تداول الأخبار بين الماضى والحاضر - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تداول الأخبار بين الماضى والحاضر

نشر فى : الأربعاء 17 مايو 2017 - 11:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 مايو 2017 - 11:15 م
نشرت مجلة aeon البريطانية المتخصصة فى الموضوعات الأدبية والثقافية مقالا لـ «رثور أسراف» ــالباحث بجامعة أكسفوردــ يتركز حول الطريقة التى يتم بها تداول وانتقال الأخبار قديما وفى الوقت الحالى.

يستهل الكاتب المقال برواية ما حدث معه بشكل شخصى فى ليلة 13 نوفمبر 2015، وذلك عندما كان فى فى باريس وتلقى رسالة على تطبيق واتس اب من صديق فى لندن، كان يشعر أن شيئا غير عادى على وشك الحدوث. وعندما سقطت الهجمات الإرهابية فى مسرح باتاكلان وأماكن أخرى فى أنحاء باريس، سارع لإدراك ما يحدث. فتح جهاز الكمبيوتر الخاص به وعدد من المواقع الإلكترونية لصحف كبرى؛ حاول الحصول على الهاتف للاتصال بالأصدقاء والعائلة ومقارنة التقارير والروايات الصادرة، ولكن كل ذلك لم يكن كافيا.
جدير بالذكر أنه خلال الأسابيع السابقة لحدوث ذلك، كان قد اعتاد على تلقى نصوص جماعية منتظمة على هاتفه تحذر من وقوع هجمات جديدة، تبين أنها ليس لها أساس من الصحة، وبدت الأحداث تتسارع لكونها مجرد «حدث« فقط، ومع الوقت شعر كثيرون أن الأخبار بطريقة أو بأخرى أصبحت تمضى بشكل أسرع وأكثر فوضى من المعتاد.
***
يضيف الكاتب أنه فى حين يرى كثيرون أن عملية نشر الأخبار تواجه «أزمة«، نادرا ما تناقش ما هى هذه الأخبار فى الواقع التى تنقل وكيف يتم نشرها بشكل دقيق ومن مصادر موثوق بها. وكما هو الحال فى التاريخ، فإن الأخبار هى فى جوهرها طريقة لفرض النظام على مجمل الفوضى لما يدور حولنا. ويعرف قاموس أوكسفورد الإنجليزى «الأخبار« بأنها «معلومات مستلمة حديثا أو جديرة بالملاحظة، خاصة فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة أو الهامة« ولذلك، فإن ما نعتبره أخبارا مرتبط ارتباطا وثيقا بمفهومنا للوقت.

الذعر الحالى حول تداول الأخبار الكاذبة يميل إلى إلقاء التهمة على التكنولوجيا الجديدة والاعتقاد بأن الابتكار التقنى يثير ثورات ثقافية وفكرية. لاشك أن المجتمعات الحالية أصبحت أسرى لفكرة التاريخ؛ حيث أن التطور التكنولوجى هو الذى يحدد علاقتهم مع الأخبار، وقد كان عالم الاجتماع الكندى «مارشال ماكلوهان« يعتقد بأن وسائل التواصل ما هى إلا وكيل سرى للتاريخ. فى السياق ذاته ذكرت مجلة جوتنبرج جالاكسى (1962) أن «التكنولوجيا تميل إلى خلق بيئة جديدة«؛ فقد خلقت المخطوطة عالم القرون الوسطى؛ والطباعة أنجبت العالم الحديث.
بالنسبة إلى ماكلوهان، كانت الحداثة الغربية برمتها وليدة اختراع المطبعة. لكن «أسراف« يرى أن وصف ماكلوهان لآثار الطباعة كان غير دقيق فى الكثير من الأحيان؛ فالمجتمع الإيطالى على سبيل المثال واصل التعامل بالمخطوطات المكتوبة بخط اليد لفترة طويلة، كما كانت الأغانى والشائعات فى كثير من الأحيان أكثر تسلية وإثارة للاهتمام من كتل مملة ومصمتة من الحبر على الورق. حتى عندما استولت الصحف فى الأوقات الراهنة على الساحة، كانت لا تزال الأخبار تنتقل بين رسائل كُتبت بخط اليد والقيل والقال أكثر من الصحافة المطبوعة.
***
يقول «أسراف« على نحو آخر إن صناعة الإعلام تعد نتاج لفكرة الزمن. فعندما تأسست رويترز وهافاس (فى وقت لاحق وكالة فرانس برس) فى منتصف القرن التاسع عشر قامت بإعداد تقارير سريعة وموثوق بها وتسليمها عبر الإرساليات القصيرة التى يمكن نسخها بسهولة من قبل الصحف فى جميع أنحاء العالم. كما ظهرت فى نفس الوقت الذى تم فيه وضع كابلات التلجراف المغمورة عبر قاع المحيط، مما أتاح الاتصال السريع بين القارات. لكن ما الذى كانت ستبدو عليه الأنباء إذا حاولنا فهمها خارج هذه الفترات؟ بالعودة إلى فترة ما قبل صناعة الأخبار الحديثة على سبيل المثال فى دمشق خلال القرن الثامن عشر، مثلما هو الحال فى باريس، كان يجتمع الرجال فى المقاهى لمناقشة الأحداث الأخيرة فى المدينة، من بينها حكايات الحلاق ابن بدير عن أخبار دمشق وقد كان تاريخ ابن بدير حينئذ، سلفا للصحف، وكانت قصصه مماثلة لتلك التى جمعها دارنتون عن الباريسيين فى نفس الوقت، ففى كل من باريس ودمشق كانتا تشهدان تغيرات اجتماعية سريعة، تتمثل فى زيادة التحضر وظهور مساحات وممارسات اجتماعية جديدة: كالمقاهى وحوانيت الحلاقين التى اهتمت بكتابة التاريخ.
بالنظر إلى أخبار باريس وتاريخ دمشق فى الخمسينيات من القرن السابع عشر يتبين أن التمييز بين الأحداث التاريخية والأخبار لم يكن دائما واضحا. ففى اللغة العربية، الكلمة الأكثر شيوعا للاستخدام هى أخبار، والتى تعنى ببساطة «المعلومات«. على عكس اللغة الإنجليزية، حيث كلمة الأخبار هى أقرب إلى «تقرير«، مما يطمس التمييز بين الأخبار والتاريخ. وبالتالى فإن الأخبار باللغة العربية يمكن أن تكون تقريرا عن حدث تاريخى. وبالمثل، باللغة اليابانية، مقالة إخبارية أو كيجى يمكن أن تعنى سجلا للأحداث الماضية ــ أى التاريخ. أما فى القرن الثامن عشر، بدأت الأخبار تأخذ منحى الحديث عن المستقبل، وتألفت من التكهنات حول الأحداث التى لم تأت بعد. وكان التمييز بين ما كان ماضيا وبين المستقبل ضبابيا.
***
بناء على ما سبق يتضح أن الأخبار ماهى إلا عملية فوضوية تتحرك بين أشكال مختلفة من وسائل الإعلام وتنتقل بسهولة بين أحداث الماضى والحاضر والمستقبل، فالتغييرات التى طرأت على تقنيات الإعلام فى العصر الحديث أصبح لها تأثير كبير على المعنى والطريقة التى يتم بها نشر الأخبار.

ختاما.. يقول الكاتب أن إلقاء اللوم على التكنولوجيا بوصفها السبب الأوحد للأخبار المزيفة أمر سهل للغاية. فى الواقع، لم تستقر أبدا عملية الأخبار ونقلها سواء قبل ظهور التكنولوجيا أو عقب ظهورها فى الوقت الحالى. وإجمالا فهناك تغيير يتسارع بشكل لا يمكن التنبؤ به، ولابد من البحث عن طرق لفهم ذلك، سواء فيما يتعلق بانتشار الأخبار الكاذبة، أو دور وسائل التواصل الاجتماعى فى عملية نشر الأخبار.

النص الأصلى:

 

التعليقات