجعله راضيا عن نفسه.

(5)

وعلى الإنسان أن يصارح نفسه: هل يستطيع أن يعيش بمفرده؟ بمعنى هل يستطيع أن يكفى نفسه مسئولية إيجاد الطعام وإعداده؟ وإيجاد الملابس وإعدادها؟ والسكن والصحة.. إلخ.

فإذا صارح نفسه، فلا شك أنه لا يقدر، فكيف يحصل على كل احتياجاته وهو لا يقدر عليها؟ سيرى العاقل أنه يحتاج إلى جهود كثيرة من غيره، ولن يستطيع الحصول على تلك الجهود إلا أن يبادلهم بجهده هو، وكلما كان جهده مطلوبا ونافعا، استطاع أن يحصل على احتياجاته جيدة ونافعة.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات