رقصة الفالس.. فى «جراند أوتيل» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رقصة الفالس.. فى «جراند أوتيل»

نشر فى : الأحد 17 يوليه 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 17 يوليه 2016 - 10:00 م
يستطيع المنصف، بضمير مستريح، أن يعترف بثراء المسلسلات المصرية، وارتفاع مستواها.. تتنوع الأعمال، فى بيئاتها، ما بين صعيدية وقاهرية، ريفية وحضرية، عائلات ثرية، تقطن القصور والفيللات، أسر فقيرة تسكن الحارات والأزقة.. بعضها يتجه للكوميديا، وأخرى يندرج فى باب التراجيديا.. مجموعة تتبع الأسلوب البوليسى، وثانية ذات طابع اجتماعى.. ثالثة تنسج على المنوال النفسانى.. يتواكب، مع هذا التنوع محاولات جادة، لتحقيق مستويات فنية مرتفعة، تأليفا، إخراجا، تمثيلا.

من بين ما عرض مؤخرا، ينهض «جراند أوتيل» بطابعه الفريد، غير المسبوق، لم تتعوده شاشة التلفاز، فعلى الرغم من احتواء المسلسل على عدة جرائم قتل، مؤامرات ودسائس، مطاردات، مواجهات، انقلابات، عواطف، فإنه ظل محتفظا بأسلوب «الفالس» الناعم، الرقيق، الأنيق، المعتمد على الدوران، الانزلاقات، حيث تتحول، كلها، إلى دوامات شيطانية.. فى الحلقة الأولى، ثمة إشارة مفعمة بالإعجاب، بأغنية «ليالى الأنس فى فيينا» التى لحنها فريد الأطرش، مستوحيا موسيقى «الفالس».

رقصة «الفالس»، غالبا، تدور فى القاعات الواسعة، الفاخرة، تؤديها، مجموعات من علية القوم، رجال من ذوى الياقات البيضاء، نساء ترتدين الفساتين الواسعة.. إنها أجواء «جراند أوتيل»، برغم خلوها من الرقصات.

حلقات المسلسل تنساب. كاتب السيناريو الماهر، تامر حبيب، يعرف تماما كيف يتابع، بخبرة، خيوط عمله، لينسج ثلاثين حلقة، تبدو كما لو أنها حلقة واحدة، مشوقة، تتضمن الكثير من الأحاجى والأسرار، وتتكشف بهدوء، يسردها المخرج النابه، الموهوب، محمد شاكر خضير، الأقرب للمايسترو، يطلق الطاقة الإبداعية لفريقه، المتوافر أصلا.

الفندق اللامع، على ضفة نيل أسوان، يتلألأ برواده، أرستقراطية خمسينيات القرن السابق، تملكه الأرملة الفاتنة، ذات الجمال الجليدى «قسمت»، بأداء بارع من «أنوشكا» لم تصل لمستواه من قبل. تفهم كامل، عميق، لشخصية متآمرة، شديدة الحزم والقوة، صوتها لا يرتفع أبدا، حتى فى ذروة غضبها. تكفى نظرة واحدة من عينيها كى يجفل الواقف أمامها، ملبيا أوامرها.. يساعدها فى تنفذ خططها الجهنمية «مراد»، خطيب ابنتها، بأداء الشاب النحيل «أحمد داود»، النحيل، المهذب، المعجون بالشر، المنفذ لعدة جرائم، دون أن يرمش له جفن.

وسيلتنا فى دخول عالم «جراند أوتيل» هو «على»، الذى يجسده بحيوية «عمرو يوسف»، القادم من القاهرة، بحثا عن شقيقته «ضحى» ــ آية سماحة ــ المختفية فى ظروف غامضة.. «على»، ينضم إلى عالم الخدم فى الفندق، يرتبط بصداقة قوية، عميقة، مع الخادم «أمين»، الذى يؤدى دوره، على نحو خلاب «محمد ممدوح»، يستحق وقفة خاصة.

بنوع من الإشراف، عايش محمد ممدوح شخصية على، ذلك البدين، الهادئ الملامح، صاحب القلب المشتعل عشقا لخدامة تعيسة، شريرة «ورد» ــ دينا الشربينى ــ التى تخدعه المرة تلو المرة.. انفعالات محمد ممدوح، الحادة، المتضاربة، المعتملة فى أعماقه، يعبر عنها باقتصاد بليغ، ليس بملامح وجهه فقط، بل بطريقة تنفسه، يوحى أنه يستنشق رائحة الجنة، خاصة حين يحمل بين يديه الوليد الذى يظن أنه ابنه.. أحيانا، يبدو فى المواقف المأساوية، كما لو أنه لا يستطيع التقاط أنفاسه.. فى أكثر من موقف، من دون نقلات أو تقطيع، يجعلنا نرى وجهه ينشع بالعرق إنه من أهم إنجازات المسلسل.

على «عمرو يوسف»، أداة البحث عن حل ألغاز «جراند أوتيل»، الذى لا يظهر منه إلا سطح جبل الجيلد العائم.. تتكشف حقائق مروعة: مقتل صاحب الفندق الذى لم نره، على يد زوجته، الملكة، قسمت هانم، بأصابع الوغد «مراد»، المتسم بمتانة الأعصاب، وهو، من توالت جرائمه، على يد آخرين: «ضحى» التى لقيت حتفها بطعنات من موظف الاستقبال، ثم موظف الاستقبال الذى حاول ابتزاز سيدة فدفع حياته عقابا.. ثم «ورد»، الشريرة، المخدوعة.

من ألاعيب تامر حبيب الذكية، المشوقة، ترك مساحات لخيال المتابع، ربما أقواها إثارة تتمثل فى العلاقة التى يعلوها ضباب، بين«قسمت هانم» ورئيسة الخدم «سكينة» ــ سوسن بدر ــ نظراتهما المتبادلة تبين أن شيئا غامضا، يربطهما.. أسرار ما لا يفصحان عنها.. مع توالى الأحداق، نكتشف أن صاحب الفندق، اعترف، فى ورقة، أن «سكينة»، بمثابة زوجته، وأن «أمين»، ابنهما.. ترى، كيف كانت علاقة القتيل برئيسة الخدم، متى بدأت، كيف سارت.. هذه كلها، يتركها كاتب السيناريو، لتصورات المشاهد.

فى رقصة الفالس الناعمة، توحى الراقصة، فى دورانها المنفرد، أنها تحاول الانفلات من شريكها، لتبتعد خطوات، لكنها تظل فى فلكه.. الأمر الذى يتجسد، على نحو إبداعى، فى طريقة إخراج محمد شاكر خضير.. معظم الشخصيات، ترنو إلى الانعتاق من السيد، بلا جدوى، حتى حين تأتى اللحظات الأخيرة فى حياة «ورد» فبينما تتعلق نظراتها بالوغد «مراد»، وهى على ظهر المركب، يلف القاتل المأجور حبلا حول قدميها، ليلقى بها فى النهر، يتابعها المصور المرهف، تيمور تيمور، فى جوف المياه، فتبدو كما لو أنها فى حركة راقصة، لا تخلو من دهشة، وعدم تصديق.. إنه مسلسل ثمين.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات