خطر التزوير - تميم البرغوثى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطر التزوير

نشر فى : الثلاثاء 16 أغسطس 2011 - 9:09 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 أغسطس 2011 - 9:09 ص

 أيها الناس، قبل أن يدخلونا مرة ثانية فى دوامة الخلاف على المواد الحاكمة للدستور وغيرها، أرجو أن نتذكر ما جرى فى الأسابيع السبعة الماضية من أواخر شهر يونيو إلى اليوم، لنرى إن كانوا ينصبون لنا فخا أم لا. لقد عمل بعض الناس على مدى الشهرين الماضيين على تحقيق وحدة وطنية تفكك آلة القمع فى وزارة الداخلية بما يضمن حرية الانتخابات القادمة وصحة الحياة السياسية التى تتلوها، وعمل آخرون على مماحكة خصومهم السياسيين والإصرار على الزج بمطالب غير توافقية فى المظاهرات أدت إلى خسران الميدان وإضعاف الوحدة الوطنية وبقاء جهاز الأمن كما كان، لم يلحق به ضرر يُذكر. وها نحن على أبواب الانتخابات، وهى ما هى من ساحة للصراع السياسى يقلل من إمكانية الوحدة والإجماع، ويقلل بالتالى من إمكانية الحشد والضغط فى الشارع على آلة القمع. معنى هذا أننا داخلون إلى الانتخابات بإشراف وزارة داخلية لا تختلف عن داخلية مبارك إلا قليلا، وبعشرات الآلاف من البلطجية الجاهزين للعمل، وبإشراف لواء سابق فى أمن الدولة كان هو ذاته المشرف على الانتخابات المزورة أيام مبارك. وحتى إذا لم تزور هذه الانتخابات، فإن بقاء آلة القمع على حالها يعنى أن التهديد لحرية التعبير والتنظيم سيبقى قائما، وأن السيف سيظل مسلطا على الرقاب حتى وإن لم ينزل عليها الساعة.

أيها الناس لنتذكر ما كان فى هذه الأسابيع السبعة التى بدأت باعتصام لأهالى الشهداء وانتهت إلى محاكمة الرئيس المخلوع، لنرى إن كنا فى خطر أو أمان. بدأت سلسلة الأحداث الأخيرة بهجوم على اعتصام أهالى الشهداء أواخر شهر يونيو ومواجهات مع قوات الأمن المركزى والبلطجية فى ميدان التحرير أسفرت عن ألف جريح أو يزيد. كانت هذه هى الواقعة التى رقص فيها بعض عساكر الأمن المركزى بسيفين، وأتحفنا الضباط بإشارات أصابعهم وسباب أمهات المصريين بشرفهم،وقد أذاعت وسائل الإعلام ذلك. أدت هذه الحادثة إلى نزول الناس إلى الشارع قبل التنظيمات، فالناس كالعادة أفهم وأحكم. وتلا ذلك تكثيف المشاورات بين القوى السياسية لتجاوز الخلاف القائم بينها حول الدستور والانتخابات وإعطاء الأولوية لحقوق الشهداء وتفكيك أجهزة القمع. وأسفرت هذه المشاورات عن تغيير عنوان مظاهرة الثامن من يوليو ليصبح «جمعة الشهداء» بدلا من «جمعة الدستور أولا» وشارك فيها الإسلاميون والعلمانيون، وتفاءلنا خيرا باجتماع الكلمة ودرء الخطر. بل كان ثمة اقتراح بتنظيم مظاهرة أخرى يوم الجمعة الخامس العشر من يوليو لتكون «جمعة الوحدة الوطنية وتطهير الداخلية». إلا أن خلافا نشب بين القوى السياسية مساء يوم الثامن حول الاعتصام فى ميدان التحرير من عدمه، وقامت بعض القوى الليبرالية بمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين رغم مشاركتها فى المظاهرة، وكتبت بعض وسائل الإعلام أن الميدان لم ينقص حين خرج منه الأخوان، وكان ذلك باطلا محضا، وضررا بالغا، وأدى، مع مؤثرات أخرى، إلى إجهاض جمعة الخامس عشر من يوليو، وإلى أن يصطبغ الاعتصام بلون سياسى واحد.

على كل حال استمر الاعتصام فى ميدان التحرير ومطالبه تتمحور حول حقوق الشهداء. لكن خللا شديدا شاب التنظيم، فاختُرقت اللجان التى كانت تؤمِّن أطراف الميدان، واعتصم مع الناس عملاء ومرشدون لأجهزة الأمن، صورهم النشطاء لاحقا وهم يلبسون واقيات الرصاص ويضربونهم بالعصى يوم فض الاعتصام. ولم يكن للاعتصام مطلب واحد بل أضافوا له مطالب أخرى أدت كثرتها إلى غموض أهداف الاعتصام على المواطنين المارين بالميدان، والذين كان المعتصمون يحتاجونهم لتكثير عددهم وإفلاح مسعاهم.

وأخيرا كانت جمعة «لم الشمل»، والتى بدأت جمعة لتطهير الميدان قررت فيها القوى الإسلامية أن تبين قوتها، ولولا تدخل بعض النشطاء الكرام لتحولت الجمعة إلى صدام بين الإسلاميين والعلمانيين تستفيد منه أجهزة الأمن دون غيرها. ومن البديهة القول أن الشمل لم يلتئم، وكان يوما عصيبا على العلمانيين، وانتهى الاعتصام بعد ذلك بيومين.

هل أُخذ حق الشهداء؟ يقول البعض إن المحاكمة جارية وإن فى ذلك أخذا بحقهم، ولكن هل تضمن هذه المحاكمات تطهير الداخلية كلها، وهل تضمن هذه المحاكمات أن الضابط الذى سب الناس بأمهاتهم والجندى الذى رقص لهم بالسيوف والقتلة الذين ما زالوا يهددون الأهالى إذا لم يبيعوا دم أولادهم بالمال سيكفون عما يفعلون. ثم هل تضمن هذه المحاكمات أن أجهزة الأمن لن تتدخل فى الانتخابات ولا فى الحياة السياسية اليوم ولا غدا، السنة ولا بعد خمس سنوات؟ هل سنُقبل على ديمقراطية كديمقراطية الملك فؤاد؟ حيث نختلف فى كل شيء إلا فيما هو مهم؟ فإذا انتخبنا برلمانا يريد المساس باتفاقيات قناة السويس والنفط والغاز وإسرائيل كان لدى أمريكا وحلفائها المحليين جهاز يستطيعون به تعطيل الحياة السياسية برمتها؟ إن الذين يتقاتلون على الدستور اليوم لا يخاطرون بحرية العباد فقط، بل باستقلال البلاد كلها.

تميم البرغوثى استشاري بالأمم المتحدة
التعليقات