البديل الآمن - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البديل الآمن

نشر فى : الأربعاء 17 يونيو 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 يونيو 2015 - 8:40 ص

لم تكن لديه أوهام كبيرة فى حدود ما يستطيع أن يفعل، فالأزمات متراكمة والأولويات متوازية، الموارد شحيحة والتحديات ضاغطة.

أمام صدمة الحقيقة، وهو مطلع عليها بحكم موقعه، انتوى لبعض الوقت عدم التقدم للمنصب الرئاسى وكتب اعتذارا يشرح أسبابه على ثلاث ورقات زرقاء.

غير أنه لأسباب معقدة طوى اعتذاره المكتوب.

بعبارة صريحة أبلغ وزيرا نافذا فى حكومة الدكتور «حازم الببلاوى»: «إن أى إصلاح ممكن يحتاج وقتا طويلا.. وكل ما نستطيعه أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح».

كان التقدير فى موضعه تماما غير أنه يطرح أسئلة جوهرية عن الأسس التى نقيس بها صحة الطريق.

إذا غابت البوصلات السياسية فإن احتمالات الدخول فى الحائط ليست مستبعدة مهما خلصت النوايا.

بمعنى آخر إن لم تكن هناك مراجعة جدية لتجربة العام الأول فى رئاسة «عبدالفتاح السيسى» تنقد لتصوب فإن كل تقدم قابل للتصدع وأى إخفاق مرشح للتفاقم.

المراجعة تستدعى فتح الملفات والتأهب لاستحقاقات ما بعد تاريخين حاسمين.

الأول، (٣٠) يونيو بعد عامين من الحدث الكبير.. والثانى، (٦) أغسطس موعد افتتاح قناة السويس الموازية.

بصراحة كاملة الاحتفالات شبه الإمبراطورية المتوقعة سلاح ذو حدين.

تؤكد من ناحية قوة الدولة وهيبتها أمام العالم وأنها باتت مهيأة لاستعادة أدوارها فى محيطها وتضعف من ناحية أخرى أية دعوات لتحميل الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا فواتير رفع الدعم عن الطاقة والسلع الرئيسية التى تأجلت لحين الانتهاء من الاحتفالات.

إذا لم تكن هناك قرارات سياسية تواكب الحدثين الحاسمين تخفف المخاوف على طبيعة الدولة وتطمئن المصريين العاديين أنهم أصحاب المصلحة الأولى فى أية مشروعات فإن أسقف ما تبقى من رهانات سوف تنخفض أسرع من أى توقع بعد أن تخفت الأضواء المبهرة.

على مشارف (٣٠) يونيو هناك معلومات أولية أنه يفكر جديا فى قرارات سياسية ترفع السقوف التى انخفضت.

غير أن أحدا ليس بوسعه أن يؤكد، ففى مرات سابقة فكر على هذا النحو دون أن تصدر أية قرارات فى ملف الفساد الكبير وأزمة الدولة مع شبابها.

باستثناء نزعته للمشروعات الكبرى خلا عامه الأول من أية قرارات سياسية على عكس أسلافه.

لم يكن مقتنعا فى عامه الأول بأمرين أساسيين.

الأول، البرنامج.. الثانى، الرؤية.

أثناء حملته الانتخابية جرى إعداد برنامجين أحدهما تولاه على عجل خبراء وسياسيون والآخر تبناه فى الكواليس رجال أعمال.

استبعد البرنامجين معا، وكان معه حق.

فى الإعلان التزام بمشروعات لم يكن هو مستعدا أن يتحمل مسئوليتها ولا واثقا من صحتها.

رغم حديثه فى برامج تليفزيونية عن تبنيه مشروع «ممر التنمية» للدكتور «فاروق الباز» فقد كان هذا المشروع من أسباب تنحية البرنامج كله.

لم تكن تلك هى المشكلة بقدر ما كانت فى تغييب أية رؤية للحكم الجديد.

بعبارته فهو لا يريد «أن يجرب رؤية لم تثبت صحتها من قبل».

هذا شرط مستحيل، فكل رؤية للمستقبل هى استجابة لتحديات زمانها ومكانها.

هناك فارق بين استلهام تجارب الآخرين وبين نقل التجارب كأنها وصفات جاهزة لكل البلدان والأزمان.

بعبارة الزعيم الصينى «ماو تسى تونج»: «إننا نحترم تجارب الآخرين التى دفعوا ثمنها عرقا ودما غير أننا نحترم أكثر تجاربنا التى دفعنا ثمنها من عرقنا ودمنا».

التجارب السياسية تكتسب قيمتها بما تلهمه من أفكار وتصورات.

فى غياب الرؤية فإن السلطة، أية سلطة، تتصرف بمقتضى ما تراه وفق حسابات اللحظة، وهذا نوع من البراجماتية السياسية يفضى فى بعض الأحوال إلى تدهور محتمل.

لابد أن تكون وجهة الحركة واضحة وأن يكون الطريق معروفا، كما قال بنفسه قبل أن يترشح رئيسا.

فى غياب الوجهة تصاعدت المخاوف من اختطاف «يونيو» كأنها «ثورة مضادة».

تراجعت الوسائل السياسية بما أفضى إلى هز صورة الحكم بغير مقتضى وتعطيل الحياة البرلمانية بغير ضرورة.

بدا نظام الحكم كله معلقا على رجل واحد، وهذا وضع لا يمكن تحمل تداعياته السلبية.

معنى انشغال الدولة بتحركات المرشح الرئاسى الأسبق الفريق «أحمد شفيق» أنها لا تثق فى سلامة الأرض التى تقف عليها.

بحسب الدكتور «محمد أبو الغار» رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى فإن المماطلة فى إجراء الانتخابات النيابية تعود إلى سببين.

الأول، أن أغلب من راهن عليهم الأمن من نواب «الوطنى» السابقين ثبت أن ولاءهم للفريق «شفيق» لا الرئيس «السيسى».

والثانى، أن نسبة لا يستهان بها من المرشحين الآخرين يستمدون نفوذهم من قوة المال السياسى، وهؤلاء ولاؤهم مؤكد للسياسات التى انتهجتها لجنة السياسات تحت رئاسة «جمال مبارك».

وذلك يؤكد أن الهندسة المشوهة للبرلمان المقبل جريمة تاريخية سوف يدفع الحكم ثمنها قبل أى طرف اخر.

ومعنى الانشغال المماثل بتحركات الفريق «سامى عنان» أن الدولة هشة فى بنيتها السياسية رغم الدعايات الصاخبة.

انحياز «السيسى» لمبادئ ثورتى «يناير» و«يونيو» والمصريون البسطاء الذين صعدوا به إلى رئاسة الدولة هو بديله الآمن للنجاح فى مهمته العسيرة.

الحوار أولا وعاشرا سعيا لتماسك ممكن يجنب البلد أية هزات جديدة لا تحتملها.

فى التجربة المصرية المعاصرة هناك ثلاث محاولات سعت لبناء رؤى تستجيب لأزمات زمانها.

الأولى، بعد الانفصال عام (١٩٦١)، وقد كان ذلك أول شرخ كبير فى تجربة يوليو.

راجع «جمال عبدالناصر» تجربته وثار على نظامه فيما كان يطلق عليه فى أدبيات حركات التحرير الوطنى «الثورة داخل الثورة».

تبنى «الميثاق» كدليل للعمل الوطنى بعد حوارات خصبة وصراعات أفكار معلنة على ما تكشف محاضر اجتماعات «المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية».

والثانية، بعد نكسة عام (١٩٦٧)، وقد كان ذلك الشرخ الأكبر فى قصة يوليو كلها.

راجع «عبدالناصر» تجربته مرة أخرى، حاور الأجيال الجديدة الغاضبة ودعا إلى المجتمع المفتوح ودولة المؤسسات والتعددية الحزبية على ما تؤكد المحاضر الرسمية لـ«اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى» قبل أن يبلور ذلك كله فى «بيان ٣٠ مارس».

الثالثة، بعد حرب أكتوبر بوقت قصير أدار «أنور السادات» حوارات موسعة.

بدت «ورقة أكتوبر» مثيرة فى كل شىء.

ورغم أن حصيلتها تبددت مع تغير السياسات وانقلاباتها إلا أن فكرة الحوار بذاتها صحيحة.

أسوأ ما جرى فى مصر على مدى عام كامل أن كل من له قيمة فى هذا البلد انسحب فى صمت أو تململ فى حرج بينما الرئيس يلح على المسئولية المشتركة دون أن تكون هناك إشارات تفسح المجال لتصويب المسار وضخ الأمل من جديد.