الاحتجاج ليس مرضًا - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتجاج ليس مرضًا

نشر فى : الجمعة 16 مايو 2014 - 6:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 مايو 2014 - 6:30 ص

اتجاه متصاعد فى وسائل الإعلام يتحدث عن الشباب كمهووسين بالاحتجاج والرفض لأى شىء لمجرد الرفض، أصوات أخرى تتهم الشباب بأنهم غير مسئولين ولا يقدرون المصلحة الوطنية التى تقتضى ــ من وجهة نظرهم ــ الصمت والرضا التسليم والرضوخ بكل ما يصدر عن السلطة حتى لو كان خرافات تتناقض مع العقل والموضوعية، يطلبون من الجميع الصمت عن الانتهاكات البالغة التى تحدث كل يوم للحريات والحقوق، يلعبون على غريزة الخوف لدى الناس ويضاعفون تلك المخاوف عبر أحاديث المؤامرة والتفزيع بسيناريوهات خيالية لجعل الجماهير تصمت عن حقوقها المهدرة وحرياتها المصادرة.

يرتفع صوت السلطة الأبوية التى تفرض وصايتها على العقول والتى تخبر الشعب أنها الأكثر دراية بمصلحته وأنه لا يعرف ما الذى يحدث حوله ويحاك له، ويقدمون أنفسهم دوما كمنقذين للشعب ومضحون من أجله بالتوازى مع الهجوم الدائم على المختلفين فى الرأى والذين يرفضون تلك الوصاية وينفرون من محاولات انتاج فلسفات حقبات زمنية بائدة قادت مصر إلى التردى والسقوط المتوالى الذى ندفع ثمنه حتى الآن وتتحمل كلفته الأجيال الجديدة التى ارتضى أجدادها وآباؤها يوما أن يعيشوا بهذه الطريقة ولا يرفضونها.

•••

إن أسوأ الأشياء أن يرتدى الماضى ثوبا جديدا ويقدم نفسه بكل كوارثه وخطاياه للناس على أنه حلم المستقبل، عمليات الماكياج الفكرى والسياسى لم تفلح فى إخفاء ندوب الماضى ونواقصه لأنه بالفعل (ماض) قد انتهى زمنه ولا يجب أن يعود ولذلك فالمأساة الكبرى التى تعيشها الشعوب التى تقع فى تلك الخديعة أنها تكتشف بعد السقوط كيف جنت على نفسها وضيعت على نفسها فرصا لصناعة مستقبل واعد، سنن الحياة وتجارب التاريخ تؤكد أن الاستبداد لا يلد ديمقراطية وأن العقول التى تتعامل مع الشعوب بمنطق السلطة الأبوية وتدعى احتكار الفهم تقود هذه الشعوب لنهايات حزينة ومؤلمة، وأن من يقنعون أنفسهم بأن الرضوخ لهذا المنهج ضرورة تفرضها اللحظة هم لا يضرون أنفسهم فقط بل يشاركون بلا وعى فى تدمير مستقبل الأجيال القادمة.

لذلك من يحاولون تصوير الشباب كمرضى بالاحتجاج والرفض الدائم هم يدركون أن أكبر خطر يواجههم هى تلك القوة الضاربة التى تقف فى وجوههم وتعيق مخططهم لإعادة إنتاج الماضى وترسيخ الفشل والجهل والاستبداد كضرورة، حين يرفض الشباب ويحتجون فإنهم يدافعون عن حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم، قوة الشباب المخيفة لصناع الاستبداد تكمن فى العلم والاستفادة من قراءة التاريخ والانفتاح على العالم الذى نبذت أغلب شعوبه هذه الفلسفة الأبوية التى أصبحت من مخلفات التاريخ.

لو عاد عبدالناصر بكاريزمته ورجع السادات بدهائه لن يستطيعوا حكم هذه الأجيال الشابة بما حكموا به جدودهم وآباءهم فقد انتهى زمن الأب القائد والزعيم الملهم والرئيس الحكيم وهبة السماء، وما لم يفهمه هؤلاء حتى الآن أن الزمان قد اختلف والأجيال قد تغيرت والشباب ــ كل الشباب من العشرينى والثلاثينى ومن هم أصغر منهم ــ لن يدخلوا بيت الطاعة لأى سلطة ولن يتعايشوا مع أى استبداد ومخلفات للماضى ولن يقتنعوا بالعشوائية وأناشيد الوطنية المزيفة كمبرر للرضوخ والتسليم للجهل والخرافة والسلطة الأبوية.

•••

من يتابعون التغير التكوينى والسلوكى والنفسى لكل جيل من هذه الأجيال الناشئة سيصيبهم الرعب فكل جيل جديد هو أكثر فهما ونضجا وقابلية ورغبة فى التعلم من الأجيال التى سبقته وبالتالى يصعب تزييف وعيه وكسر إرادته، جرب أن تقنع شابا فى المرحلة الإعدادية أو الثانوية الآن بما تقنع به شابا فى نهاية العشرينيات أو رجلا فى الخمسينيات وستكتشف الفارق والصعوبة لأن المنطق والحجة التى يتحدث بها الأصغر سنا تفوق من يكبره، أنت تواجه الآن طفلا بضغطة زر على تابلت أو موبايل فى يده يتواصل مع العالم كله ويعرف ما يحدث فيه ويقارن بين أوضاع بلاده والبلاد الأخرى، من تمت السيطرة عليهم فى الماضى عبر وسائل إعلام موجه ورسائل سلطوية نسبتهم فى المجتمع تتضاءل يوما بعد يوم والإعلام الذى تقدمه السلطة الأبوية اليوم وتعد مضمونه وتجعله موحدا عبر أذرعها المختلفة صار اليوم مادة للتندر والفكاهة والسخرية لدى هذه الأجيال الشابة التى تشفق على هؤلاء المنفصلين عن خط الزمن وتسخر من حمقهم الذى يصور لهم إن هذه الوسائل البائدة يمكن بها حكم الشعوب مرة أخرى!

•••

طوفان الشباب المتسلح بالمعرفة والعلم سيغمر أى مخلفات للماضى ويزيحها لأن هذه سنة الحياة، محاولات تأجيل الحلم وإجهاضه ستبوء بالفشل مهما تخيل أصحابها غير ذلك، لا مناص من رحيل الماضى وأفكاره وترك الوطن لتتفتح زهوره وتصنع مستقبله، مهما بدا للبعض أنهم ينجحون فى مخططهم فهذه لحظات (طلوع الروح) وإن استمرت شهورا أو عدة سنوات ففى النهاية ستلحق بما سبقها من تجارب بائسة لأن لن يصح إلا الصحيح والبقاء لم يعد للأقوى بل البقاء للأكثر معرفة وتعلما.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات