الإسلام كما أدين به 11ــ مشيئة الله - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به 11ــ مشيئة الله

نشر فى : الخميس 17 مارس 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الخميس 17 مارس 2016 - 10:30 م
ــ1ــ
إذا اتفقنا أن المعنى العام لمصطلح «إرادة الله» هو التدبير الأسبق لله، كيف تتوالى حركات وسكنات الكون من قبل الخلق وإلى نهاية الدنيا، فإن «مشيئة الله» هى تحويل كل جزء من ذلك التدبير والتخطيط المسبق تحويله إلى «شىء» ملموس محسوس واقع فى الحياة. وكل ما تجده فى القرآن الكريم من «مشيئة الله» تعبير قرآنى عن تحويل جزء مما سبق تقديره وتدبيره إلى عالم «الواقع الكائن»، وهذا هو معنى القول المأثور: «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن»، فالمقصود بهذا القول أن كل واقع وحادث فى الحياة –صغير أم كبيرــ قد حدث بمشيئة الله، أى أن ذلك الحدث قد صار «شيئا» موجودا بعد أن شاء الله له هذا الوجود فخرج ذلك «الحادث» من نطاق «الإرادة السابقة» إلى نطاق «قدر المشيئة الموقوتة «زمانا ومكانا»، وذلك تأكيد وتعبير عن علم الله المحيط بكل شىء.

ــ2ــ
كلنا يجب أن نعرف باعتبارنا مسلمين مؤمنين عقلاء أن «مشيئة الله» تابعة لـ«إرادة الله» التى أرادها وقدرها ودبرها فى الأزل. ومن تلك الإرادة الإلهية العدل الإلهى، والرحمة الإلهية، واللطف الإلهى، وكل ذلك يقتضى أن الله جل جلاله «لا يشاء» ما يخالف عدله، ولا ما يخالف رحمته، ولا ما يخالف لطفه. فإذا رأيت شيئا قد استجد أمامك فى حياتك، فاعلم أن الله قد شاء هذا الأمر تنفيذا لعقوبة تستحقها بفعل سابق، أو مكافأة لا تستحقها بفعل سابق على تلك المشيئة، فرغم أن جميع تجليات الله مطلقة غير محدودة، إلا أن لا مشيئة إلا وهى مسبوقة بإرادة، ولا إرادة إلهية إلا وقد سبق خلقها وتقديرها وتدبيرها ثم إدراجها على جداول المشيئة الإلهية، فإذا حان وقت الشىء شاءه الله جل جلاله.

ــ3ــ
وكل ما يقابلك فى القرآن الكريم من «مشيئة الله» مسبوقة بحرف «لو» مثل «قُلْ لَوْ شَاءَ اللَهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ..»، فمعنى هذا أن القرآن قد نزل بمشيئة الله، ولو كانت مشيئته جل جلاله غير ذلك ما نزل القرآن، أى أن المعنى المقصود فى القرآن يعلم القارىء أن هذا الخير القرآنى هو محض فضل الله جل جلاله، لا دخل فيه للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا لطبائع الناس ورغباتهم، ولا لحسن أخلاقهم أو سوئها. إنما قد نزل القرآن بـ«مشيئة محضة» لكل الناس إلى يوم الدين.

ــ4ــ
كذلك جينما تقرأ «..وَلَوْ شَاءَ رَبُكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» فهو يعنى أن الله «قوى قادر وغالب على أمره»، لو أراد وشاء أن يمنع هؤلاء من ذلك الفعل لمنعهم –ما فعلوه- لكنهم فعلوه لأن إرادة الله المقدرة أن يكون الإنسان حرا مختارا مسئولا عن فعله. فلا يمكن أن يكون الإنسان مسئولا عن فعله ثم تحول مشيئة الله وتمنعه من إتمام ما يريد فعله، فذلك عدل الله أن يترك الإنسان حرا مختارا أو يلهمهم ويهديهم «النجدين» أى الطريقين، ثم يبعث له رسلا وينزل كتبا، ثم يترك الإنسان حرا –رغم قدرة الله على منعه، لكنه لا يمنعه توفيرا للعدل الإلهى السابق تقنينه وتدبيره.

ــ5ــ
وانظر إلى الجاهل والكافر حينما يتحجج بالمشيئة إصرارا على رأيه، حيث يقول القرآن على لسان هؤلاء الكفار البخلاء «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَا رَزَقَكُمُ اللَهُ قَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لِلَذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَهُ أَطْعَمَهُ..». هكذا يتحججون بـ«مشيئة الله» رغم أنهم إذا وجدوا مغنما أسرعوا إليه ولم يقولوا: «لو شاء الله الله لأعطانا هذا المغنم وبعثه إلى خزائننا دون سعى أو عمل !! فانظر إذا رغبوا فعلوا، وإذا بخلوا تحججوا بالمشيئة..فهل هذا عقل وإيمان يتبع؟!!!
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات