كيف نخرج من الصراع إلى الاستقرار؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نخرج من الصراع إلى الاستقرار؟

نشر فى : الجمعة 17 يناير 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 يناير 2014 - 8:10 ص

بانتهاء الاستفتاء على الدستور تدخل مصر مرحلة جديدة بمعطيات مختلفة تجبر كل الأطراف الفاعلة فيها على إعادة النظر فى مواقفها بناء على ما أقره الواقع الجديد الذى ربما لا يروق لبعضنا وربما يرفضه آخرون كلية ولكنه فى النهاية هو الواقع الذى يجب التعامل معه بكل تفاصيله سواء التى نوافق عليها أو التى نرفضها.

بعيدا عن الصخب الاعلامى واتهامات السقوط والتفريط وحالة التخوين المتصاعدة والمتبادلة وعمليات تصفية الحسابات ومحاولات البعض تركيع الخصوم وسحقهم تبقى حقيقة واحدة أنه لن يستطيع طرف إفناء طرف آخر من الوجود وأن تورط الأطراف فى تحويل الصراع لصراع صفرى إما الفوز فيه بكل شىء أو خسارة كل شىء لم يعد مجديا وصارت كلفته باهظة الثمن على كل طرف وعلى مستقبل الوطن.

استمرار الصراع الصفرى يضاعف أعداد المجموعات الساخطة على هوامش المعادلة وخارج إطارها وهذا لن يساعد أى نظام يحكم مصر على صناعة الاستقرار وإنقاذ البلاد من حالة التردى العام، فكلما ازداد السخط ازداد التطرف ونبذ المنهج السلمى، وكلما ترك من بيدهم الأمور حالة الاقتتال والنهش المتبادلة مستمرة معتقدين أن هذا لصالحهم أو على الأقل لن يصيبهم رذاذه تضاءلت فرص نجاحهم فى إدارة البلاد وإثبات جدارتهم لأن المجتمعات المنقسمة والمتصارعة لا تساعد أى نظام حاكم على النجاح بل تكون سببا فى هدمه وإفشاله.

•••

مصر تحتاج اليوم إلى تصفير للصراعات والبدء من جديد، هذا التصفير للصراعات لن يكون على حساب القانون ولا أمن الوطن ولا حقوق الناس وليس تصفيرا عاطفيا يبقى ما فى الصدور من كراهية واحتقان مؤجل لنصنع استقرارا هشا ينهار فى مدى زمنى قصير، بل تصفيرًا للصراع على أسس منطقية تتكون من خمس نقاط.

أولا: تطبيق منظومة العدالة الانتقالية على كل الأنظمة السابقة لإنهاء حالة الثأر مع الدولة على أن تكون عدالة شاملة وليست انتقائية ولا انتقامية بل تهدف لإعادة الحقوق وتعويض المتضررين وعقاب المتجاوزين مع امتلاك الشجاعة لتنفيذ ذلك بشفافية ومساواة وعدل يعيد ثقة الناس فى العدالة التى يبحثون عنها ويريدون تحقيقها على أن تكون الروح السائدة هى روح التسامح والوفاق والعفو عند المقدرة لدى جميع الأطراف.

ثانيا: إطلاق الحريات واحترام حقوق الانسان وإنهاء حالات الانتهاكات ومراجعة كل الاجراءات الاستثنائية من اعتقالات وغيرها من قرارات تم اتخاذها قبل ذلك والتوقف عن سياسات العقاب الجماعى والأخذ بالشبهة وتبنى خطاب جديد وممارسات فعلية على الأرض يشعر معها الناس أن حقوقهم مكفولة وأن الاختلاف السياسى أو معارضة النظام الحاكم لن تكون سببا فى الانتقاص من حق أى مواطن أو التنكيل به طالما لم يخالف القانون.

ثالثا: إيقاف حالة السُعار الإعلامى والتحريض السافر والذى يؤدى بدوره إلى فتح مساحات جديدة للعنف وإعطاء المبررات للبعض باستحلال الدم وهذا لن يتأتى إلا بإرادة سياسية حقيقية تضبط الأداء العام لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة مع إطار قانونى صارم وسريع يكون حاميا للفضاء الإعلامى من خطابات التحريض والتخوين والشيطنة وتكريس انقسام المصريين والواقع المتكرر فى مصر يؤكد أن اتجاه الإعلام فى مصر ــ فى أغلبه ــ يأخذ اتجاه السلطة وتوجهاتها، وهذه ليست دعوة للمساس بحرية الاعلام كما قد يتخيل البعض ولكنها دعوة للمهنية ومراعاة الضمير الوطنى والمصلحة العامة فهناك إعلام يبنى أمم وهناك إعلام يهدم أمما أخرى.

رابعا : وقف الحرب على ثورة يناير وإنهاء الخصومة مع جيل الشباب الذى أظهرت طوابير الاستفتاء تأخره بشكل ملحوظ عنها وتبرمه من المشهد الحالى وإحباطه بسبب ما يراه حربا على إنجازه الذى شارك فى صناعته ثم فوجئ بمن يطعن فى شرعية هذا الانجاز وتصويره على أنه نكسة ومؤامرة وتحميل هذا الجيل أوزار وأخطاء الفترة الانتقالية التى صنعها الكبار ثم ألقوا بتبعتها على الشباب رغم أن هذا الشباب لم يشارك فى الحكم ولم يكن صاحب قرار حتى يتم لومه، أما الاصرار على استعداء وإقصاء هذه الشريحة التى تقترب من نصف سكان مصر فسيكون إصرارا على حرق المستقبل وإفشال الدولة المصرية.

خامسا: خضوع الجميع لاختيارات الشعب وتفضيلاته سواء المعسكر الثورى وكذلك كل النخب السياسية، يجب التوقف عن ازدراء الشعب واتهامه مهما تبنى رؤى قد تكون مخالفة لرؤى النخب الثورية والتقدمية التى ترى مرحلة التطور الديمقراطى بشكل مختلف، لن يمكن لأحد أن يجبر الشعب على تعاطى دواء أو منهج لا يريده والاصرار على التصادم مع الناس لن يعود بفائدة على رواد التغيير الذين يريدون أن يأخذوا بيد الشعب إلى خطوات أبعد نحو الديمقراطية والتقدم، وهذا ليس نكوصا عن المبادئ الديمقراطية ولا تراجعا عن الأهداف الثورية لكنه قراءة لواقع أثبت خلال ثلاث سنوات ضرورة مراعاة التدرج وبناء الوعى الجمعى أولا وإدراك الاختلاف الجيلى وتضييق الفجوة بين أحلامنا لهذا الوطن وبين الواقع الذى نحياه.

•••

بعد ثلاث سنوات من الثورة مازلنا فى مكاننا الأول الذى بدأنا منه أو قد نكون قد تراجعنا عن النقطة التى بدأنا منها ولكن التجربة تؤكد أن من يكرر أخطاء من سبقه يلحق به، وأن مزاج الشعب المصرى متغير بسرعة مخيفة فإذا رضى عن شخص اليوم قد يسخط عليه غدا ودوام الحال من المحال، لذلك الطريق إلى الاستقرار يبدأ بتصفير الصراع وتدارك الأخطاء وتضييق مساحات وأطراف المواجهة وعدم الاغترار بلحظات تأييد متغيرة اغتر بها بعضهم قبل ذلك فكانت سببا فى سقوطه، من يحب مصر سيجمع أهلها ومن يبغضها سيفرقهم وسيفارقونه.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات