هو أنا ممكن أطلع حاجة كويسة؟ - ماجدة عدلي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:31 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هو أنا ممكن أطلع حاجة كويسة؟

نشر فى : الثلاثاء 16 سبتمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 سبتمبر 2014 - 8:50 ص

«أنا مش بأعرف آخد حقى من حد ولا عندى عزة نفس ولا كرامة.. حاسة إن سمعتى اتشوهت واختلطت بالحاجات القذرة، وعمر ما حد حيعذرنى ويقول كانت طفلة صغيرة. بأكره الرجالة وبأكره نفسى وبأستخسر أفرح.. بحس إن مش من حق اللى زيى إنه يفرح زى باقى الناس».

هذه بضع عبارات من أحاديث طويلة ممتدة مع شابة فى السابعة عشرة من عمرها. تعيش تجتر مرارة مأساتها لتسع سنوات ممتدة. فمنذ تعرضت لاعتداء ابن الخال وهى فى التاسعة من عمرها لم تجرؤ أن تفتح قلبها الحزين لإنسان. خشيت على والدتها المريضة بالسكر وعلى والدها الذى وضع أحلامه وطموحاته على كاهلها. وخشيت من تهديدات ابن الخال بتشويهها بماء النار.

تسع سنوات عاشتها بين الرعب من الأهل والمجتمع، والرعب من هذا الجانى القذر. وبين مشاعر الاحساس بالقهر والظلم ومشاعر احتقار الذات ودونيتها.

لم تلتمس لنفسها عذرا لصغر سنها وانعدام الخبرة والمعلومة عن حماية الجسد. كما لم تشعر أن أبويها مسئولان عما حدث لتركها تلعب فى بيت خالها أو لعدم تعليمها مبادئ حماية النفس.

الشابة تعكس جانبا مما تعانيه الناجيات من العنف الجنسى وأشفقت عليكم من ذكر القائمة الطويلة من المعاناة النفسية والنفس ــ جسدية للناجيات. واخترت تلك الشابة كنموذج لما يتم فى أسرنا وعائلاتنا ومازال موضوعا حرجا داخل الموضوع الحرج الخاص بالعنف الجنسى.

•••

فقد تناولت الأقلام فى الآونة الأخيرة موضوع التحرش فى الشارع والمترو والمستشفيات والعنف الجنسى الجماعى فى ميادين الحرية. ولم نطرق باب العنف الجنسى داخل الأسر والعائلات، على الرغم من شيوعه بدرجة لا يمكننا التغاضى عنها. فقد عايشنا الكثير من المشكلات كان الجانى فيها الأب أو الجد أو الخال أو العم أو الأخ الأكبر أو أحد أصدقاء العائلة الموثوق بهم.

تعلمون جميعا الوضع القاسى لناجية من العنف من شخص غريب عنها. سواء احتفظت بسرها أو أبلغت أسرتها. فتصوروا معى لو كان الجانى هو نفسه الشخص الذى تثق به أو يقوم على رعايتها وحمايتها ويعيشون معا فى بيت واحد أو تحت سقف واحد.

الغالبية تدفن سرها داخلها، تعيش معه وفيه، والقلة تلجأ للتقاضى متحدية ضغوط العائلة ومتحدية نظرات المجتمع التى لا ترحم.

ومع التقاضى وما يحمله من وضع مجتمعى ضاغط على الناجيات قد لا تتمكن الناجية من القصاص من الجانى لصعوبة الإثبات.

وإن كانت الناجية تلجأ إلى لوم الذات فمن حقى أن ألجأ إلى لوم تلك القسوة التى تعشش فى قلوبنا، تلك القسوة التى تمكننا ــ كمجتمع ــ من تجميد مشاعر التعاطف مع المجنى عليها وتتجاوز ذلك للبحث عن وسيلة لإلقاء اللوم عليها فى قائمة طويلة من الأفكار المعدة سلفا عن النساء.. خروجهن.. زيهن.. متى تكلمن.. لّم ابتسمن.. وفى ذات الوقت نبحث فى القائمة المقابلة الخاصة بالتماس الاعذار للجناة.. هى من دفعته لذلك.. أزمة السكن.. البطالة..الخ.

•••

كيف تظل العقول والقلوب التى تبكى أمام مشهد درامى تعيشه مع شاشة التلفاز أن تتجمد الدموع فى عيونها وتنقلب المشاعر فى وجدانها وتنعس المفاهيم فى عقولها إلى حد اعتبار طفلة فى السادسة أو العاشرة من العمر أو حتى بالغة مسئولة عن انتهاك جسدها؟

هل نعيش أزمة مفاهيم؟ وهل المفاهيم يمكنها أن تجمد مشاعرنا الإنسانية إلى هذا الحد؟ هل أوصلتنا الأزمات الاقتصادية والمجتمعية إلى الانتقام من النساء بدلا من توجيه غضبنا للمسئولين عن أحوال البلاد والعباد؟ أم أنها الأساليب النفسية الدفاعية التى نحمى بها أنفسنا من الإحساس بالعجز عن حماية النساء والدفاع عن حقهن فى حياة كريمة مثلهن مثل الرجال؟

أسئلة كثيرة أتمنى أن يفكر بها كل من يقرأ تلك الكلمات التى لم تحمل فى ذاتها أية إجابات.

ماجدة عدلي كاتبة مصرية
التعليقات