سلوكيات اللسان 18- «الغيبة والنميمة» - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان 18- «الغيبة والنميمة»

نشر فى : الخميس 17 يوليه 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 17 يوليه 2014 - 8:00 ص

-1-

الغيبة والنميمة جريمتان من جرائم اللسان يتورط فيهما السفهاء، وذلك بسبب اشتغالهم بأحوال الناس. ومن أشد ما تعجب له أن ترى الإنسان مخيرا بين خير مضمون وشر مؤكد، فإذا به يختار الشر المؤكد وينزلق فيه. أليس ذلك سفها وضياعا؟!

فيجب أن يحسن الإنسان اختياره، فالحقيقة المؤكدة: إن «ذكر الله» خير ونعمة وإن ذكر الناس «شر ونقمة»، فهل يستسلم الإنسان للسانه إذ يترك ذكر الله، وينطلق جادا وحادا فى ذكر أحوال الناس سواء بالشتم والسب، أو بالغيبة والنميمة، أو بالافتراء والبهتان، أو بالسخرية والاستهزاء إلخ. وقد قال العقلاء: «إن المرء لا يمتلك غير لسان واحد فكيف يجمع عليه الخير والشر؟!».

وإذا كان اللسان لا يجمع بين الحلو والمر، فهل يجمع بين ذكر الله وبين العدوان على الناس؟ فالعاقل يطهر لسانه ويصونه عن أعراض الناس، فيحقق غرضين أحدهما طاعة الله والآخر صيانة نفسه من عدوان الآخرين.

-2-

والمقصود بـ«الغِيبة» (بكسر الغين) ذكر الغائب بما يكره من الأقوال والأحوال والصفات. وقد نهى القرآن نهيا صريحا عن تلك الجريمة الأخلاقية بقوله تعالى: (..وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضا..) ومع هذا النهى الواضح فإن الآية تواصل توضيح بشاعة جريمة الغيبة، فإذا كان الناس يجرمون قتل النفس، فكيف إذا رأيت قاتلا يقتل قتيلا ثم يأكل لحمه عيانا أمام الناس؟! لاشك أنها جريمة مركبة من عدة جرائم، وهكذا يصورها القرآن فيقول (..وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا فَكَرِهْتُمُوهُ..) فهل يسمح عاقل لنفسه أن يتورط فى تلك الشناعة؟!

ولهذا حذر النبى أمته من كارثة الغيبة تحذيرا مشددا فقال: « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» فقَالُوا: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» فقال: « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ: «أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ؟» قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» و«بَهَتَّهُ» تعنى: أصبته ببهتان، وهو الافتراء والكذب.

-3-

أما النميمة فهى جريمة أخلاقية كبرى اعتبرها الله من علامات الفحش وسوء الأخلاق، وأوضح القرآن أن الموصوفين بها ضالون عن سبيل الله يجب عدم طاعتهم وعدم تصديقهم فقال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ).

فالنميمة وإن كانت من أعمال اللسان إلا أنها تكشف عن نفس مريضة تسعى للوقيعة بين الناس، لذلك استحق فاعل هذه الجريمة أن يحرم من دخول الجنة كما بين الرسول بقوله: « لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ».

ويسقط الإنسان فى النميمة بسبب الفراغ وعدم العمل، ومجالسة الناس مع بعضهم دون هدف وبدون سبب، وهذا من أعجب العجب أن تتضاعف السيئات، فالفراغ إهدار للوقت وعجز فى الانتاج، ثم ينزلق الإنسان إلى نقل كلام الحاضرين إلى الغائبين ليقطع الأواصر بين الناس ويهيج الخواطر.

-4-

وقد حفظ تاريخ الأخلاق لنا نماذج رائعة لمقاومة رذيلة النميمة، فهذا رجل نمام قابل عمر بن عبدالعزيز وأبلغه كلاما سمعه فى حقه، فإذا عمر يقول له: «إن شئت نظرنا فى أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ)، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا». وقد نقل بعض النمامين كلاما لرجل صالح، فقال الصالح للنمام: «إنك لم تكرم صاحبك حيث أفشيت سره، كما أنك لم تكرمنا إذ أسمعتنا ما يغضبنا، كما لم تكرم نفسك إذ أهلكتها بالنميمة. فإذا أردت أن تصنع خيرا فارجع إلى صاحبك وقل له: إن الموت ينتظرنا، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، والله يحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة، فانظر لنفسك مخرجا».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات