حضارة الغرب وصرعاتها المجنونة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حضارة الغرب وصرعاتها المجنونة

نشر فى : الأربعاء 16 أغسطس 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 أغسطس 2023 - 8:05 م

هذا السقوط المتعاظم فى مكانة وأهمية وضرورة القيم الروحية والأخلاقية والسلوكية فى الحياة الإنسانية، والذى تضاف إليه صور متعاظمة متكررة لكل أنواع الرذائل الجنسية، بكل أنواعها البذيئة العبثية، أصبح قضية عالمية خطرة كبرى.
وكالعادة يبدأ الأمر فى بعض الدوائر الغربية، الأوروبية والأمريكية، حيث توضع اللبنات الأولى وتغطى بألف قناع من أقنعة الحق الذى يراد به باطل، وتقدم على الأخص كمواعظ فى الحرية والحقوق الإنسانية، ثم تسلم إلى ماكينة الإعلام والإعلان الغربية البالغة الكفاءة بالتلاعب بالألفاظ والخبرة وفى التلاعب بالعقول والنفوس لنشرها فى أشكال لا تعد ولا تحصى من التعبيرات الفنية والأدبية والفكرية والحقوقية.
هذا ما حصل من هجمة هائلة لتغيير وتشويه حقل التربية والتعليم، وتعريفات المواطنات والمواطنين الشخصية، ونظم الزواج وهتافات الرياضة، ومشاهد الأفلام والمسلسلات، وشتى المناقشات الإعلامية مع الأخصائيين والمواطنين والمواطنات، وذلك كله بهدف قبول كل أنواع وبذاءات القيم السلوكية الأخلاقية الشاذة الجديدة.
ما عاد لتاريخ السلوك الإنسانى المتعارف عليه، وحاجاته الروحية السامية، وما تقوله الديانات ومدارس علم النفس وتحذيرات الأطباء، وما عبر عنه الأدباء والفلاسفة عبر القرون، وما أوصلت إليه شبكات التواصل الاجتماعى من انحرافات مجنونة بائسة، ما عاد لكل ذلك أى قيمة عند من فجروا زوبعة الرفض التام لكل الضوابط الأخلاقية فى ماهية الإنسان وفى العلاقات الجنسية، وبالتالى لكل قيم الفضائل والسمو الروحى التى تقوم عليها كل تلك الضوابط.
لسنا معنيين بإجراء حوار مع حضارة الغرب ذات الوجهين. فالغرب لم يمنعه رفع شعار الحرية من ممارسة تجارة شراء وبيع العبيد الأفارقة، ولا شعار الأخوة الإنسانية من ممارسة ظاهرة استعمار الأوطان والشعوب وذبح الملايين من سكانها الأصليين المسالمين، ولا شعار المساواة من نهب واستباحة ثروات الآخرين. وبالتالى هناك ألف شك حول صحوة ضميره وحول فهمه السوىّ للعدالة وحول التقليل من نهمه المادى والرغائبى المتعاظم. ويكفى الإشارة إلى أن حوالى خمسين فى المائة من مواليد الكثير من بلدانه هم نتيجة العلاقات الجنسية العابرة المنكرة لمؤسسة الزواج وغير المعنية بالروابط العائلية.
ما يهمنا هو التوجه إلى شابات وشباب هذه الأمة العربية لمناقشة الأمر وإبراز المخاطر والتحذير من قدوم الكوارث الاجتماعية من خلال الظاهرة الجديدة التى فجرها وينشرها الغرب الأوروبى والأمريكى فى العالم كله. دعنا نذكرهم بأن اقترابهم من هذا الموضوع، باسم التمدن أو الحرية الشخصية أو الثورة على الأعراف، ستدخلهم فى الحال فى معركة طاحنة مع الجزء الدينى الإسلامى والمسيحى من ثقافة الملايين من أبناء وبنات أمتهم. وهى ثقافة تمثلها بالنسبة لهذا الموضوع الآيات القرآنية المبثوثة فى القرآن الكريم من مثل: «ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»، ومثل: «والذين إذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم»، ومثل: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وينهون عن المنكر»، ومثل «وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله»، ومن مثل: «وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى». وهناك عشرات الأحاديث النبوية من مثل «الحياء من البر»، ومثل «... وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة».
فى الديانتين يعتبر الخُلُق جزءا أساسيا مكملا للعقيدتين. وبالتالى يحتاج الشباب وتحتاج الشابات إلى أن يتجنبوا الدخول فى تلك المواجهة مع شعوبهم التى يراد لها أن تبعدهم عن الاهتمام بأمور معيشتهم وكرامتهم الإنسانية ولعبهم دورا فى انتقال مجتمعاتهم إلى عوالم الديمواقراطية والعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية السامية.
وفى الحقيقة فإن إدخالهم فى هذه الصرعة الجنونية العابثة الجديدة هى تتمة لكل صرعات النيوليبرالية من مثل الفردية المنفلتة والاستهلاك المادى النهم والتهليل لموت دولة الرعاية الاجتماعية وتجاهل الانخراط فى مؤسسات المجتمع المدنى النضالية.
إن رفضكم للدخول فى هذه الصرعة سيكون إعلانا منكم بأن ثقافة أمتكم هى غير ثقافة الغرب وبأن مقاومتكم لها هى تكملة لمقاومة النيوليبرالية ونظامها الرأسمالى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات