عصا فى عجلات حازم الببلاوى - سلمى حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عصا فى عجلات حازم الببلاوى

نشر فى : الأربعاء 17 أغسطس 2011 - 12:21 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 أغسطس 2011 - 12:21 م

 ما هى أسهل طريقة لوقف عجلة الدراجة عن الدوران؟ ضع عصا صغيرة بين أسلاكها فتتوقف فى لحظة.
أخشى أن هناك عصا صغيرة ستمنع عجلة وزير المالية الجديد عن الدوران. والعصا وضعها هو بنفسه!
كان أول تصريح لنائب رئيس الوزراء حازم الببلاوى بعد أن تولى حقيبة وزارة المالية أنه «لن يعيد النظر فى الموازنة». وإذا استبعدنا أن مفكرا عالما ومشاغبا بقامته يقصد أنه «ليس بالإمكان أبدع مما كان» فى الموازنة التى وضعها سلفه، فإن الرسالة الضمنية التى قد نفهمها هى أن أخطاء الموازنة التى أعدت فى شهرين وأقرها المجلس العسكرى ليست جسيمة إلى الدرجة التى تستدعى أن نغير من أجلها القوانين (حيث إن الموازنة وتعديلاتها يجب أن تصدر بقوانين). وهنا مكمن الخلاف.

●●●

أتحدث هنا عن خطوة تقشفية ظالمة اتخذتها الحكومة فى السر لتخفيض الإنفاق الحكومى. ولم يستغرق إعدادها من فنيى مكتب الوزير أكثر من أسبوع. فكانت تلك التعديلات هى الأكثر ظلما وانحيازا ضد جموع المصريين المطالبين بالعدالة الاجتماعية.

بل وكالمراهق الذى يخفى عن أهله أنه يدخن السجائر، فيطيل البقاء فى الحمام، أو يتدلى خارج الشباك حتى لا يرى أحد فعلته، خبأ القائمون على الوزارة وقتها (ومعظمهم ما زالوا فى مواقعهم) خطة التقشف التى سيدفع ثمنها الفقراء والعاملون بأجور لا تقيهم العوز.

رأيت تفاصيل الخطة بأم عينى على موقع الإنترنت الرسمى للوزارة، ثم اختفت بعدها بساعات إلى الأبد. لم أستطع تمييز كل تفاصيلها، ولكن ما التقطته كان كافيا لتوضيح الاتجاه الذى سارت فيه: معاكسا للعدالة ولمطالب معتصمى ميدان التحرير والسويس والإسكندرية وسوهاج وقنا الذين وقعوا على قائمة بسبع مطالب لفض الاعتصام، كان أحدها إعادة النظر فى الموازنة وتوزيع الدعم والأعباء بين الفقراء والأغنياء.

وهذه التعديلات هى ما أرجو من وزير المالية الجديد إعادة النظر فيه. وإذا وافق فلن تستغرق إلا أسبوعا واحدا، ومعركة كبيرة.

لقد أبدى الببلاوى تخوفه من أزمة سيولة لدى الحكومة المصرية قد تعجزها عن تغطية الانفاق الحكومى. فمن أين تأتى الحكومة بالأموال؟ اختارت حكومة شرف حتى الآن أن تتجاهل الوضع الثورى والأزمة الاجتماعية.

واختارت أن يأتى التوفير من جيوب العاملين ذوى الأجور الهزيلة، ومن خفض الاستثمارات التى تخدمهم. فهل ينزع الببلاوى عصاه من العجلة ويدفع بالدراجة إلى الاتجاه الصحيح؟
الوضع لا يسمح بتدليلكم.
التفكير المنطقى يقول أن أستفيد كصانع قرار من الزخم الشعبى الثورى للضغط على الأغنياء بأن الوضع لا يسمح الآن بتدليلكم وزيادة مكتسباتكم. ورغم ذلك فما يحدث هو العكس.

لم تكن الموازنة التى وضعتها حكومة شرف بعد الثورة بمختلفة جوهريا عن موازنات ما قبل الثورة. فقط قدر من حقن البوتوكس لإزالة قليل من التجاعيد، بدون تدخل جراحى لعلاج التشوهات الكبيرة. ولم يطالب أحد الحكومة بخوض المعارك الكبرى ضد مصالح الطبقات الأغنى، إذ تظل هى حكومة انتقالية غير منتخبة. ولكن طفح الكيل عندما نشرت بعض الصحف قدرا قليلا مما تسرب من خطة التقشف السرية التى تبنتها الحكومة عندما أوقف المجلس العسكرى التوسع فى الاقتراض الخارجى. فكان خبر إلغاء الوعد بزيادة المعاشات لتقترب من حد الفقر وإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية ثم تخفيض الحد الأدنى للأجر لأقل من 800 جنيه، بمثابة دافع إضافى للاعتصام خوفا من الانقضاض على مطالب الثورة. وما خفى كان أعظم، وهذا بعض منه:
تخفيض العلاج على نفقة الدولة، ومخصصات إعانة البطالة، وخفض دعم زراعة الذرة، واستغنت الحكومة عن خفض تسوية مديونيات المصالح والهيئات الحكومية لدى هيئة الكهرباء والاتصالات والمياه وشركات المقاولات. أى مثلا (والمثال من عندى) أن وزارة الداخلية تستهلك ماء وكهرباء واتصالات وتبنى قصورا لمسئوليها ولا تسدد الفواتير ونحن ندفع ثمنها من قوت أولادنا (هذا البند وحده يكلفنا أكثر من 16 مليار جنيه، تنعكس علينا فى شكل تردى تلك الخدمات لأنها لا تملك السيولة الكافية لصيانتها وتحديثها). بالإضافة إلى تخفيض الاستثمارات الحكومية بنحو 9 مليار جنيه، وهى استثمارات كانت ستكون فى التعليم والصحة وشق الطرق والترع وتخلق المزيد من فرص العمل الشحيحة.
ولكى تكتمل الصورة: فإن خطة التقشف أعادت فرض الضرائب على كل من يصل دخله الشهرى إلى 750 جنيها ليقتطع منها للضرائب فى حين أن كبار ملاك أسهم الشركات أعفتهم من دفع أى مليم ضريبة على ارباحهم المليونية. فهل هذا مما يرضى الوزير الجديد؟
●●●

صحيح، قصيرة هى الفترة الزمنية الانتقالية بين حكومة مؤقتة وحكومة منتخبة إلا أن ما بنى على باطل فهو باطل. وخمسة أشهر هى فترة كافية لتعديل مسار التفكير. وإن شاء الوزير الجديد ألا يفتح على نفسه فاتوحة بمراجعة الموازنة، فليكن رفضه صريحا لما يراه منكرا.

وأحسب أن معركة فرض الحد الأقصى للأجر ستقول لنا الكثير عن مدى قدرة عالم الاقتصاد القدير على المواجهة السياسية الشرسة التى أحسبها واقعة لا محالة مع زملائه ومستشاريه، وسيؤازره فيها الشعب. خصوصا أن الانتخابات على الأبواب وإلى حينها، أخشى أن تتحول مفرزة الشعب إلى مفرمة سياسية.

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات