أسوار القمر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسوار القمر

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2015 - 1:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 فبراير 2015 - 1:15 م

المخرج، طارق العريان، صاحب أسلوب سينمائى لا تخطئه العين والأذن، يعشق أفلام العنف والمطاردة، والمواجهة، والرعب، يعرف أسرارها ومكوناتها، يصهر عناصرها فى بوتقته الخاصة ليبلور منها هذا الفيلم المعتمد على الصورة البصرية والمؤثرات الصوتية.. هنا، فى المشهد الافتتاحى، نرى القمر مختنقا بالسحب الكثيفة، يصارع العتمة لينفذ بأشعته، ينجح تارة، ويفشل مرارا.. مع هذه اللقطات، نسمع ضوضاء غامضة، مغلفة بهزيز الرياح، وهزيم الرعد، بالإضافة لصرير مزاليج الأبواب، وتهشم زجاج، وصرخات مكتومة.

فى هذه الأجواء القاتمة، نتعرف على الأبطال: زينة «منى زكى»، التى تستيقظ من نومها مذعورة، وهى ضريرة، تتلمس طريقها، من غرفة نومها إلى خارج فيلتها التى تطل على البحر.. فى المياه، معركة حياة أو موت، بين أحمد «آسر ياسين»، ورشيد «عمرو سعد». يتبادلان اللكمات، ومع كل لكمة قرعة طبلة، يحاول كل منهما إغراق الآخر، الذى ينهض من تحت الماء، متثاقلا، كى يقهر غريمه.. أخيرا، يستقر «عمرو سعد» فى القاع.. يخرج آسر ياسين، المنهك من البحر، يسحب منى زكى، متعجلا، للانطلاق بسيارته، مبتعدا عن المكان.. زينة ـ أو منى زكى ـ فاقدة لذاكرتها، يجعلها تتلمس وجهه لعلها تتعرف عليه، بلا فائدة. يطلب طبيبها، من خلال تليفونها، كى يخطره بحالتها.. الطبيب يطمئنه، ويطلب منه الحضور.. فجأة تظهر عربة عمرو سعد، تطارد سيارة آسر ياسين، تصطدم بها، ينزلان، يتبادلان العراك الشرس. مرة ثانية، يبدو عمرو سعد، الممدد، داميا، على الأرض، كمن لقى حتفه.هذه المقدمات الطويلة، الساخنة، المنفذة بمهارة عالية، تمهد لمعرفة الحكاية، نطلع عليها خلال «فلاش باك» صوتى، ذلك أن «زينة»، سجلت مسيرة حياتها، على تليفونها.. وبعد ترك «رشيد»، داميا، فوق أسفلت الطريق، يحاول «أحمد» إنعاش ذاكرتها، بأن تستمع، بنفسها، لقصتها، كما روتها هى.. سريعا يتحول السرد الصوتى، إلى سرد بالصورة.

«زينة»، تعيش حياة ميسورة مع والدتها «سلوى محمد على»، فى فيلا لطيفة أنيقة، تكتب مقالات ضعيفة ـ حسب وصفها ـ والملاحظ أن الفيلا تخلو من مكتبة أو كتب أو مكتب.. المهم أنها شبه مخطوبة لشاب لطيف، مهذب، عاقل، جاد، يحبها، يحترمها، هو «آسر ياسين»، لكنها لا تتحمس، أو تقتنع بفكرة أن تعيش معه بقية حياتها، لذا فإنها تتهرب من تحديد موعد الزواج.

فجأة، فى إحدى الحفلات، يظهر «عمرو سعد»، المنطلق من غير ضوابط، المتهور، المستهتر.. يلفت نظرها، يخفق قلبها بحبه. بدوره، يهيم بها، تتزوجه، مما يوغر صدر «آسر ياسين»، المتابع للعلاقة بين حبيبته وزوجها المتسيب، الذى ينتقل من تدهور لتدهور أشد، فبعد تدخينه المخدرات، ومشاركتها له، ولا يفوت طارق العريان، مع مصوره القدير، أحمد المرسى، رصد أنف «منى زكى» الرقيق، فى لقطة كبيرة، إبان انطلاق الدخان الأزرق من منخريها.

بعد الحشيش، يأتى دور البودرة، ومنه إلى الحقن ـ والعياذ بالله ـ وينزلق إلى التعامل معها، بقدر غير قليل من العنف، يزداد مع إيغاله فى الإدمان، وتتوالى محاولاتها لفض حياتهما معا، لكن، فى كل مرة، يتوسل لها، باكيا، كى لا تتركه.. وبعد أن يتسبب فى فقدان بصرها، تدخله مصحة للعلاج، وترفع عليه قضية «خلع»، تكسبها من أول جلسة. تعود إلى والدتها ويظهر «آسر ياسين» من جديد.

بمونتاج متقن، قام به ياسر النجار، يتقاطع الحاضر، مع «الفلاش باك».. «آسر ياسين»، الذى تزوجها، بعد طلاقها من المدمن، وتركه لـ«عمرو سعد» نازفا فى الطريق، يتجه بها نحو اليخت الذى يملكه، وما إن يظهر «عمرو سعد» من جديد، ينطلق اليخت فى مياه البحر الأحمر.. طبعا، لا أحد يصدق قوة وطاقة الزوج القديم ــ الهارب من المصحة، بعد أن رأيناه يلفظ أنفاسه الأخيرة ــ على السباحة، خلف اليخت، ويتمكن من الإمساك بحافته، كى يقدم لنا طارق العريان، فاصلا جديدا، من صراع فوق اليخت، وفى أروقته، مدعوما بصراخ منى زكى، الضرير، التى تكاد تقع على السلالم، قبل أن تتمكن من ضرب «عمرو سعد» بأنبوبة إطفاء، وإغلاق باب إحدى الحجرات عليه.

«أسوار القمر»، من الممكن أن يستمر عدة ساعات، فى معارك دامية، بحرا، ويابسة، ويختا، من دون أن يكون له هدفا أو قضية.. فالمسألة لا تزيد على كونها صراعا، بالغ العنف، بين رجلين، من أجل امرأة.. الفيلم الساخن، المعزول تماما عن دفء الحياة، يستعرض مهارات صناعه، وتبديدها، فيما لا يفيد.. خسارة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات