من النظام الرئاسى إلي النظام البرلماني - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من النظام الرئاسى إلي النظام البرلماني

نشر فى : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 12:02 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 12:03 م

 الشعب يريد تغيير النظام».. شعار أساسى من شعارات الحركة الشبابية الشعبية ــ حركة 25 يناير ــ ولكنه لم يفحص جيدا وعميقا خلال الأيام الأخيرة.

فماذا يعنى هذا الشعار؟.

إن مصطلح «النظام» له تعريفات متعددة فى الكتابة السياسية، وخاصة فى ضوء عمومية المصطلح فى الحقل التداولى باللغة العربية. فقد يراد به لدى البعض مجرد ترتيب لعناصر القوة فى مجال معين هو فى الغالب المجال السياسى كمقابل للفظة الإنجليزية، order وقد يصبح دالا على حقيقة أكثر تناسقا وانسجاما فيصير مرادفا للنسق system. ويطلق مصطلح «النظام» على منظومة الحكم كمقابل لكلمة Regime، وقد ينتقل من هذا المعنى الضيق إلى معنى بالغ الاتساع هو النظام الاقتصادى ــ الاجتماعى ــ السياسى، وما بينهما عدد من المعانى متفاوتة الضيق والسعة.

ونبادر إلى القول إننا نعنى بالنظام، كما فهمناه من شعارات الحركة الشبابية الشعبية، ذلك المعنى الواسع، أى النظام الاقتصادى ــ الاجتماعى ــ السياسى، ووفقا لهذا المعنى الذى نتبناه، نحاول تفصيل بعض أركانه، بدء من القول إن الشباب فى مصر يريد تغييرا جذريا فى بنيان الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أى أنه ــ كما نفهم ــ يريد تغييرا شاملا، يريد ثورة كاملة. بيد أن الثورة تنجز من خلال مراحل زمنية متتالية تبدأ يما يمكن أن نسميه بالمرحلة الانتقالية. وبدون التوغل فى المضامين بعيدة المدى للثورة فى الظرف الراهن، فإننا نقتصر على المضامين الاستراتيجية للمرحلة الانتقالية المقبلة من عملية «الثورة» والتى سيكون من شأنها إطلاق موجة كاملة من حركة التحرر الوطنى الجديدة، عربيا وعالميا، بآفاق اجتماعية تقدمية.

إن أول حلقة من حلقات النظام السياسى هو الإطار الدستورى. ونريد أن نقدم اجتهادنا فى هذا الشأن فنقول إن ترجمة شعارات الحركة الشبابية الراهنة، تنصرف إلى تبنّى نظام دستورى مختلف تماما عما شهدته مصر طوال قرن تقريبا.

ففى الفترة منذ صدور دستور 1923 ــ بطريقة «المنحة» كما يطلق عليها فى كتابات القانون الدستورى ــ حتى ثورة 23 يوليو 1952، كان نظام الحكم الدستوى يرتكز إلى توزيع للسلطة بين عدة محاور هى الملك، والبرلمان، ومجلس الوزراء أو الحكومة.. وكان توزيع السلطة بين هذه المحاور يعكس حقيقة سياسية أعمق، هى السيطرة الثلاثية للاستعمار البريطانى والقصر الملكى والإقطاع الزراعى.

واعتبارا ممن 23 يوليو 1952، وخاصة منذ حسم صراع السلطة فى غمار ما يسمى بأزمة مارس 1954، وبصفة أخص منذ الاستفتاء على رئاسة الجمهورية لأول مرة فى عام 1956، ثم صدور دستور 1956، أخذ يتبلور نظام دستورى «رئاسى»، يتمحور من حول الشخصية الاستثنائية لجمال عبدالناصر. وكان الدور الهائل لهذه الزعامة الاستثنائية يملأ فراغ القوة، وفضاء السلطة السياسية، بشكل كلى تقريبا.

وبرحيل الشخصية الاستثنائية لجمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، كان يفترض استبدال النظام الدستورى الرئاسى، الذى استمد مبرره من الموقع الزعامى، إلى نظام آخر ينقل مركز السلطة من رأس السلطة التنفيذية ــ رئيس الجمهورية ــ إلى محور معبر عن توزيع تعددى متوازن للقوة، يعوّض فقدان الزعامة ويستجيب لتطلعات المجتمع الذى جرى تكوّنه تكونا جديدا خلال عشرين عاما تقريبا.

ولكن بدلا من ذلك، فإن دستور 1971 استمر فى تبنى النظام الرئاسى، بل وخلع على منصب رئيس الجمهورية سلطات إضافية مستمدة من «نظرية الضرورة»، وجعله «الحكم بين السلطات»، وكرّس آلية «الاستفتاء الشعبى العام» كأداة لتثبيت سلطة رأس الدولة من خلال الرجوع «الشكلية» إلى الشعب.. وتم تسليح هذه المنظومة الرئاسية التى يمكن وصفها بالاستبدادية، بمنظومة تشريعية كاملة، تبدأ من (قانون الطوارئ) أو ما يسمى كذلك، ولا تنتهى إلا وقد أحاطت بمفاصل النظام الدستورى كله.

وقد ورثت مصر منذ 1981 هذا النظام الدستورى المسلّح بالأحكام العسكرية لقانون الطوارئ، والذى تم تكريسه سابقا ــ فى عهد السادات ــ بإطلاق مدد رئاسة الجمهورية، وتثبيته لاحقا ــ فى عهد مبارك ــ من خلال مجموعة شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، بعد تحويل آلية تولى المنصب من الاستفتاء إلى الانتخاب التعددى، بحيث جعلت من المنصب المذكور حكرا على الدائرة المغلقة للمجموعة الحاكمة المحصنة شكليا من وراء تنظيم سياسى متمركز حول السلطة التنفيذية، هو الحزب الحاكم المسمى بالوطنى الديمقراطى، والذى يرأسه الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية.

وإذ تتطلع مصر، بعيون شبابها الآن، إلى تغيير شامل فى النظام السياسى، بدءا من النظام الدستورى، فإن الأمر يقتضى إحداث تحول جذرى فى بنية النظام، من خلال الانتقال من النظام الرئاسى إلى النظام البرلمانى. وهذه نقطة جّد مهمة لم نجد لها ذكرا واضحا فى النقاش العام الجارى حاليا، والذى يتركز فيما يبدو حول إجراء تغيير ما داخل الصيغة الرئاسية ذاتها. ودون الدخول فى تفاصيل ما يقصد بالنظام البرلمانى، مما يجب أن يتولاه فقهاء القانون الدستورى خلال الفترة القادمة، فإن المطلوب هو «دسترة» توزيع جديد للقوة داخل النظام السياسى، بحيث يصبح البرلمان المنتخب بطريقة التمثيل النسبى غير المقيّد، مع كفالة حرية التمثيل السياسى لغير المنتمين للتنظيمات السياسية ــ أو من يسمون بالمستقلين. وتنبثق من البرلمان «حكومة» ــ وزارة أو مجلس وزراء ــ تمثل القوى ذات الثقل الأكبر فى الهيئة النيابية، فى أشكال يفرضها الواقع المتغير لبناء القوة السياسية فى المجتمع. وتصبح الحكومة المنبثقة من البرلمان مسئولة أمامه، مسئولية جماعية ومسئولية فردية كذلك، بحيث يحق للبرلمان سحب الثقة من الحكومة كلها أو بعض أعضائها، ومساءلتها مساءلة جدية من باب أوْلى، كما يمكن بموافقة البرلمان، اجراء انتخابات مبكرة حينما يفقد البرلمان نفسه مبرر وجوده. أما رئيس الدولة فإنه يصبح رمزا للسيادة، وتصبح سلطاته الدستورية منحصرة فى تولى اختصاصات ذات طابع تنسيقى لتشغيل مكونات الآلة الدستورية الجديدة.

وما أشدّ احتياج مصر فى هذه المرحلة إلى هذا النظام البرلمانى الذى يعكس إرادة الشعب، وينزع عن رئيس الدولة تلك الهالة الأسطورية التى تحيط بمن يستحق ومن لا يستحق بغير موجب من مؤهلات قيادية أو زعامية حقيقية.

أما البرلمان فإنه يجب أن يحاط تشكيله بجملة ضمانات تجعل عملية الاقتراع تعبيرا حقيقيا عن «الصوت» الشعبى. ولكى يتم ذلك فإن هناك ضمانتين أساسيتين:

الضمانة الأولى هى بناء الحياة السياسية بطريقة تكفل حرية تمثيل الإرادة الشعبية تنظيميا، وأول عناصر هذه الطريقة: الفصل بين الأحزاب السياسية وجهاز الدولة. ويتضح فى ضوء ذلك، العوار البادى فى اختلاط الحزب الحاكم ــ فى ظل عهد مبارك ــ بجهاز الدولة، من قمة الرأس إلى أخمص القدم، مما يهدر حرية وفاعلية الحياة السياسية إهدارا تاما.

الضمانة الثانية هى توفير فرصة العيش الكريم لكل أبناء المجتمع، بحيث لا تصبح «بطاقة الانتخاب» رهينة لرغيف الخبز. ويتحقق ذلك من خلال نظام اقتصادى واجتماعى جديد، يلبّى الاحتياج المجتمعى إلى التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات