هل يُماثِل الذكاء الاصطناعى الذكاء البشرى؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يُماثِل الذكاء الاصطناعى الذكاء البشرى؟

نشر فى : الأحد 17 يونيو 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 17 يونيو 2018 - 9:25 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «صلاح عبدالله» يتناول فيه موضوع المقارنات شديدة السطحية بين الحاسوب والدماغ حيث إن الاختلافات بينهما كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أن التعلم عند الإنسان مرتبط بالنمو والتغيرات فى الدماغ وهذا ليس موجودا فى الحاسوب، كما يؤكد بعض الباحثين على أن الذكاء الاصطناعى هو فرع من فروع علم النفس البشرى.
يستهل الكاتب حديثه عن أنه خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، بين الباحثون عن نظام ذكاء اصطناعى، أنه ينبغى التخلى نهائيا عن بعض المُقارَنات الشديدة السطحية بين الحاسوب والدماغ، وباشروا بإعطاء قاعدة نظرية لفكرة الذكاء، فالحاسوب بالنسبة إلى هؤلاء الباحثين هو مُختبر يَسمح باكتشاف طُرق جديدة لتصور الفكر وقد أثبتوا من خلال بَرامجهم أن فى بعض النشاطات (مثل الألعاب حيث كان يُعتقد أن الذكاء ضرورى) يستطيع الحاسوب التفوق على الكائن البشرى. كما استخلصوا أيضا أفضل معرفة للتشابهات بين عمل الحاسوب وعمل الدماغ البشرى.
لنتفحص فكرة التعلم: يبدو التعلم عند الإنسان مرتبطا بشدة بالنمو وبالتغيرات البنيوية للدماغ فى حين ومن البديهى أن مكونات الحاسوب لا تخضع لأى تغير من هذا النَوع. وفى المقابل، فإن بَرامج الحاسوب يُمكن أن تتغير بطُرق مُختلفة: يُمكن أن تُراكِم معطيات وتجعلها فى بنى وهى بمقدورها أيضا أن تغير نفسها بنفسها، لهذا السبب اقترح متخصصو الذكاء الاصطناعى أن البَرامج المعقدة، وخصوصا تلك التى تستطيع أن تغير وظائفها الخاصة، تشكِل نماذج جيدة للتعلم البشرى. وهذه النماذج كسائر النماذج فى العلوم لا تنتج كل خصائص الظاهرات المُفترَض أن تقدمها: فضلا عن ذلك لم يجرؤ أى شخص على الادعاء أن وظائف الحاسوب المزوَد ببَرنامج تعليم تحلل النشاط الكهربائى للخلايا العصبية المرتبطة بالتعلم البشرى.
إلا أن النموذج المعلوماتى للذكاء هو من المرونة بحيث يُمكن أن يوضح بدقة مُتناهية درجة الوظائف الأساسية للذكاء البشرى.
برنامج الحاسوب يتفوق على مُبرمِجه
إن وظائف بيل Belle، بطل البَرامج الإلكترونية فى لعبة الشطرنج، يُظهر بوضوح إحدى المسائل الأكثر أهمية المتعلقة بأهداف البحث فى الذكاء الاصطناعى. فإذا كان أحد الأهداف الأساسية هو مُحاكاة السلوك البشرى للذكاء، فأين يقع مستوى هذه المُحاكاة؟ إن تنفيذ بَرنامج شطرنج يلعب جيدا مثل خبير فى اللعبة يُحاكى سلوك خبير بشرى أيا كانت الوسائل المُستخدَمة. وفى المقابل، إذا كان الهدف اتخاذ قرارات استراتيجية كلاعب بشرى، فإن أى برنامج من نوع بيل يفشل فشلا ذريعا.
ومن الواضح أن لاعب شطرنج قدير يفكر بطريقة مختلفة جذريا عن بيل. فاللاعب البشرى يستخدم استراتيجية، يحدد هدفا، مثلا: كسب قطعة محدَدة، ثم يبحث عن وسائل تكتيكية للوصول إلى الهدف. وهو من أجل ذلك، يحدد أهدافا وسيطة أو أهدافا صغرى ويحاول أن يرى إذا كان بإمكانه إدراك هذه الأهداف الصغرى. ولقد برهنا من خلال اختبارات أن لاعبا بشريا قديرا لا يستطيع أن يتفحص أكثر من مائة وضعية قبل أن يختار حركة. وهو لا يحفظ إلا الحركات الأكثر أهمية ولكنه يدرسها بعمق مهم نسبيا. وفى المقابل، فإن برنامج بيل يتفحص 29 مليون وضعية خلال ثلاث دقائق وهو الزمن المسموح به للقيام بحركة خلال دورة شطرنج.
تمايز الذكاء البشرى عن الذكاء الاصطناعى
إن نجاحات بيل فى الشطرنج أظهرت أن ثمة سلوكيات ذكية تستند إلى مساقات تختلف عن المساقات البشرية، إلا أن بعض الباحثين يؤكدون على أن الذكاء الاصطناعى هو فرع من فروع عِلم النفس البشرى، ففى كل مرة يُحاكى برنامجٌ ما جانبا من جوانب الذكاء البشرى فإنه يشكِل «دليلا على وجود» نموذج معلوماتى للذكاء البشرى. إن سَير البَرنامج هو أحيانا مُختلف جدا عن المساقات العقلية البشرية لتكون إسهاماتها مباشرة فى عِلم النفس البشرى، ولكن البرنامج يُمكن أن يُحاكى جوانب أخرى للذكاء البشرى مهمة جدا كعدم توقع إنجازاته على سبيل المثال. فالبَرامج تلعب غالبا أفضل من الأشخاص الذين يعدونها. ومن الخطل الكلى التأكيد، كما فعل أشخاصٌ كثر، أن الذكاء الاصطناعى محدود لأن الحاسوب لا يفعل إلا بحدود ما أعطيناه من بَرْمَجة: وعلى العكس، فإن المُبرمِج يجهل غالبا قدرات برنامجه طالما لم يختبره من خلال الحاسوب.
التواصل الوحيد بين البرنامج والعالَم هو اللسان
إن المحاولات الأولى لفهم اللسان بواسطة بَرامج حاسوبية تعود إلى خمسينيات القرن الماضى، وقد تم حينها إنجاز آلات ترجمة آلية الحركة. فقد أعطيت كل كلمة من المدونة المطلوب ترجمتها مجموعة من الترجمات، وتم تحديد قواعد بسيطة لوضع المفردات بالتسلسل فى الترجمة وتحسين تركيب الجملة. هذه الأعمال لم تنجح خلال الترجمة من الإنجليزية إلى الروسية ثم من الروسية إلى الإنجليزية، فجملة «العقل قوى ولكن الجسد ضعيف» تُرجمت بـ«الفودكا غنية بالكحول ولكن اللحم فاسد». هكذا يبدو أن الترجمة من دون فهم مستحيلة، وتم التخلى عن تلك المحاولات فى منتصف الستينيات.
وقد تمت مُقاربةٌ أخرى لفهم اللسان هى مُقارَبة جوزف ويزنبوم فى المعهد التكنولوجى فى ماساشوستس الذى أعد فى العام 1966 برنامجا دُعى أليزا. هذا البَرنامج يختصر دائرة المساقات اللغوية المفيدة Les Processus linguistiques réels، ويستخدم منظومة فطنة من نماذج الأجوبة الثابتة تقلِد اللسان على نحو مُقنِع. ذلك أن أجوبة البَرنامج تقلد أجوبة طبيب الأمراض النفسية، فكل جواب منها مقتبس من سلسلة من الجُمل أو من أبنية جُمل محفوظة فى الذاكرة ومُرتبطة مع بعض الكلمات أو مجموعات من الكلمات التى تظهر فى جُمل «المريض». مثلا، كلما ظهرت كلمة أم يجيب البرنامج بجملة محفوظة فى الذاكرة من طراز «كلمنى أيضا عن أمك». وعندما نكتب على شاشة الحاسوب: «أحس ببعض التعب»، يستخدم برنامج أليزا جزءا من جملة المريض فى جوابه: «لماذا تحس ببعض التعب؟».
الذكاء البشرى يرتكز على الحس المُشترَك
ويضيف الكاتب أن النقد الأساس لأبحاث الذكاء الاصطناعى تتناول حقيقة أنها لم تنجح حتى الآن فى بلوغ ما نسميه الحس المُشترَك. ذلك أن إحدى الصعوبات التى تُواجِه هذه الأبحاث هى أن على البَرنامج أن يربط فى آن معا بين المعرفة والمُحاجَجة والفعل، لأن الاستخدام الذكى للفكرة لا بد أن يجمع بين هذه الجوانب الثلاثة. فأفضل البَرامج الحالية لا تعرف عما تتكلم، وتواصلها الوحيد مع العالَم يتم من خلال اللغة.

النص الأصلى

التعليقات