الفحم وعملية اتخاذ القرار فى مصر - إبراهيم عبد الجليل - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفحم وعملية اتخاذ القرار فى مصر

نشر فى : الأربعاء 16 أبريل 2014 - 8:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 أبريل 2014 - 8:05 ص

بعد حوار مجتمعى استمر لعدة أسابيع فى مصر حول مخاطر السماح باستيراد الفحم واستخدامه كوقود فى صناعة الأسمنت بسبب عدم كفاية الغاز الطبيعى لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة فى مصر، فوجئنا جميعا بقرار مجلس الوزراء بالسماح باستيراد الفحم واستخدامه. ويثير هذا القرار الكارثى العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع من وراء ذلك، والمعايير التى تم بناء عليها اتخاذ مثل هذا القرار.

ومن يتابع ذلك الحوار الدائر فى وسائل الإعلام، يجد انحيازا غير برىء لاستيراد الفحم. فمن أبجديات العمل الإعلامى وأخلاقياته عدم الانحياز لأى من الأطراف المتحاورة حول القضايا المجتمعية مثل قضية مستقبل الطاقة التى نحن بصدد مناقشتها هنا. فوظيفة الإعلام الأساسية هى عرض الحقائق للرأى العام ولصانع القرار دون إفراط أو تفريط. لكننا رأينا وما زلنا الكثير من الإعلاميين خاصة فى برامج التوك شو يندفعون دون وعى، ودون علم فى معظم الأحيان، فى الدفاع عن الفحم تحت دعوى تأمين مصادر الطاقة حتى لا تتوقف عملية الإنتاج خاصة فى مصانع الأسمنت التى أدارت وساندت حملة إعلامية ضخمة بمساعدة اللوبى المناصر لها داخل الحكومة المصرية لتقديم هذه القضية للرأى العام على أنها معركة بين صناعة الإسمنت، وبين وزيرة البيئة. لقد بلغ التضليل الإعلامى مداه حينما يطالعنا أحدهم على شاشة التليفزيون مؤخرا مهللا لهذا القرار ومؤكدا بجرأة يحسد عليها أن الفحم أنظف من الطاقة الشمسية بل أنه «أنظف من الصينى بعد غسيله»، هكذا قال لا أسكت الله له صوتا.

•••

والحقيقة أن القضية أكبر من ذلك بكثير فهى قضية مستقبل إمدادات الطاقة فى مصر. وأتعجب أن تترك وزيرة البيئة وحدها فى مواجهة غير متكافئة مع هذا اللوبى الذى تحركه الشركات متعددة الجنسيات التى تمتلك نحو 85% من طاقة إنتاج الاسمنت فى مصر، والذى تسعى فقط لمزيد من الأرباح استغلالا للأوضاع السياسية غير المستقرة فى مصر منذ ثورة يناير 2011. لم يتحرك أحد داخل مجلس الوزراء اللهم سوى وزير السياحة حيث يمثل استخدام الفحم ضربة قاصمة لصناعة السياحة فى مصر، والتى تعانى بالفعل ركودا هائلا بسبب الأوضاع السياسية والأمنية القائمة.

لم نسمع رأيا لوزير الصحة المسئول عن صحة المصريين، عن الآثار الصحية الكارثية لاستخدام الفحم، وعن تكلفة علاج تلك الآثار، ومن سيتحمل هذه التكلفة أخذا فى الاعتبار الأوضاع المتردية لمنظومة الخدمات الصحية فى مصر والتى استدعت إضراب الأطباء المستمر الآن لبضعة أسابيع.

تشير دراسة لجامعة هارفارد نشرت مؤخرا بأن إضافة تكلفة الأضرارالصحية والبيئية لاستخدام الفحم يجعل التكلفة الفعلية تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن التكلفة الحالية، مما يجعل استخدام الطاقة المتجددة أقل كلفة من استخدام الفحم.

•••

لم نسمع رأيا لوزير النقل المسئول عن الطرق ووسائل النقل عن مدى جاهزية وقدرة الطرق والموانئ والسكك الحديدية على استيعاب وتداول ملايين الأطنان من الفحم التى سيتم استيرادها من الخارج سنويا، ونحن نعرف جميعا مدى تهالك كل من الطرق والسكك الحديدية.

لم نسمع رأيا علميا للمجتمع الأكاديمى عن مخاطر استخدام الفحم بيئيا وصحيا، وكأن الجامعات المصرية المنتشرة فى ربوع مصر ليس لديها ما تقدمه فى خدمة قضايا التنمية. بل شغلنا الرأى العام المصرى لأشهر عدة بخلاف قضائى بين جامعة النيل وبين جامعة زويل على قطعة أرض، ولم نسمع حتى اللحظة رأيا لصاحب جائزة نوبل فى هذه القضية المحورية.

لم نسمع رأيا لجمعيات حقوق الإنسان، وكأن الحق فى بيئة نظيفة ليس حقا من حقوق الإنسان فى مصر، رغم ما نصت عليه المادة (46) من الدستور بأن «لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة وحمايتها واجب وطنى وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها وعدم الإضرار بها».

لم نسمع رأيا للأحزاب المصرية الكرتونية التى فاق عددها 90 حزبا سياسيا لا نعرف ما يشغلهم إن لم يشغلهم مستقبل الطاقة والتنمية فى مصر، وصحة الإنسان المصرى.

لم نسمع رأيا لمرشحى الرئاسة وعما هم فاعلون فى هذه القضية الحيوية لمصر ومستقبلها.

لم نسمع رأيا للمجلس القومى للمرأة، والذى ترك الوزيرة وحدها فى مواجهة قوى الضغط وأصحاب المصالح وكأن هذه القضية لا تعنى المجلس الذى أنشأ ليدافع عن حقوق المرأة.

•••

إن هذه القضية أيها السيدات والسادة ليست قضية وزيرة البيئة وموقفها الوطنى الشجاع، ولكنها قضية كل مصرى ومصرية، قضية الأبناء والأحفاد، قضية بلد يتطلع لمستقبل مشرق، وليس مستقبلا ملوثا بغبار الفحم الأسود، وكأننا نرجع بمصر للوراء لعدة قرون.

إن قرار استيراد الفحم واستخدامه فى مصر هو قرار من لا يملك وقد أعطى حقا لمن لا يستحق، فهذا القرار المصيرى كان يجب ألا تتخذه حكومة مؤقتة عمرها لن يطول أكثر من بضعة أشهر قادمة، وفى غيبة لبرلمان منتخب، وفى فترة انتقالية حرجة فى تاريخ مصر، خاصة أنه يأتى لمصلحة مجموعة من الشركات الأجنبية فى صناعة لا تساهم بأكبر من 2% من الناتج القومى المصرى، بهدف زيادة أرباحها، التى قدرت بنحو 6 مليارات جنيه سنويا، على حساب تدهور صحة المصريين، المتدهورة أصلا.

إننى كمواطن مصرى أطالب، بمقتضى الدستور، السيد رئيس الوزراء بأن يعرض على الرأى العام المصرى الدراسات التى تمت والتى أثبتت جدوى استيراد الفحم اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، والتى أتخذ على أساسها هذا القرار الكارثى، وإن لم تكن تلك الدراسات موجودة، وأحسب أنها كذلك، فأرجو أن يعاد النظر فى هذا القرار حماية لمستقبل الأجيال القادمة فى مصر.

إبراهيم عبد الجليل الرئيس الأسبق لجهاز تخطيط الطاقة والرئيس الأسبق لجهاز شؤن البيئة
التعليقات