هل هى رياح التغيير؟ - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الجمعة 1 نوفمبر 2024 2:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل هى رياح التغيير؟

نشر فى : الأربعاء 17 يونيو 2009 - 10:52 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 يونيو 2009 - 10:52 م

 قبل عشرين عاما، قمت بتأليف كتاب عن الشرق الأوسط. وفكرت مؤخرا فى إصدار طبعة جديدة منه، مع مقدمة جديدة بسيطة للغاية فى صفحة واحدة فقط، بل فى سطر واحد، أقول فيها: «لم يتغير أى شىء».
لكن بعد أن قضيت يومين فى تغطية الانتخابات النيابية فى بيروت، أدركت أنى كنت مخطئا تماما. فاليوم يشهد الشرق الأوسط أمرا جديدا تماما وموجة تغيير حقيقية.. انتبهوا، فإن ذلك سيكون أمرا لافتا للانتباه.

إن ما شاهدناه فى الانتخابات اللبنانية من نصر مفاجئ لقوى الرابع عشر من آذار الموالية للغرب، على التحالف الموالى لإيران بقيادة حزب الله، وما كشفت عنه الحملة الانتخابية فى إيران من حماس للتغيير، وتلتها المواجهات من أنصار موسوى الرافضين للاعتراف بهزيمته أمام أحمدى نجاد، وما شاهدناه فى الانتخابات المحلية العراقية من هزيمة لأكبر الأحزاب الموالية لإيران، هى تطورات صنعتها أربع قوى تاريخية تكاتفت لإحداث شرخ فى تلك المنطقة المتحجرة.

وذلك لعدة أسباب، أولا: هناك انتشار التكنولوجيا. ذلك أن استخدام الإنترنت والمدونات واليوتيوب ورسائل المحمول، خاصة بين الشباب يوفر لشعوب الشرق الأوسط وسائل رخيصة للتواصل مع بعضهم البعض، والاحتشاد وراء أهداف سياسية، وكيل الانتقادات اللاذعة للحكام، دون الوقوع تحت سيطرة الدولة. كما أصبح اليوم بالإمكان رصد تزوير الانتخابات، عبر إرسال مراقبين مزودين بكاميرات الهواتف المحمولة.
أدركت أن شيئا ما قد تغير عندما جلست لاحتساء القهوة فى شارع الحمرا فى بيروت الأسبوع الماضى مع صديقى ومعلمى كمال صليبة، البالغ من العمر 80 عاما، وهو واحد من أعظم المؤرخين فى لبنان. فقد حدثنى صليبة عن مجموعته على الفيس بوك.

وذهبت مساء يوم الانتخابات اللبنانية إلى منزل زعيم قوى الرابع عشر من آذار، سعد الحريرى، فى بيروت، كى أجرى حوارا معه. وكان يوجد فى حجرة المعيشة الواسعة تليفزيون ذو شاشة ضخمة بمساحة الحائط، يقوم بإذاعة النتائج. وإلى جانب الشاشة الرئيسية كانت هناك 16 شاشة مسطحة أصغر حجما تعرض خرائط إلكترونية للبنان. وكان خبراء الانتخابات التابعون للحريرى يعملون على كمبيوترات محمولة محللين كل صوت لكل طائفة دينية، فى القرية تلو القرية، ويعرضونها على الشاشات.

ثانيا: إنك تحتاج إلى مساحة من أجل تطبيق السياسة الواقعية. فيمكننا أن نجد ملايين الأشياء الكريهة فى حروب الرئيس بوش المكلفة والموجعة. إلا أنه عندما أطاح بوش بنظام صدام حسين فى العراق عام 2003، وحشد الأمم المتحدة لإخراج سوريا من لبنان عام 2005، فتح المجال أمام السياسات الديمقراطية الحقيقية التى لم يشهدها العراق أو لبنان منذ عقود. ويقول مايكل يونج، محرر صفحة الرأى فى بيروت ديلى ستار، «كانت لدى بوش فكرة بسيطة، وهى أن العرب بمقدورهم أن يصبحوا ديمقراطيين، وفى تلك اللحظة تحديدا، كانت الأفكار البسيطة هى ما نحتاجه، حتى إذا كان بوش مخادعا وعمل على تعزيز تلك الفكرة بالوجود العسكرى الأمريكى فى قلب الشرق الأوسط، إلا أنها خلقت عند العديد شعورا بأن التغيير ممكن، وأن الأمور يجب ألا تظل دائما على ما كانت عليه».

وعندما كنت مراسلا فى بيروت فى السبعينيات والثمانينيات، غطيت انقلابات وحروبا. لكن لم يحدث أبدا أن ظللت مستيقظا إلى وقت متأخر أتابع نتائج انتخابات. فقد كانت الانتخابات فى العالم العربى نكتة، بالمعنى الحرفى للكلمة. وظلت القصة التالية تروى عن الرئيس السورى حافظ الأسد: يقال إنه بعد إجراء الانتخابات، جاء أحد مساعدى الرئيس وقال له، «سيدى الرئيس، لقد فزت بـ99.8% من الأصوات. وهو ما يعنى أن اثنين من عشرة بالمائة فقط من السوريين لم يصوتوا لك. ماذا يمكنك أن تطلب أكثر من ذلك؟» فرد الرئيس الأسد «أسماء هؤلاء». وعلى النقيض من ذلك، ظل اللبنانيون ساهرين طوال الليل انتظارا لنتائج الانتخابات التى لم يكن أحد يعلم ما الذى ستأتى به.

ثالثا: أحدث فريق بوش ثقبا فى جدار النظم السلطوية العربية، لكنه فشل فى استكمال هذا العمل. ففى ظل حالة الفراغ السياسى استطاع الإسلاميون، وهم القوة الأكثر تنظيما، السيطرة على الحكم حزب الله فى لبنان، والقوى الموالية للقاعدة فى المناطق السنية العراقية، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق، وجيش المهدى فى المناطق الشيعية العراقية، وحركة طالبان فى باكستان وأفغانستان، وحماس فى غزة.
ومن حسن الحظ أن هذه الحركات الإسلامية جميعها بالغت فى تقدير قوتها، ففرضت على الناس أسلوبا دينيا للحياة، أو سحبت المجتمع إلى مواجهات على غير رغبة الشعوب، مما أدى إلى نفور وخوف أولئك الأكثر علمانية، وهم يمثلون القطاع الأكبر من العرب والمسلمين، وأثار «صحوة» بين المعتدلين من لبنان إلى باكستان إلى إيران.

ويقول مراسل النيويورك تايمز روبرت ماكى إنه فى طهران قوبلت هتافات «الموت لأمريكا» التى رددتها المسيرات المؤيدة لمحمود أحمدى نجاد الأسبوع الماضى بهتافات «الموت لطالبان فى كابول وطهران» من جانب المسيرات المؤيدة لخصمه مير حسين موسوى.

وأخيرا، جاء الرئيس باراك حسين أوباما. وكانت نظم الحكم العربية والإسلامية تجد أنه من المفيد للغاية معارضة جورج بوش. فقد شيطن فريق بوش هذه الأنظمة، وشيطنت هى فريق بوش. وتكتسب النظم الأوتوقراطية والسلطوية فى الشرق الأوسط قوتها وشرعيتها من هذه المواجهة، وأصبح من السهل إلى حد كبير على هذه النظم تشويه سمعة كل من له صلة بالولايات المتحدة. غير أن نهج القوة الناعمة الذى يتبناه السيد أوباما أضعف من قدرة النظم السلطوية على الاستمرار فى هذا النهج. ونتيجة ذلك أن «الولاء لأمريكا» لم يعد سبة كما كان فى الماضى.

لا أدرى ما الذى سينجم عن هذه التطورات. ذلك أن القوى المعادية للتغيير فى هذه المنطقة مازالت شديدة النفوذ والقسوة انظروا إلى إيران. لكنها المرة الأولى منذ وقت طويل التى تجد فيها قوى الاحترام والديمقراطية والتعددية نفسها بعيدا عن مهب الريح، وهذا أمر جيد بالنسبة لها.
New York Times Syndication

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات