التزكية: الأخلاق قبل العلم - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التزكية: الأخلاق قبل العلم

نشر فى : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:40 ص

يختلط على البعض أولوية الوجوب والتقديم «الأخلاق أم العلم» ؟ وأيهما يجب له السبق على الآخر؟ وهل يتوقف أحدهما على الآخر؟ بمعنى هل يمكن للإنسان أن يتعلم أى علم نافع دون أن يكون قد نال حظا من «زكى الأخلاق» وجميل السلوك؟!

ولشديد الأسف فإن البعض لا يربط بين الأخلاق وبين العلم ويظن أنهما موضوعان مختلفان لا رابط بينهما، وعلى ذلك فهو يتصور أن الإنسان يستطيع أن يتعلم أى علم قبل أن يتمتع بسلوك حسن ويمتلئ قلبه بحب الخير والمعروف، فهذا تصور يُخالف الفطرة والعقل.

فحينما تسمع صوت الفطرة الصريحة وهى تنتقد سلوكا سيئا من إنسان يحمل مؤهلا أو مؤهلات ويزعم أنه مُتعلم أو مُثقف لأنه يُتقن بعض المعلومات نسمع تعبيرا يجب ألا ننساه «الأدب فضلوه على العلم» وهم يقصدون أن آداب السلوك والمعاملات مفضلة على جمع المعلومات حتى ولو كانت علوم الشريعة. وهذا مبدأ عام من مبادئ الشخصية القويمة تحتويه الفطرة ويؤكده القرآن الكريم أكثر من مرة.

-2-

حينما امتثل الخليل إبراهيم عليه السلام لأمر ربه بأن يبدأ تجديد البيت الحرام (الكعبة) فبدأ كما أمره الله برفع القواعد وإظهارها (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) (127:البقرة)، واستثمر عليه السلام وقت الطاعة والعبادة أثناء عملية بناء البيت فكان يدعو ربه وهو يعمل، وكان ابنه إسماعيل عليه السلام يساعده فى العمل، ويشاركه الدعاء بقوله «آمين» مشتركا معه فى الدعاء ثم ختم إبراهيم دعاءه فى ذلك الموقف بقوله (..رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ..) (129:البقرة) هكذا تصور الخليل عليه السلام إمكانية التعلم قبل التخلق بالأخلاق الحسنة فقال (..وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ..) فقدم العلم على التزكية، لكن مسألة التقديم والتأخير بين العلم والأخلاق مسألة منهجية لا يُتقنها إلا خالق الإنسان ربَ كل شىء والذى يعلم ما ينفعه أولا ثم ثانيا. فكان التعقيب الإلهى على دعوة إبراهيم لافتا للنظر.

-3-

وحينما عرض القرآن لمحة من تاريخ البيت الحرام وأشار إلى موضوع «القبلة» ووجوب تخصيص الكعبة قبلة لجميع سكان الأرض يتجهون جميعا إليها فى أثناء الصلاة فى شكل دائرى ناحية الكعبة يحيطونها بأبصارهم إذا كانوا بجوارها ويحيطونها بقلوبهم أينما كانوا على اتساع الكرة الأرضية فقال تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..) (150:البقرة) وفى الآية التالية مباشرة لتلك الآية قال تعالى (151:البقرة) (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) نعم، علمهم الله ما لم يكن عندهم من قبل: فعلمهم الأخلاق الزكية، وعلمهم الحكمة النافعة وعلمهم كيف يستعدون لطلب العلم (المعرفة والمنهجية) وهذا هو ما نُشير إليه أن الله جل جلاله قد قدم التزكية على العلم، مشيرا إلى المنهج الواجب اتباعه فى تنشئة البشر وهو «التزكية قبل العلم»

...وكرر القرآن الكريم مرة ثانية ذكر مبدأ تقديم التزكية قبل العلم، فقال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُبِينٍ) (164:آل عمران) نعم كانوا فى ضلال مبين حيث كانوا يَدّعون عبادة الله بالطواف حول الكعبة دون اعتبار لكريم الأخلاق فكانوا يطوفون وهم عرايا، ويشربون الخمر، ويعتدى بعضهم على بعض... فهل يصح لهؤلاء عبادة؟

وفى مرة ثالثة يؤكد القرآن أولوية وأسبقية الأخلاق (التزكية) على العلم فيقول سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (2:سورة الجمعة)، هكذا يقرر القرآن الكريم مبدأ (التزكية قبل العلم) ويؤكده بنص القرآن الكريم ثلاث مرات فى سور البقرة، وآل عمران، والجمعة.

يُتبع،،

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات