النيل.. سرديات إثيوبية وأخرى مصرية - عبير ربيع - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النيل.. سرديات إثيوبية وأخرى مصرية

نشر فى : الجمعة 17 فبراير 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 17 فبراير 2017 - 9:55 م
يُطلق على نهر النيل أو بشكل أدق النيل الأزرق اسم «أباى» فى اللغة الأمهرية. وفى 2011 عُرض الفيلم الإثيوبى Abay vs Vegas «أباى فى مواجهة فيجاس» الذى يتناول حلم الشباب الإثيوبى بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويقابله حلم الإثيوبيين المهاجرين بالعودة إلى بلادهم. وهو فيلم روائى اجتماعى كوميدى يمتد لقرابة الساعتين. وفيه تسعى بطلة الفيلم «منة «Menna للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية كى تستقدم أخيها الكفيف بعد ذلك ويجرى العملية الجراحية ليعاد إليه بصره، وفى كل مرة يتم رفض طلب التأشيرة، إلى أن تجد الحل فى الارتباط بشاب إثيوبى غنى «سالساوى «Salsawi المستقر فى مدينة لاس فيجاس الأمريكية، والذى يعمل هو وأخوه فى تنظيم حملات توعية بين الجالية الإثيوبية فى الولايات المتحدة الأمريكية كى يتسنى لهم جمع الأموال لبناء المدارس والوحدات الصحية وتوفير الخدمات وبالتالى تهيئة البلاد من أجل عودتهم إليها والاستقرار بها.

ويطلب «سالساوى» من خطيبته «منة» المقيمة فى مدينة «بحر دار Bahir Dar» والتى فيها شلالات النيل الأزرق أن تلتقط صورا للمكان كى يتم استخدامها فى حملات التمويل. فتذهب «منة» هناك مع صديقتها وتلتقى «نيجوس «Nigus الشاب الفلاح الذى تدور حياته فقط داخل القرية ما بين الزراعة بأدوات بدائية وصيد الأسماك من بحيرة «تانا». وهنا يدور المخرج بعدسته حول حياة القرية والطبيعة فى منطقة شلالات النيل الأزرق. وداخل القرية، يتم عرض نموذج آخر من الشباب الذى لا يفكر فى الهجرة وهو «أحمد Ahmed» ابن عم «نيجوس»، والذى درس فى الخارج وحصل على درجة الماجستير فى الزراعة ورجع إلى قريته حالما بالنهوض بها. وجدير بالملاحظة أن طبيعة العلاقة بين «أحمد» و«نيجوس» طوال الفيلم هى علاقة وثيقة، ومن خلالها وثق المخرج لأمر مألوف فى أفريقيا غير العربية وهو تعدد اعتناق ديانات مختلفة داخل الأسرة الواحدة.

ومن خلال أحداث اجتماعية تتطور العلاقة بين «منة» و«نيجوس»، ويرتبطان عاطفيا، ولكن تتلقى الموافقة على تأشيرة السفر للولايات المتحدة، وتدخل فى صراع هل تسافر وتكمل زواجها من «سالساوى» وتساعد أخيها على الشفاء أم تبقى مع «نيجوس»، وفى نهاية الفيلم تقرر ألا تسافر وتستقر مع «نيجوس» للنهوض بحال القرية.

***

مياه النيل كانت حاضرة فى الفيلم فى أكثر من سردية، فيحكى «نيجوس» الشاب الفلاح بموروثه الدينى المسيحى (الشعبي) عن أباى بأنه منذ قرون تمت مقايضة بين مصر وإثيوبيا، بحصول الملك على الصليب المقدس من مصر مقابل السماح بتدفق المياه إلى مصر. وهناك رؤية «أحمد» الشاب المهندس الزراعى الذى يرى النيل بأنه مورد ومصدر مهم للنهوض بالزراعة ويظهر فى الفيلم عمله على حث الفلاحين بالاستفادة من تدفق المياه عند الشلالات. بينما يتبنى «سالساوى» رجل الأعمال سردية أن إثيوبيا هى مالكة مصدر النيل وبالتالى هى صاحبة القوة ومن حقها أن تستفاد منه كما يناسبها.

وبعد عرض الفيلم، علق المخرج «Theodros Teshome» أن الفيلم قد عُرض فى دور السينما بأديس أبابا فى 2011 قبل إعلان رئيس الوزراء ميليس زيناوى بناء سد النهضة، لهذا تعرض المخرج لأقاويل بأن الحكومة دفعت بهذا الفيلم لكى يُمهد للشعب الإثيوبى بناء السد، ولكنه نفى ذلك موضحا أن هدف الفيلم هو مناقشة ضرورة الاستفادة من الموارد المتاحة «النيل» للنهوض بالبلاد، ويذهب بالقول إن من فوائد السد توفير الكهرباء للقرى التى يرتفع فيها نسبة الإصابة بالعمى نتيجة رماد النار الذى تعتمد عليه البيوت فى الإضاءة وتحضير الطعام. ومع هذا يؤكد مخرج الفيلم فى حديثه وفى تتر نهاية الفيلم أن استخدام إثيوبيا للمياه لن يتجاوز 5% من مياه النيل وهذا لن يؤثر على تدفق المياه للسودان ومصر.

جاء عرض الفيلم فى إطار فاعليات المبادرة العالمية «Let's talk about Water هيا نتحدث عن المياه» التى أسستها Linda Lilienfeld المتخصصة فى إخراج الأفلام الوثائقية العلمية لأكثر من 35 عاما، وتهدف المبادرة إلى خلق تواصل بين لغة العلماء وعامة الناس فى موضوع المياه والتغير المناخى.

ولم تقتصر الفاعلية على عرض السرديات الإثيوبية وإنما شملت سرديات مصرية أيضا، فبعد عرض الفيلم عزفت «أمل جورمازى» باحثة الدكتوراه فى علم الموسيقى بفرنسا مقطوعات مصرية عن النيل بآلة الكمان، منها مقطوعة «النهر الخالد» للموسيقار محمد عبدالوهاب. وتبع ذلك عرض فيلم «النيل والحياة» وليس «النيل والناس» للمخرج يوسف شاهين، وفيه احدى السرديات المصرية حول النيل وقت بناء السد العالى والتعاون المصرى السوفيتى. وتعكس حكاية إخراج الفيلم ديناميكيات القوة آنذاك ما بين الحكومة المصرية التى طلبت من شاهين أن يعيد إخراجه ليعطى أهمية للمهندس المصرى عن المهندس الروسى، وبين الاتحاد السوفيتى الذى رأى أن المدن السوفيتية تستحق الظهور فى الفيلم لأنها أجمل من النوبة!

هذه الفاعلية لمبادرة «هيا نتحدث عن المياه» استضافها فى مدينة ديلفت فى هولندا يوم السبت 11 فبراير 2017 معهد «اليونسكو للتعليم فى مجال المياه» وذلك لوجود برنامج بحثى داخل المعهد يدرس أثر الإعلام فى الصراع والتعاون حول إدارة المياه.

***

لاشك أن جزءا من توتر العلاقات المصرية الإثيوبية حول إدارة النيل ترجع إلى الوسائل الإعلامية التى تبث من الطرفين، ولكن الإعلام لا يقتصر فقط على نشر تصريحات المسئولين، ولكن هناك أيضا رؤية وسرديات «الشعوب» المستفيدين المباشرين من مياه النيل والتى تنقلها الموسيقى والسينما، والمقطوعات الموسيقية التى عزفتها أمل جورمازى أو فيلم يوسف شاهين الذى يرجع إلى ستينيات القرن الماضى، فما هى السرديات الحالية التى يمكن أن يعرضها الفن المصرى؟!
عبير ربيع مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة - طالبة دكتوراه بجامعة ليدن، هولندا. البريد الإلكتروني: abeer_rabei@feps.edu.eg
التعليقات