الأزمة والبوصلة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأزمة والبوصلة

نشر فى : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:35 ص
فى الجو العام قلق لا يمكن إخفاؤه من التداعيات المحتملة لما يشبه الحصار على السياحة المصرية بعد حادث الطائرة الروسية فوق سيناء.

للقلق وجهان أحدهما إيجابى والآخر سلبى.

ما هو إيجابى استنفار الإرادة الوطنية بالتداعى الحر للمواجهة والتحدى خشية تصدع الاقتصاد المنهك ودخول البلد فى اضطرابات جديدة لا يحتملها.

هذا يمكن تلمسه بسهولة فى الكلام العادى للمواطن العادى وعلى شبكات التواصل الاجتماعى الصاخبة ودوائر جماعات المثقفين وما تبقى من أطلال نخب سياسية.

وما هو سلبى أنّ طاقة المقاومة لا تجد خطابا سياسيا يحدد الأزمة وطبيعتها وأطرافها ولا بوصلة ترشد المواقف والسياسات.

فى غياب البوصلات قد تتبدد طاقة المقاومة التى يعرضها المصريون.

الكلام الغائم لا يصمد طويلا والرهان على التعبئة الإعلامية بغير قضية وهم مؤكد.

ما الأزمة بالضبط؟

أسوأ تعريف تلخيصها فى الآثار الاقتصادية لسقوط الطائرة الروسية.

شبه الحصار السياحى ليس كل الأزمة ولا آثاره تتوقف عند ملفات الاقتصاد.

صلب الأزمة أن الثغرات الداخلية من أصغر القضايا إلى أخطرها لا توحى بالتماسك والثقة.

بمعنى مباشر فإن التوظيف السياسى الزائد عن كل حد مقبول لحادث الطائرة المروع ترجمة صريحة لخلل الأوضاع الداخلية.

الخلل يغرى بالانقضاض والثغرات تساعد على تصفية الحسابات.

قبل أن تحاسب الآخرين من واجبك أن تنظر فى المرآة لترى بعينيك الأخطاء التى ارتكبت والثغرات التى اتسعت حتى يمكنك تصحيحها بشجاعة وسدها بغير تردد.

ما بين الثغرات البادية عمد رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» لإعلان وقف الرحلات السياحية إلى شرم الشيخ قبل اجتماعه مع الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» أثناء زيارته اللندنية.

لم يكن يجرؤ فى ظروف أخرى على التصرف بهذه «الجلافة الدبلوماسية».

هناك فارق بين الحق الطبيعى لكل دولة فى اتخاذ ما تراه من إجراءات لضمان سلامة مواطنيها فى الخارج وبين تعمد الإهانات الدبلوماسية والإعلامية لدولة تخوض حربا ضد الإرهاب.

فى لحظة فكر الوفد المصرى فى إنها الزيارة، غير أن الفكرة استبعدت وكان الرد الدبلوماسى خجولا خشية التصعيد.

فى الاستبعاد تشجيع على تغول الاستباحة.

إذا لم يخرج أحد ليقول لنا ماذا جرى فى لندن فما معنى الكلام الإعلامى عن الأزمة مع بريطانيا إلا أن يكون طرقعات صوتية تتبدد سريعا فى الفضاء.

بيقين فإن تعليق الرحلات السياحية كعمل احترازى ومؤقت لحين الاطمئنان على سلامة الإجراءات فى مطار «شرم الشيخ» هو عمل سيادى للدول.

غير أن «الجلافة المتعمدة» تثير التساؤلات عن الأهداف الحقيقية.

بافتراض أن الحادث إرهابى فإن أى دولة فى العالم معرضة لهجمات من مثل هذا النوع دون أن يستدعى ذلك النيل من استقرارها كأنه تشجيع على الإرهاب.

ما دواعى الاستباحة؟

هناك بون شاسع بين أن تكون الدول الغربية الكبرى قد سعت لمد جسور المصالح الاستراتيجية مع أكبر دولة عربية وبين ارتياحها لنظامها السياسى بعد (٣٠) يونيو.

لدى أول ترنح لن تتردد فى الانقضاض وتصفية الحسابات بقسوة.

هذه حقيقة لا سبيل للتشكيك فيها.

عندما لا تصارح شعبك بطبيعة الأزمة وحقيقتها وتعمل على سد الثغرات فإن النتائج قاسية.

بكلمات صريحة فإن مصر المنهكة لا تحتمل إخفاقا جديدا ولا اضطرابا اجتماعيا ولا مرحلة انتقالية ثالثة غير أن السياسات الحالية لا تنهض إلى مستوى ما هو ضرورى لحفظ التماسك الداخلى.

بصياغة أخرى لا يمكن استبعاد أى اضطراب ما لم تتعدل جوهريا السياسات الحالية.

تماسك المجتمعات لا تصنعها دعوات الاصطفاف الوطنى المجردة من كل ماء حياة.

ماء الحياة هو الأفكار والتصورات والرؤى والبوصلات التى تحدد الأولويات وترسم السياسات قبل المشروعات.

فى إبان تحولات «يونيو» اصطفت الأغلبية الساحقة من المصريين خشية الانجراف إلى احتراب أهلى يأخذ من الدولة طبيعتها المدنية ويمكن الإرهاب من مقاديرها.

غير أن البيئة العامة الآن اختلفت فالرهانات الكبرى تراجعت وآبار السياسة جفت وأشباح الماضى أطلت على المشاهد السياسية والاقتصادية والإعلامية.

وذلك قوض الثقة العامة وسحب من رصيد الشرعية واستدعى الاستهانات بالبلد كله.

هنا مكمن الأزمة الحقيقية التى أثارت قلقا شعبيا بالغا.

غياب أى بوصلة جعلت من التوجه إلى المستقبل رحلة فى التيه، لا نعرف أين نحن ولا إلى أين نتجه؟

شبه الحصار السياحى قد ينتهى فى مدى منظور غير أن ذلك لا يعنى أن احتمالات الانقضاض تقوضت.

الاصطفاف الوطنى له مقوماته وأهمها أن تكون هناك خطة عمل وإجراءات ضرورية تسد الفجوة ما بين الأمن والحرية وتفتح المجال العام لكل رأى وفكر واجتهاد دون مصادرة، فالأحرار لا الخائفون هم من يدافعون عن بلدانهم.

إصلاح الجهاز الأمنى أولوية لم يعد ممكنا التأخر فيها.

فكل يوم يمر يعمق الأزمة بين الأمن ومواطنيه أثناء حرب ضارية مع الإرهاب والثمن سوف يكون فادحا لدى أول منحنى.

مصالحة الدولة مع شبابها والإفراج عن الموقوفين وفق قانون التظاهر أولوية أخرى لسد الثغرات التى تتسع باطراد وترشح لاحتمالات مواجهات محتملة.

وإصلاح مؤسسة العدالة وفق النصوص الدستورية من شروط استعادة هيبتها التى تراجعت إلى حد لا يمكن إنكاره.

بجملة واحدة انسداد القنوات السياسية من أهم الأسباب التى تدعو إلى الانقضاض دون أن يكون المجتمع محصنا.

وانسداد القنوات الاجتماعية سبب رئيسى تتعدى خطورته أى أسباب أخرى.

إذا لم يستشعر المواطن العادى حقه فى «نصيب عادل من الثروة الوطنية»، بحسب النص الدستورى، فإننا أمام أزمة مؤجلة تسحب من دعوة الاصطفاف قوتها الاجتماعية الضاربة.

غياب أى فلسفة اجتماعية أفضى إلى تشريعات انتصرت لـ«رأسمالية مبارك» على حساب الأغلبية الساحقة من المصريين لم تكن تجرؤ لجنة السياسات على عهد نجله«جمال» أن تصدرها.

المصارحة بالحقائق من ضرورات تجاوز الأزمات.

إنكار الأزمة خطيئة والتردد فى مواجهتها قاتل.

عندما تثق الشعوب فى نفسها فإنها تتحمل واجب المسئولية، وتربط الأحزمة إذا اقتضى الأمر، تضحى وهى تأمل فى مستقبل مختلف.

ليس بطاقة أحد فى مصر أن يحل مشاكلها المستعصية بأى مدى منظور فالأولويات ملحة والموارد شحيحة.

ما هو ممكن أن تكون الرؤى واضحة والسياسات معلنة والأولويات مفهومة.

بمعنى أن تكون هناك بوصلة تهدى الخطى وتوسع من التوافقات العامة حتى نتقدم إلى الأمام بثقة ونتجنب فى الوقت نفسه أى انقضاضات.