فاتورة التعثر الاقتصادى فى مصر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاتورة التعثر الاقتصادى فى مصر

نشر فى : الخميس 17 مارس 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الخميس 17 مارس 2016 - 10:25 م
وقفت بجوارى فى هذا المحل (سوبر ماركت)، الذى يبيع المواد الغذائية بأسعار الجملة وسألتنى: «إحنا هنعيش إزاى كده؟ والناس الغلابة اللى أقل مننا ماديا هيعملوا إيه؟» أنا موظفة وزوجى موظف، ولدينا ثلاثة أبناء أكبرهم فى بداية التعليم الجامعى. دخلنا الشهرى مجتمعا نحو 8 آلاف جنيه، لدينا سيارة واحدة زوجى يفكر فى العمل بها فى شركة أوبر لزيادة الدخل، بعد رفع سعر الدولار وخفض قيمة الجنيه يعتبر دخلنا الشهرى نقص نحو 15% بالتوازى مع ارتفاع الأسعار الجنونى الذى نعانى منه كل أسبوع، فليس هناك سلعة ثبتت على سعرها أكثر من أسبوعين. «الفلوس اللى بنزل بيها عشان اشترى حاجات البيت بقت مش بتكفى وبشترى تقريبا ثلث أو نصف الاحتياجات فقط»، علما بأننا نكتفى بالضروريات فقط للطعام والشراب. «مصاريف المدارس والدروس الخصوصية قطمت ضهرنا بس لازم نعلم ولادنا، فواتير الكهرباء بتصدمنا لكن مضطرين ندفع أحسن يقطعوا عننا الكهرباء، أنا كنت مؤيدة للنظام ومن أشد المدافعين عنه وكنت متفائلة جدا بالمشاريع الكبيرة اللى بيعلنوا عنها لكن انا مش لاقية أى أثر إيجابى للكلام ده، مش لازم الأثر ييجى بسرعة لكن على الأقل ما ننزلش عن المستوى اللى كنا فيه، لو استمر الوضع بالمعدل دا أنا مش هلاقى آكل عيالى ولا أعلمهم ومش عارفة هنعمل إيه؟ فين المليارات اللى كل شوية كانوا بيعلنوا عنها من ساعة المؤتمر الاقتصادى وفين الاستثمارات ومساعدات الدول العربية لينا؟ مش مفروض كل ده ما يرفعش الأسعار ويخلى الدنيا تهدى شوية؟ أنا محبطة ومش عارفة هنكمل كده كتير وهنعيش إزاى!».

كلام هذه السيدة يعبر عن قطاع كبير من الطبقة الوسطى فى مصر التى صارت اليوم تشعر بتهديد مباشر لمصالحها إثر السياسات الاقتصادية المتعثرة والتى فشلت حتى الآن فى إبقاء الأوضاع نسبيا على ما هى عليه دون تغييرات مفاجئة وحادة. الطبقة الوسطى هى ترمومتر الفضاء العام فى مصر وهى عامل الاستقرار الرئيسى لبقاء أى سلطة وإذا ما شعرت هذه الطبقة بالضجر والسخط فإن التململ والضيق ينتقل عبرها لشرائح أوسع، أما الطبقات الأقل دخلا والتى تعيش أصلا فى معاناة يومية فهى تشبه النار الكامنة تحت الرماد وإذا ما اشتدت الرياح استيقظت ألسنة اللهب، وأحرقت كل ما حولها، يقول د/ باسم الطويسى (تصبح الطبقة الوسطى مصدرا للتهديد ليس بفعل ذاتى بل بسبب السياسات التى توجه لها وأهمها المزيد من الضغوط الاقتصادية، التى تكبلها بالديون والضرائب والمزيد من تضييق الفرص والحد من سقف الطموح أمام أبنائها وفئاتها الجديدة).

عوامل الإحباط تتزايد فى مصر، استمرار تآكل الطبقة الوسطى ومعاناتها ينذر بتغيير اجتماعى قادم لن تمنعه مسكنات وقتية ولا مغيبات إعلامية ولا ابتزاز بالوطنية ولا تخويف من قبضة أمنية؛ فكلما شعر الناس بالضرر المباشر فى لقمة العيش كانوا أشد جرأة على المغامرة لإحداث تغيير ــ ولو محدودا ــ يعود على حياتهم ومستقبل أبنائهم بالنفع أو حتى يمنحهم أملاً بديلاً عن الإحباط القائم والمستمر.

***
مصر تواجه بالفعل تحديات أمنية ومخاطر إقليمية لكن التحدى الأكبر هو الفشل الاقتصادى الذى يهيمن على المشهد العام فى مصر، لا يوجد تفاؤل لدى الكثيرين بتحسن الأوضاع على المدى القريب نظرا لإصرار السلطة على تغافل أهمية تأثير الوضع السياسى على الاقتصادى وتأثير البيئة السياسية وتفاعلاتها على مناخ الاستثمار. تتجه مصر للأسف لتصبح دولة معزولة عن العالم بسبب سياساتها المتخبطة والصادمة ويساعد الخطاب الشعبوى الردىء الذى يتبناه إعلام السلطة فى تقوية هذا الاتجاه، ولا يخجل من تحولنا لمادة للتندر والسخرية على المستوى الدولى بشكل غير مسبوق!

هناك أنظمة حين تقرأ الواقع وتدرك خطورة الأوضاع، التى آلت إليها البلاد تسرع باتخاذ خطوات تصحيحية عاجلة تعيد عجلات القطار إلى القضبان، وهناك أنظمة ترى عجلات القطار تخرج عن القضبان، وتسمع صراخ الناس وتحذيراتهم لكنها لا تأبه لهم وتقوم بإلقاء الحجارة الموجودة بين القضبان على الناس بغرض إسكاتهم وإشغالهم بحماية أنفسهم من الأذى، لكن فى النهاية يرفض الناس استمرار هذه الأنظمة التى أخرجت عجلات القطار عن مسارها الطبيعى، ويصرون على تنحيتهم عن موقع القيادة هربا من مصير مظلم وإنقاذا لأنفسهم وأبنائهم من موت محقق.

مصر قد لا تنتظر حراكا سياسيا على المدى القريب لكنها بالتأكيد ستواجه حراكا اجتماعيا صاخبا مع استمرار المعاناة وعشوائية معالجة الأزمة الاقتصادية التى امتدت أثارها لطبقات التزمت الصمت بحثا عن الأمن والرخاء الاقتصادى فخابت أمالها وتكسرت على صخرة الواقع البائس الذى لم تتخيله!

كل السيناريوهات مفتوحة وممكنة ويصعب التنبؤ بعواقبها ويستحيل توقع محاصرة أثارها وتداعياتها لأن التراكم السلبى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا خلال العامين الأخيرين تجاوز حدود الاحتمال والمنطق، تحتاج البلاد لمشروع إنقاذ حقيقى يلتف فيه العقلاء من داخل السلطة وخارجها لإنقاذ مصر من مستقبل مظلم تتسارع الخطى إليه، ويشعر به كل من يدقق فى المقدمات التى أدت للنتائج الحالية.

(بيدى لا بيد عمرو) مثل عربى يجب أن يعمل به من يديرون مقاليد الأمور قبل هبوب العاصفة، التى تجمعت غيومها فى السماء، هل ندرك خطورة اللحظة أم نكمل التجاهل والاستكبار؟


عضو مجلس شعب سابق
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات