عن الأطفال والكتب ومهارات القراءة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الأطفال والكتب ومهارات القراءة

نشر فى : السبت 16 مايو 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : السبت 16 مايو 2015 - 9:20 ص

هل تنقرض عادة قراءة الكتب بين الأطفال؟ هل تنزوى المهارات الذهنية والسلوكية المرتبطة بالقراءة؟ هل أخذت الألعاب الإلكترونية مكان الكتب فى عالم الأطفال دون إمكانية فعلية لمواجهة سيطرة الهواتف الذكية والشاشات الملونة؟ هل يمكن بجانب تطويع التكنولوجيات الحديثة للأغراض التعليمية المزج بينها وبين الإبقاء على شىء من قراءة الكتب؟ ما الذى ينبغى على المدارس فعله، وكيف يمكن للمعلمات وللمعلمين تشجيع الأطفال على القراءة؟ هل يتعين على المدارس تنظيم زيارات أسبوعية للمكتبات العامة لكى يدرك الأطفال القيمة الجمالية والمعرفية للكتب، بجانب استخدامهم اليومى لمكتبات المدارس؟ أم أن الأطفال سينتقلون تماما من الورق إلى الشاشات حتى حين يقرأون الكتب، أى أن القراءة الإلكترونية هى أيضا وجهة المستقبل؟

•••

استقبل بريدى الإلكترونى هذه الأسئلة، والكثير من الأسئلة التفصيلية الأخرى، فى استطلاع لرأى أولياء أمور التلاميذ فى مدرسة ولدى لؤى ونوح بالعاصمة الألمانية برلين. وحفزنى ذلك على البحث عن دراسات أكاديمية بشأن قراءة الأطفال واتجاهات التفكير فيها فى زماننا الراهن، لكى أتجاوز الانطباعات والتفضيلات الشخصية ــ فقد لاحظت فى الآونة الأخيرة أن الألعاب الإلكترونية بدأت تحتل مساحات تتسع بانتظام فى ساعات يوم لؤى ونوح التى تعقب العودة من المدرسة وفى عطلة نهاية الأسبوع، ولاحظت أيضا تواتر أحاديثهما عن استخدام الأجهزة الإلكترونية ﻷغراض تعليمية إن فى العام الدراسى السادس بالنسبة للؤى أو العام الدراسى الثالث الذى يمر به نوح الآن.

ومما طالعت من دراسات أكاديمية ــ وأعترف بمطالعتها إلكترونيا ــ يتضح أن الاتجاه الغالب فى التفكير فى أمر الأطفال والكتب ومهارات القراءة يدور حول النقاط التالية:

1. الألعاب الإلكترونية تجتذب الأطفال بعيدا عن قراءة الكتب.

2. وحقيقة أن جدوى توظيف التكنولوجيات الحديثة لقراءة الكتب تظل محدودة ﻷن الألعاب الإلكترونية لها جاذبية أعلى من قراءة الكتب على شاشات الهواتف الذكية وغيرها.

3. كذلك يمكن بشأن بعض المقررات الدراسية وبعض المعارف العامة توظيف التكنولوجيات الحديثة على نحو يمرر المحتوى التعليمى بألعاب إلكترونية ــ ومما قرأت، يبدو أن هناك ألعابا كثيرة تمرر المحتوى التعليمى لمناهج الرياضيات والعلوم والجغرافيا والتاريخ.

4. يتعين على المدارس منع الأطفال من اصطحاب ومن ثم من استخدام الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية ذات الشاشات خلال اليوم المدرسى، لكى تظل ساعات اليوم المدرسى فى شقها الأكبر مخصصة لقراءة الكتب (أو كل ما يدون على الورق) وتسيطر المدرسة على توظيف التكنولوجيات الحديثة لأغراض تعليمية وتساعد بذلك الأطفال على تعلم الاستخدامات الأخرى ــ أى غير الألعاب الترفيهية ــ للأجهزة الإلكترونية ذات الشاشات.

5. دور الأهل فيما وراء ساعات اليوم المدرسى هو البحث عن توازن بين السماح للأطفال باستخدام الأجهزة الإلكترونية فى الألعاب الترفيهية وبين تشجيعهم على وضع حدود زمنية ذاتية لاستخدامها بحيث لا تطغى الشاشات على المتبقى من اليوم بعد المدرسة، وهو البحث عن توازن بين استخدام الأجهزة الإلكترونية وبين توظيفها المتنوع تارة للألعاب الترفيهية وتارة للألعاب ذات المحتوى التعليمى وثالثة للقراءة، وهو أيضا البحث عن توازن بين استخدام الأجهزة الإلكترونية والتكنولوجيات الحديثة وبين القراءة التقليدية للكتب وللمدون على الورق لكى يكتسب الأطفال المهارات الذهنية والسلوكية المرتبطة بالقراءة وهذه تتمثل فى التركيز على المعانى والمضامين دون استثارة دائمة لحواس أخرى ــ هناك الكثير من الأبحاث الطبية وفى علم النفس الطبى التى تشير إلى تعقد وسرعة استخدام أطفال اليوم لكل حواسهم فى ذات الآن على نحو يفقد على سبيل المثال الأصابع والأعين القدرة على الحركة الهادئة أو الحركة الأحادية دون حواس أخرى، كأن يقرأ دون أن يحرك أصابعه أو أن يستخدم الأصابع فى هواية بسيطة كتشكيل الصلصال دون أن يفعل ذلك بعينيه أيضا على شاشة ملونة لهاتف ذكى.

6. تشجيع دور النشر التعليمية ودور النشر العلمية والفكرية والثقافية على إصدار كتب تخاطب اهتمامات أطفال اليوم وتحفزهم على القراءة دون تنميط يقصر الكتب حديثة النشر على الأساطير والمغامرات الخيالية المرتبطة بشخصيات تجد بداياتها فى الألعاب الإلكترونية كحروب النجوم والمجرات والأبطال الخياليين ثم توضع خواتيمها فى أفلام سينمائية تحقق إيرادات غير مسبوقة بفعل تنميط رغبات الأطفال ومن ثم سلوك أولياء الأمور والأهل.

7. تحفيز الأهل والمدارس ودور النشر على إعادة اكتشاف كلاسيكيات كتب الأطفال فى السياقات اللغوية المختلفة، وتشجيع الأهل والمدارس على وضع جداول ثابتة لقراءتها الفردية والجماعية من قبل الأطفال، وكذلك على مقارنتها بما يكتب اليوم لهم دون فرض لتقييمات نمطية من قبل الأهل أو من قبل المعلمات والمعلمين على الأطفال (من شاكلة الأعمال الكلاسيكية أفضل أو أرقى) وترك المجال للأطفال لاكتشاف جاذبية الكلاسيكيات أو تقرير بعدها الكامل عن حياتهم واهتماماتهم ومن ثم قراءة كتب معاصرة ــ ففى جميع الأحوال، سيكتشف الأطفال شيئا من المشترك مع الأهل والقائمين على تعليمهم.

•••

أتمنى أن ينتقل إلينا ذات الاهتمام بالأطفال وبحظوظهم من قراءة الكتب وبالفرص الفعلية لتمكينهم من المزج بين الأجهزة الإلكترونية والألعاب الترفيهية وبين المحتوى التعليمى والقراءة الكلاسيكية والحديثة فى المدارس وخارجها.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات