قراءة أولية فى نتائج الانتخابات العراقية - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة أولية فى نتائج الانتخابات العراقية

نشر فى : الأربعاء 17 مارس 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 مارس 2010 - 9:40 ص

 تعتبر الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة حدثا مهما ليس فقط فى العراق، ولكن فى المنطقة العربية بصفة عامة، كما تعكس هذه الانتخابات طبيعة التطور الذى تشهده العملية السياسية فى عراق ما بعد الاحتلال الأمريكى، وسقوط النظام السياسى السابق عام 2003. ولا شك أن متابعة العملية السياسية فى العراق منذ انتخابات 2005 وحتى الانتخابات الأخيرة تكشف عن عدد من الملامح، أهمها ما يلى:

أولا: أن العملية السياسية منذ الاحتلال، هيمنت عليها واحتكرتها قوى سياسية توزعت ما بين أحزاب أيدت الغزو الأمريكى، وقامت الميليشيات التابعة لها بدور عسكرى مساند لقوات الاحتلال.. ويأتى على رأس تلك القوى الحزبان الكرديان والمجلس الأعلى الإسلامى وقوى أخرى لم تعارض الغزو الأمريكى، ولكنها سكتت عنه وشاركت فى المؤسسات التى أنشأها مثل حزب الدعوة الذى رأسه المالكى رئيس الوزراء الحالى، والحزب الإسلامى الذى ينتمى لتنظيم الإخوان المسلمين، وقوى ثالثة، أيدت الغزو ولكنها اعترضت على بعض ممارسات سياسية وعسكرية للإدارة الأمريكية للعراق وعلى رأس هذه القوى حركة الوفاق التى رأسها آنذاك إياد علاوى.. ولا تزال هذه القوى تتصدر العمل السياسى وكانت على رأس التحالفات التى خاضت انتخابات 2010.

ثانيا: أن العمل الطائفى لا يزال مؤثرا كما كان فى الانتخابات السابقة، فالتكتلان الرئيسيان فى العملية الانتخابية الأخيرة،وهما الائتلاف الوطنى العراقى وائتلاف دولة القانون قاما على الاصطفاف الطائفى الشيعى بالدرجة الأولى، إلا أن عددا من كبار قياداتهما أكد سواء قبل العملية الانتخابية أو بعدها على وجود نوايا للدخول فى ائتلاف موسع لتحقيق أغلبية شيعية تمتلك المزيد من الفرص لتشكيل حكومة.

ثالثا: التراجع النسبى لدور المرجعيات الدينية الذى غلب على الانتخابات السابقة وهيأ الأرضية للصراع الطائفى الذى استشرى عامى 2006و2007.. ولعل ما عاناه الشعب العراقى خلال هذه الحرب التى راح ضحيتها مئات الألوف من العراقيين وهاجر بسببها عدة ملايين إلى الخارج هو الذى ساعد على تنامى مناخ معارض للأحزاب الدينية والطرح الطائفى الحاد الأمر الذى وجدت فيه هذه المرجعيات أنه من الضرورى الابتعاد مسافة كافية عن العملية الانتخابية،كما أن تراجع شعبية الأحزاب الدينية التى سيطرت على الانتخابات السابقة أدى كذلك إلى تراجع نفوذ وتأثير الحزب الإسلامى الذى كان أكبر الأحزاب المعبرة عن السنة خلال البرلمان السابق.

رابعا: ويأتى فى هذا السياق أيضا تراجع نفوذ التيار الدينى فى شمال العراق لصالح حزب التغيير الجديد، وتفسير ذلك أن الأحزاب الدينية (حزب الاتحاد الإسلامى الكردستانى والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية فى كردستان)، ارتكزت خطابها الإعلامى خلال الانتخابات السابقة على فساد الحكومة المحلية مع الحرص بقدر الإمكان على عدم التصادم مع الحزبين الرئيسيين، أو تقديم نموذج بديل وهو ما أدى إلى تغيير مواقف مجموعات كبيرة من الذين صوتوا لهذا التيار فى انتخابات 2005 للتصويت لصالح حزب التغيير خلال الانتخابات الأخيرة، وهو الحزب الذى انبثق بصورة أساسية من حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى وأصبح يمثل القوة الثالثة فى كردستان العراق.

خامسا: أن الانتخابات الأخيرة جرت فى غياب وجود مؤثر وفعّال لقوى المقاومة الرافضة للاحتلال خصوصا فى المحافظات السنية، كما أن رفض قوى المقاومة المشاركة فى العملية السياسية وغياب التأثير الفعّال لتنظيم القاعدة (دولة العراق الإسلامية) قد خفف من الضغوط التى سبق أن تعرض لها المواطنون فى المحافظات ذات الأغلبية السنية، وهو ما زاد من حجم المشاركة السياسية بصورة كبيرة، وأكد الحضور السنى بصفة عامة فى الانتخابات.

سادسا: أن انتخابات 2010 تمت فى ظل غياب واضح للجناح العسكرى للتيار الصدرى (جيش المهدى)، وكان حضوره واضحا فى الانتخابات السابقة، إلا أن ما تعرض له من ضغوط سواء من القوات الأجنبية أو من تحالف رئيس الوزراء والمجلس الأعلى الإسلامى أدى إلى تفككه، كما أن الممارسات الطائفية لهذا الجيش طوال عامى 2006 و2007 أفقدته الكثير من الشعبية.. بحيث أصبح التيار الصدرى إحدى القوى المرتبطة بالأجندة الإيرانية بالدرجة الأولى، ويكفى أن زعيمه مقتدى الصدر قد أشرف على نشاط التيار فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة من مقر إقامته فى إيران.

سابعا: إن الفصائل المسلحة الشيعية الأخرى والتى شاركت فى الحرب الطائفية مثل تنظيمات عصائب أهل الحق وثأر الله وكتائب حزب الله، التى كان نشاطها سببا فى تهجير مئات الألوف خصوصا السنية من مدينة بغداد على سبيل المثال. تضاءل نشاطها بصورة كبيرة واندمجت فى كيانات سابقة.. وهو ما خفف الضغوط على المواطنين السنة فى محافظات الجنوب والعشائر الشيعية للمشاركة فى الانتخابات الأخيرة.

ثامنا: تميزت انتخابات 2010 عن الانتخابات السابقة فى 2005 بأنها تمت فى ظل غياب أمريكى مؤثر. فبينما كانت الإدارة المدنية والعسكرية فى العراق هى المحرك للأحداث وصاحبة النفوذ وساهمت بصورة كبيرة فى توجيه العملية السياسية خلال انتخابات 2005، فإن الانتخابات الأخيرة شهدت تراجعا للنفوذ الأمريكى لصالح النفوذ الإيرانى بالدرجة الأولى وعجزا أمريكيا واضحا عن ممارسة الضغوط الكافية لتطويع العملية السياسية حسب وجهة النظر الأمريكية، وبحيث يمكن القول إن هناك نوعا من الاستسلام الأمريكى للمقادير الإيرانية.. ولعل إدراك إيران السعى الأمريكى لترتيب الأوراق للخروج الآمن من العراق قد ساعد على ذلك، إلى جانب مراهنة الولايات المتحدة على أن أيا من الأطراف السياسية التى خاضت الانتخابات لن تتمكن منفردة من تشكيل الحكومة وأن الأكراد القوة الأكثر ارتباطا بالأجندة الأمريكية ستكون القوة المرجحة، وهو ما دفعها لاتخاذ موقف يبدو غير متناسب مع النفوذ الإيرانى بصورة كبيرة.

تاسعا: إن الائتلافات المشاركة فى العملية الانتخابية تعتبر هشة بدرجة كبيرة وتضم عددا من الكيانات التى دخلت الائتلاف كإطار ومسوغ لتأمين دخولها العملية الانتخابية،إلا أن تباين وجهات النظر فيما بينها بخصوص عدد من القضايا الداخلية أو التعامل مع دول الجوار أو الكتل السياسية الأخرى يرجح احتمال تداعى هذه التكتلات عند توزيع المناصب الرئيسية سواء فى الحكومة أو مؤسسات النظام السياسى المختلفة.

هكذا جرت الانتخابات البرلمانية فى ظل بيئة محلية مغايرة كما اتسمت العملية السياسية خلالها بالحرص على توفير الإجراءات الديمقراطية مع غياب واضح لبعض عناصر وقيم الديمقراطية ذاتها، ومع أن القوى النافذة فى النظام قد حرصت على الاحتكام إلى المؤسسات وعناصر القانون،وهو ما يوحى بمظهر ديمقراطى وسيادة القانون، إلا أن اختراق الأطراف الثلاثة (كتلة رئيس الوزراء، والمجلس الأعلى بجناحه العسكرى والتحالف الكردى) لمؤسسات الضبط والسيطرة فى المجتمع (الجيش والشرطة وأجهزة الأمن)، فضلا عن التأثير الواضح للحزبين الشيعيين داخل هيئة المساءلة والعدالة أتاح لتلك الأطراف أن تمسك زمام السلطة وتخضع بعض مؤسسات النظام لمصالحها الحزبية الضيقة.

ويعتبر دخول الحركة الوطنية العراقية (إياد علاوى) عاملا مؤثرا فى الانتخابات الأخيرة، حيث سعت هذه الكتلة لكسب ثقة العشائر الشيعية الرافضة للهيمنة الإيرانية خصوصا فى محافظة كربلاء والنجف، كما جاء انضمام قائمة التجديد الذى تزعمها طارق هاشمى إضافة لها قيمتها خصوصا أن ذلك سحب من نفوذ الحزب الإسلامى فى بعض المحافظات مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين.

وبخصوص القراءة الأولية لنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية تتضح الملامح التالية:

ــ جاءت نسبة المشاركة فى التصويت إيجابية إلى حد بعيد وبمتوسط 60% على امتداد العراق.. ومن الواضح أنه كان هناك اتجاه قوى داخل المحافظات السنية للمشاركة فى العملية الانتخابية تجاوزت 60% فى بعضها فى مؤشر واضح على عدم خضوعها للإرهاب الذى مارسته عليها بعض القوى التى لا تزال قلقة من زيادة حجم المشاركة السنية.

جاءت أعلى نسب المشاركة فى عملية التصويت فى محافظة دهوك فى حدود 80% بسبب عدم وجود قضايا تسهم فى تشتت الصوت الكردى وتؤكد تماسك الموقف الكردى تجاه التعامل مع المؤسسات المركزية للدولة العراقية لصالح تحقيق مصالح كردية.

المؤشرات التى صدرت عن المفوضية المستقلة للانتخابات حتى الآن تشير إلى ما يلى:

استمرار نفوذ التيار الدينى الشيعى فى محافظات الوسط والجنوب، وهو ما يؤكد استمرار تأثير العنصر الطائفى بدرجة كبيرة، وإن كان ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكى قد حقق مكاسب على حساب الائتلاف الوطنى فى تلك المحافظات.

نجاح الحركة الوطنية العراقية فى الفوز بأغلبية واضحة فى محافظات الأنبار وديالى والموصل وصلاح الدين وكركوك، وحصولها على مقاعد فى محافظات الجنوب وبغداد.. وهو ما يمثل أهم ملامح التغيير السياسى فى العراق، ويعنى تراجعا للتيار الدينى المرتبط بإيران نسبيا لصالح التوجه الوطنى العراقى المدنى، وإن كانت لا تزال تحتاج إلى صياغة تحالفات مع كيانات شيعية مدنية تؤكد البعد القومى لها بصورة أكثر وضوحا.

إن نجاح القائمة العراقية بنسبة مؤثرة من المقاعد المخصصة لمحافظة كركوك تعنى تراجع فرص حسم مشكلة كركوك، بما يتفق مع التطلعات الكردية، ومن المرجح أن يتيح ذلك ورقة مساومة لها مع الأكراد خلال صياغة تحالفات تشكيل الحكومة المقبلة.

إن عمليات التهجير الطائفية التى شهدتها محافظة بغداد جاءت على حساب السنّة بالدرجة الأولى، وهو ما أتاح للتكتلين الشيعيين تحقيق نتائج إيجابية فى تلك المحافظة المخصص لها نحو 20% من مقاعد البرلمان فى ظل غياب مؤثر للقطاعات الشعبية المناهضة لها.

من الثابت إدراك التكتلات المشاركة فى الانتخابات لعدم قدرة أيا منها منفردا على تشكيل الحكومة،ولهذا تكثفت اللقاءات بين قادتها خلال الأيام الأخيرة للترتيب لصياغة تحالفات واسعة تكفل توفير النصاب اللازم لذلك.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات