مصر إلى أيـن؟ - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 2:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر إلى أيـن؟

نشر فى : السبت 16 أكتوبر 2010 - 9:55 ص | آخر تحديث : السبت 16 أكتوبر 2010 - 9:55 ص

 مستقبل مصر السياسى يتوقف على تفاعل أكثر من عامل وقرارات أكثر من فاعل سياسى. ولو فرقنا بين مدى قصير نسبيا يرتبط بانتخابات 2011، ثم مدى أطول نسبيا يمكن التفرقة بين مستويين من التحليل.

أولا: الرئيس سيظل رئيسا:
هناك مؤشرات واضحة على أن الرئيس مبارك ينوى أن يظل فى الحكم إلى آخر يوم فى حياته. فأولا: هو أعلن بوضوح أنه لم يجد الشخص المناسب الذى يمكن أن يصلح لمنصب نائب رئيس الجمهورية وبالتالى من باب أولى فهو لن يجد من يصلح لأن يتولى منصب رئيس الجمهورية مادام قادرا على الاستمرار فى منصبه. ثانيا: يرفض الرئيس مبارك تعديل المادة 77 بما يضع حدا لعدد مرات تولى رئيس الجمهورية رغما عن أنه بانتهاء هذه المدة يكون ظل فى الحكم خمس دورات متتالية، وبالتالى قد يكون آملا فى فترات رئاسية لاحقة لاستكمال المسيرة التى بدأها عام 1981. وهذا لم يكن شيئا بعيدا عن أفكار دارت داخل البيروقراطية المصرية؛ فنحن نتذكر خطة «مصر 2017» التى روجت لها الحكومة المصرية فى عهد الدكتور كمال الجنزورى. وكان السؤال المحير لماذا عام 2017 وليس 2020 مثلا؟ فكانت الإجابة أن عام 2017 هو عام انتهاء الفترة السادسة لحكم الرئيس مبارك. كما أن الرئيس وعد صراحة بأنه سيظل يخدم الوطن «مادام فى الصدر نفس يتردد وقلب يخفق» وما ترجمه الكثير من المقربين من أروقة صنع القرار السياسى فى مصر من أنه هو مرشح الحزب الوطنى لانتخابات الرئاسة فى عام 2011. إذن النقاش الحقيقى بشأن مستقبل مصر هو نقاش حول ما بعد الرئيس مبارك.

ثانيا: مصر ما بعد مبارك:
يمكن لخيال الإنسان أن يتبين سبعة مسارات مختلفة لما سيحدث فى مصر ما بعد الرئيس مبارك. أطرحها فى صيغة أسئلة وأضع لها عناوين من خبرات دول أخرى للتبسيط.

هل تسير مصر نحو نمط التسلطية التنافسية كما هو الحال فى الانتقال الهادئ للسلطة فى روسيا من يلتسينى إلى الشخص الذى اختاره لكى يخلفه وهو بوتين ثم من بوتين إلى الشخص الذى اختاره وهو ميدفيدف؟ عناصر التشابه بين مصر وروسيا تبدو واضحة بنيويا وثقافيا: حيث المعارضة المتعارضة وشعورها بالأمان فى ظل تسلط الحزب الحاكم كبديل عن تسلطية دينية فى مصر أو العودة إلى الشيوعية فى روسيا، فضلا عن ثقافة سياسية مترهلة وسلبية عند أغلب المواطنين. والحقيقة أن هناك نمطا ليس بعيدا عن النمط الروسى وإن كان يحمل نفس دلالاته وهو انتقال السلطة من الأب إلى الابن على نمط انتقال السلطة من رئيس دولة الجابون عمر بونجو إلى ابنه الذى كان يشغل منصب وزير الدفاع فى 2009 فى أعقاب انتخابات قاطعتها المعارضة وشككت فى نزاهتها.

إذن هذان بديلان يقومان على سيناريو انتقال السلطة داخل النخبة الحاكمة.

وهناك بديلان ديمقراطيان يقومان على «إدارة عملية التحول الديمقراطى» من قبل السلطة الحاكمة بالاتفاق مع القوى السياسية الموجودة على أرض الواقع. أولا: نموذج الإصلاح الديمقراطى التركى القائم على استبعاد القوى الدينية من الحياة السياسية بالتأكيد على علمانية/مدنية العمل السياسى فى ظل رقابة صارمة من المؤسسة القضائية ومجلس الأمن القومى. وثانيا: هناك السيناريو الإسبانى وهو القائم على عدم استبعاد أى فاعل سياسى من الحياة السياسية من خلال صفقة سياسية أو عقد اجتماعى جديد يلتزم فيه الجميع بقواعد ديمقراطية وفقا لمعايير دولية فى ظل إدارة ديمقراطية من رأس الدولة (الملك خوان كارلوس). وكى يتحقق أى من هذين السيناريوهين فلابد أولا من أن ينجح الجناح الإصلاحى (الضعيف) داخل الحزب الحاكم فى خلق مساحة ينفصل فيها الحزب عن بيروقراطية الدولة المدنية والأمنية وأن يتخلى عن التفكير بعقلية أنه وريث الاتحاد الاشتراكى؛ والشرط الثانى: أن ترتفع تكلفة بقاء الوضع الراهن على نحو يجبر الحزب الوطنى على إدخال إصلاحات بنيوية (وليست فقط شكلية) على قواعد الحكم والسلطة فى مصر. وهو ما يبدو بعيدا عن مصر فى ظل حكم الرئيس مبارك، حيث التغيير الحقيقى يبدو فى زيادة القبضة الحكومية على قوى المجتمع المدنى والسياسى، أكثر منها محاولة لاستيعاب مطالب هذه القوى نحو أفق أكثر ديمقراطية.

وهناك ثلاثة سيناريوهات تراهن على تدخل الإرادة الجمعية لقطاع واسع نسبيا من المواطنين من أجل تغيير الأوضاع السياسية فى مصر. هناك نموذج العصيان المدنى الديمقراطى على النمطين الأوكرانى أو الجورجى حيث مقومات الإحباط وتفكك الدولة يجعل الكثيرين يشبهون مصر فى 2010 بأحوال هذين المجتمعين فى 2003 و2004 . وهذا كان الرهان الأكبر للدكتور البرادعى وشركائه فى الجمعية الوطنية للتغيير. وهناك مؤشرات على أن قطاعا من الشباب أكثر نشاطا واستعدادا للتحرك فى هذا الاتجاه بعد أن سئموا الوضع الراهن بشقيه الحكومى أو المعارض.

وهناك مساران أكثر تطرفا فى الخيال وأقل احتمالا فى الواقع مثل حدوث ثورة شاملة على النمط الإيرانى، أو قيام انقلاب عسكرى ينال من استقرار/ رتابة المشهد السياسى الحالى على النمط الموريتانى.

وبالعودة إلى المسارات السبعة السابقة (الروسى، الجابونى، التركى، الأسبانى، الأوكرانى، الإيرانى، الموريتانى)، ومع استمرار مواقف الفاعلين المختلفين، فإن الحزب الحاكم يبدو وكأنه الحزب الوحيد الذى يملك إستراتيجية مسيطرة واضحة المعالم بغض النظر عن تفضيلات وقرارات الفاعلين الآخرين (وهو أمر له مخاطره لأنه إما أن يظل مسيطرا أو أن يخسر كل شىء). فأولا أى تنازلات من قبله لن تكون مبررة لأنه ببساطة ليس مدفوعا لها بتكلفة عالية ترتبط باستمرار الوضع الراهن على ما هو عليه، كما أن فكرة القيادة التنويرية المتقدمة على شعبها غائبة عنه لأن الحزب يرى أن «الطلب على الديمقراطية ضعيف» وكأن الحزب غير مسئول عن ذلك بل سعيد به. ثانيا: إن استمرار الرئيس مبارك فى السلطة ثم انتقال السلطة بعده داخل النخبة الحاكمة على النمط الروسى/الجابونى بغض النظر عن اسم الرئيس القادم يحافظ للنخبة الحاكمة وتحالف مراكز الثروة والسلطة والأمن على مكاسب الثلاثين عاما الماضية. ثالثا: تلعب المعارضة المصرية إجمالا لمصلحة الحزب الحاكم مادامت تحافظ على تشرذمها وعدم جديتها فى تكوين تحالف سياسى قوى يهدد المراكز الآمنة للحزب الحاكم. رابعا: يغيب عن الساحة المصرية كذلك المثقف العضوى القادر على قيادة الجماهير نحو ترجمة مطالبهم الفئوية إلى مطالب تغيير سياسى حقيقى بما يؤكد أن الفاعل الوحيد فى الساحة السياسية المصرية هو النخبة الحاكمة والتى ستقرر مستقبل مصر.

خامسا: استمرار سيطرة الحزب الحاكم فى مصر على الحياة السياسية المصرية لا يعنى غياب أسباب عدم الاستقرار السياسى لكنه سيظل عدم استقرار محكوم نسبيا؛ فعدم الاستقرار السياسى يساوى المطالب السياسية مقسومة على المؤسسات السياسية. وبالتالى فإن عدم الاستقرار السياسى يزيد كلما زادت المطالب السياسية وضعفت قدرة المؤسسات السياسية على الاستجابة الفاعلة لها. لكن تظل معظم مطالب المجتمع المصرى السياسية أقرب إلى مطالب «سياسة دنيا» لأنها تهدف لتحقيق مطالب محدودة جغرافيا أو مهنيا ولا ترتقى إلى مطالب السياسة العليا والتى تستهدف تغيير القواعد السياسية الحاكمة للمجتمع أو تغيير مؤسسات الدولة وإسقاط الحكومة أو نظام الحكم. لكن هذا ممكن أن يتغير على المدى الأطول، هذا ما تقوله خبرات الكثير من المجتمعات الأخرى.

مستقبلنا ملىء بالاحتمالات لأن مصر، من أسف، محكومة بمنطق أن الرئيس «صمام الأمان» الوحيد فى حياتنا السياسية. والأمان الحقيقى هو أن يقود الرئيس النخبة الوطنية لوضع قواعد تحكم مستقبلها وفقا لإرادة مواطنيها، وتجاربها السابقة وما أنجزته الأمم الأخرى.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات