هل تجدد الاشتراكية نفسها؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تجدد الاشتراكية نفسها؟

نشر فى : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:50 ص
فى 1990 نشر المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت كتابا مهما للراحل د. فؤاد (فى عام رحيله) بعنوان: الرأسمالية تجدد نفسها، بيَّن فيه كيف دارت عجلة التاريخ الذى اعتمده المنهج الماركسى اللينينى أساسا لمعالجة تطور الحياة الإنسانية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية السياسية. وتزامن ذلك مع انهيار المعسكر الشيوعى، فنشر فرنسيس يوكوهاما فى 1992 كتابا بعنوان «نهاية التاريخ، والإنسان الأخير». وكان هذا إيذانا بانتقال البشرية إلى آفاق جديدة، كاستمرار لمسار التاريخ، وإن كان ذلك على غير تصور الفكرين الشيوعى والرأسمالى. ورغم أن الربيع العربى بدا كما لو كان حدثا يخص مصر والدول العربية، إلا أننا إذا وضعناه فى إطار ما تشهده الألفية الثالثة من تطورات يبدو أنه جزء منها وليس مجرد حالة منفردة تدفعها القوى التى تساير وتقود حركة البشرية إلى مستقبل يستحدث معالم فريدة للمسار الذى يسلكه التاريخ فى العقود التالية. ومن أجل ذلك علينا أن نقارن بين ما عاشته مصر فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وما نمر به وينتظرنا فى عشريات وعشرينيات من القرن الحالى.

وبداية نستعرض بإيجاز تجربة مصر مع الفكر الماركسى، آخذين فى الاعتبار أن هذا الفكر تحول إلى عباءة تضم مذاهب شتى، فهناك الماوية الصينية التى تحولت من الاعتماد على العمال إلى الاهتمام بالفلاحين، وهناك سمير أمين الذى انحاز إلى الفكر الماوى واهتم بدرجة أكبر بقضية التبعية التى سادت أمريكا اللاتينية وفيها برزت أسماء مثل جيفارا الذى ركز على قضايا الاستعمار الجديد واحتكارية رأس المال. أما مصر فقد نشأ فيها حزب شيوعى فى 1921 تصدت له الأنظمة المتوالية فظل يعمل سرا، ثم أنشأ فؤاد مرسى فى 1947 بعد عودته من فرنسا التى اتصل فيها بالحزب الشيوعى الفرنسى، «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى ــ حدتو» شملت الحزب الشيوعى الذى أعيد تأسيسه فى 1975، ثم أنشئ حزب التجمع التقدمى الوحدوى، وأخيرا ظهر الحزب الشيوعى للعلن عقب ثورة يناير. وقد ضمت تلك الحركات مجموعة من كبار المفكرين والنشطاء مثل خالد محيى الدين، يوسف صديق، محمود أمين العالم، أحمد نبيل الهلالى، أحمد حمروش، رفعت السعيد، صنع الله إبراهيم، صلاح جاهين. ومنهم من شغل مناصب فى الخمسينيات والستينيات، مثل إسماعيل صبرى عبدالله وإبراهيم سعد الدين عبدالله. وقد انضم إليها أعضاء من العمال والفلاحين، وذلك بالتوازى مع الحركات النقابية والمهنية التى تلاعبت بها الأحزاب والسراى.

***

وكان الفكر الماركسى بوجه عام، والستالينى الذى غلب على اليسار المصرى يقوم على أساس مادى جدلى تاريخى، مستخدما أسلوب ابن خلدون فى مقارعة الفكرة بأخرى لتنقية التاريخ من الخرافات الشائعة عن التطورات الاجتماعية، بعد أن جعله هيجل أساسا لبيان كيفية استخلاص الصيغة التوافقية من التناقض بين فكرة ونقيضها، ولكنه رفض مثاليته وإرجاع الحركة فى الكون إلى قوى خارج الطبيعة المادية (الميتافيزيقا). ولكنه وقع مثل الفكر الرأسمالى المضاد فى الفخ الاقتصادى. فانطلق من الاهتمام بأسلوب إنتاج المجتمع البشرى لحاجاته المعيشية الذى يتحدد وفق ما توصل إليه من أدوات مستحدثة للإنتاج تعالج بها المواد التى توفرها الموارد الطبيعية.

ففى الفكر الرأسمالى يتحدد هيكل الإنتاج وفق قاعدة التخصيص الأكفأ لجميع عناصر الإنتاج، بما فيها البشر، عمالا ومديرين، وخامات ومعدات رأسمالية، وذلك فى ظل قرارات أصحاب رأس المال بشأن توجيه رؤوس أموالهم إلى حيث يحصلون على أقصى ربح، وهو ما يعتبره الاشتراكيون قيمة فائضة أوجدها جهد العمال الإنتاجى فيمثل استغلالا من جانب طبقة الملاك (إقطاعا أم رأسماليين) للطبقة العاملة، فيطالبون بنقل الملكية إلى الأخيرة ليحصلوا على عائدات نشاطهم كاملة.

وإذا اعتبرنا البنيان الاقتصادى بمثابة جهاز تحويل مدخلاته من المواد إلى مخرجات توجه لتلبية البشر، فإن فاعلية هذا الجهاز تتحدد بقدرته على تلبية احتياجات البشر بمختلف أنواعها. ويمثل العمل البشرى، عمالا ومديرين، هو المُدخل الذى يتحكم فى كفاءة عمل هذا الجهاز، إلى جانب توفير احتياجاته من مرافق وأنشطة وساطة تجارية ومالية. كما يلزم إقامة شبكة سليمة للعلاقات بين الفروع الإنتاجية وتزويد العمال بالخدمات اللازمة للحفاظ على لياقتهم الاجتماعية وتحديد مستويات لائقة للأجور وساعات عمل مناسبة وإجراء استثمار فى البشر بالتعليم والتدريب والسلامة الصحية.

أما المخرجات فتمثل بالنسبة للبشر مكونات مستوى المعيشة، التى يجرى وفق النظام الرأسمالى الحصول عليها بإنفاق ما حصلوا عليه من دخول. وهنا مكمن القصور فى ذلك النظام. فقد تقصر الأجور عن توفير الحاجات الضرورية للعمال، فيتعرضون للوقوع دون خط الفقر. كذلك فإن توجيه الإنتاج للمشاريع الأعلى ربحية يؤدى على التركيز على منتجات للقادرين، وغياب ما يناسب الغالبية منخفضة الدخل. أو توجه للتصدير سواء لاستيراد معدات رأسمالية أو إنتاجية أو استهلاكية، بعضها ضرورى كالغذاء والسلع التى لا تنتج محليا، ومنها ما هو كمالى يذهب إلى ذوى الدخول العليا، أو متدنى الجودة ولكن رخصه يدفع التجار إلى جلبه طمعا فى الربح (كالسلع التايوانية سابقا والصينية حاليا) فتنافس منتجات المنشآت الصغيرة.

وثالثا هناك المشكلة الأخطر، وهى أن ما يحقق توازن السوق للإنتاج غالبا لا يكفل توازن سوق العمل عند مستوى التوظيف الكامل، فتنشأ بطالة تحرم من يعانوها من البقاء على قيد الحياة. يضاف إلى ذلك أن اقتصادات الدول النامية تكون هى الضحية الأولى للأزمات التى تتسبب فيها الرأسماليات الكبرى، وهو ما حدث خلال ثمانينيات القرن الماضى وما زلنا نعانى من ذيول أزمة 2008. ويصبح السؤال هو هل الحل الذى طرحه الفكر الماركسى هو الحل؟ إن الادعاء بأن تملك العمال للأصول الإنتاجية يقضى على تلك المشكلات تحول إلى جهاز بيروقراطى يتحكم فى قرارات الإنتاج، ومن ثم يواجه الشعب بقائمة من المنتجات لا تلبى احتياجاته المتنوعة، ويضطر إلى إنفاق دخوله دون ادخار يوجه لإنتاج تتولاه الدولة التى قد تحرز سبقا فى القضاء لا ينعكس على باقى المجتمع.
وإذا كان النظام الذى طرحه تم بدعوى حسم الصراع الطبقى لصالح البروليتاريا، فإن هذه الأخيرة تحملت أعباء حالت دون اكتسابها القدرة على المنافسة فى التطور التكنولوجى. فكان انهيار المعسكر الشيوعى فى التسعينيات، بينما تستغل الصين الفرصة للنهوض باقتصادها فى مواجهة مشاكل الرأسماليات الكبرى وعلى حساب الدول النامية وهو أمر يحتاج إلى دراسة خاصة.

***

وعندما قامت ثورة يوليو 52 وضعت نصب عينيها تعزيز القاعدة الإنتاجية وتحريرها من سيطرة الاستعمار والإقطاع والاحتكار وتحقيق عدالة اجتماعية ترتقى بمستوى قوى الشعب العاملة لتتوافر لها القدرة على ممارسة حقوقها السياسية. وتم ذلك على خطوات بدأت بالإصلاح الزراعى وكسر الاحتكار ومشاركة الدول فى الإنتاج وصولا إلى وضع برنامج تصنيع كامل وتعميم مجانية التعليم وتوفير الخدمات الصحية أهالى الكفور والنجوع، وبناء القصور الثقافية فى جميع المراكز والعناية بالفنون والآداب والتربية الوطنيةـ إلى جانب تشجيع البحث العلمى.

وتحول شعار النظام من الاتحاد والنظام والعمل والسعى لتذويب الفوارق بين الطبقات، بدءا بالتحول إلى اتحاد قومى شعاره بناء مجتمع اشتراكى ديمقراطى تعاونى، وانتهاء بالتحول إلى اتحاد اشتراكى شعاره إقامة مجتمع الكفاية والعدل، الذى يطبق خططا تنموية حققت بها تقدما فاق معظم ما حققته دول أخرى فى ذلك الحين. إلا أن الوضع الحالى يتطلب تجديد المنهج الناصرى. فالتكوين الطبقى تحول إلى نظام شبكى، تتعدد فيها علاقات الأفراد والجماعات، خاصة الشباب الذى تتمكن شريحة منه إقامة علاقات عمل وثقافة يوفرها مجتمع المعلومات والاتصالات، تضعف الانتماءات للوحدات الاجتماعية الوطنية بما فيها الأسرة. كما تغيرت تركيبة الوطن العربى وتراجعت فاعلية مجموعة عدم الانحياز، واختلت البيئة الأفريقية، الأمر الذى يدعو إلى تجديد لما أطلق عليه عبدالناصر التطبيق العربى للاشتراكية.
محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات