نحو تطوير منظومة العمل العربى المشترك - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو تطوير منظومة العمل العربى المشترك

نشر فى : الأربعاء 17 نوفمبر 2010 - 11:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 نوفمبر 2010 - 11:25 ص

 قطعت الجماعة الأوروبية أشواطا طويلة تحولت فيها من سوق مشتركة من ست دول إلى اتحاد اقتصادى ونقدى يضم 27 دولة، تأهب للتحول إلى دولة فيدرالية من خلال طرح مشروع دستور فى بدايات الألفية. ودفع هذا التطور مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت إلى عقد ندوة فى أوائل 2004 طرح فيها فكرة إعداد دراسة تستنبط الدروس المستفادة من التجربة الأوروبية لاستخلاص مقترح بإعادة صياغة منظومة العمل العربى المشترك على نحو يضع الوطن العربى على مسار تكامل يحقق الوحدة المنشودة.

وكان فى الخلفية ذلك التنديد المتكرر فى الأدبيات العربية بتواضع إنجاز التكامل العربى بالمقارنة بالتطور المتواصل الذى حققته مجموعة من الدول بينها من الاختلافات والخلافات ما لا تعانى منه الدول العربية. يضاف إلى ذلك صحوة للمنظومة العربية فى أواخر القرن الماضى وضعت العرب على بدايات درب التكامل الطويل، ليشهد العقد الأول من الألفية انتظام دورية القمة، واستكمال أولى خطوات التكامل بإنشاء منطقة تجارة حرة عربية ضمت غالبية الدول العربية.

فالتجربة الأوروبية كانت رائدة فى الاقتراب من الوحدة خطوة بعد أخرى، وساندتها دراسات علمية ناقشت المناهج البديلة للتكامل لتختار منها المنهج الوظيفى الذى تشجع فيه المنافع الملموسة التى تعود من التكامل فى أحد الجوانب الأقل خلافا، على نقل مأمون للقرارات الرئيسية بشأنه إلى مؤسسة إقليمية دون تذرع أى من الدول الأطراف بأن هذا ينتقص من سيادة وطنية تحرص عليها. ومن ثم طلب المركز إجراء دراسة يتولى فيها د. حسن نافعة معالجة الجوانب السياسية بينما يقوم كاتب هذه السطور تناول النواحى الاقتصادية، وصولا إلى مقترح لتكامل عربى فى ضوء الخبرة الأوروبية. غير أنى كنت أرى أن الدراسة لا تكتمل إلا بفحص تجارب الدول النامية التى تنتمى إليها الدول العربية، والتى سعت مثلها إلى الاسترشاد بالخبرة الأوروبية، وندر منها من استطاع الوصول إلى مرحلة متقدمة من التكامل. فغلينا أن نتأمل عوامل النجاح هناك ودواعى التعثر هنا وما قد يكون جرى من محاولات لتفاديه.

واستخلص د. نافعة من دراسته القيمة التى نشرها المركز بعنوان «الاتحاد الأوروبى والدراسة المستفادة عربيا» ثلاثة دروس جديرة بالتأمل. الدرس الأول أنه رغم حدة الخلافات السياسية التى أوصلت أوروبا والعالم معها إلى حروب عالمية طاحنة، تمكنت من تحييد تلك الخلافات ليس من أجل المحافظة على مكاسب اقتصادية، وإنما خوفا من زعزعة الأمن والعودة إلى صراعات فيما بينه، مصحوبة بخوف من تهديدات خارجية تهددها جميعا نتيجة تنامى المعسكر الاشتراكى وتمادى الحرب الباردة. الدرس الثانى هو القدرة على بناء مؤسسات إقليمية تفوضها إدارة جانب من شئونها، وشجعها على ذلك النجاح الذى تحقق فى قطاع الفحم والصلب ذى الدور المحورى فى كل من الأنشطة المدنية والعسكرية. وربما ساعد فى ذلك أن ألمانيا فى ظل هزيمتها الساحقة فى الحرب العالمية وجدت فى ذلك ثمنا بخسا لعودتها إلى موقع قيادة المجتمع الأوروبى الجديد.

غير أن مما لا شك فيه أن رسوخ الممارسات الديمقراطية فى دول الحلفاء أوجد أسسا سليمة لكيفية اتخاذ القرار بمراعاة مصالح جميع الأطراف المعنية، مما هيأ لتوازن العلاقات بين جميع المؤسسات المسئولة عن اتخاذ قرارات تمس حياة أطراف عديدة دون إجحاف بحقوق وطموحات أى منها.

الدرس الثالث هو القدرة على حل معضلة الاستمرارية فى عملية تتسع يوما بعد يوم لتشمل المزيد من أوجه الحياة لتجعل الوحدة السياسية نتاجا طبيعيا لخيارات بشر ينتمون إلى أصول متباينة. وكان الفضل فى ذلك يعود إلى الارتقاء بالممارسات الديمقراطية من المستوى القطرى الضيق إلى المستوى الإقليمى الأوسع، بل والدائب التوسع، مضفية على كل مواطن أينما كان الاطمئنان لوصول صوته داخل حدود وطنه والأوطان الشريكة، من خلال الانتخاب والاستفتاء فى الأمور الهيكلية، وإلى توفر الشفافية التى تكفل سلامة عمليات الرقابة، والثقة فى أجهزة ونظم المتابعة والمساءلة، وحرص شديد على الحقوق الإنسانية.

وختم د. نافعة دراسته بالعبارة الآتية: «نعتقد أن إجراء إصلاحات سياسية واسعة النطاق فى الوطن العربى تستهدف إقامة نظم مؤسسية وديمقراطية فاعلة فى جميع البلدان العربية هو شرط لازم ولا غنى عنه لبدء وضمان استمرارية عملية تكاملية عربية فعالة».

وكان هذا هو ما أكدناه فى مقالنا الأخير. غير أن هذا لا يعنى أن نرجئ النظر فى بنية منظومة العمل العربى المشترك، بل علينا أن نصحح أوضاعها القائمة لكى تصبح جاهزة للانطلاق فى مسارها السليم.

وقد أوضحت الدراسة التى قمنا بها بعنوان «تجارب التكامل العالمية ومغزاها للتكامل العربى» عجز التطبيق الآلى للنموذج الأوروبى عن الاقتراب من التكامل فى مختلف التجمعات النامية، وأن الحالات التى جمعت بين دول نامية وأخرى متقدمة صيغت بهدف تأمين الأخيرة من أضرار تلحق بها إذا تركت العلاقات البينية دون ضابط، وهو ما تعانى منه عملية برشلونة التى وصلت إلى تسمية غريبة هى «الاتحاد من أجل المتوسط».

ومن ثم فإن الأمر يقتضى إعادة بناء لا تكتفى بإعادة تسمية جامعة الدول العربية «اتحادا»، أو تحويلها إلى كونفيدرالية. غير أن بقاء التسمية الحالية يفيد أن المؤسسة الأم هى مجرد رابطة تجمع بين دول تصبغ عليها صفة العروبة.

ويتبع ذلك أن تظل الحركة فى المنظومة مقيدة بالمستوى الوزارى، مما يستبعد ضمنا جمهرة المواطنين والمجتمع المدنى. وبمراجعة التسميات المستخدمة فى المؤسسات الإقليمية نجد أن لفظ «الدول» لم يظهر إلا فى المنظمات الأمريكية، سواء لمجمل الدول الأمريكية أو أمريكا الوسطى أو منطقة الكاريبى، وهى أقرب إلى منتديات تناقش العلاقات بين تلك الدول، دون أن تستهدف درجة من درجات الإقليمى. ولعل التسمية الفريدة هى التى تميزت بها الآسيان بكونها «رابطة شعوب» رغم أنها محددة بالدول العشر الواقعة فى جنوب شرق آسيا.

واستخدمت تجمعات عديدة مصطلح «الجماعة» التى أطلقتها أوروبا على منظماتها القطاعية والاقتصادية، ثم جمعت بينها فى «الجماعة الأوروبية» لتصبح شاملة. أما مصطلح اتحاد فقد استخدمتها تجمعات عديدة وعرّفتها بموضوع الاتحاد: سواء اتحاد جمركى أو اتحاد اقتصادى أو نقدى، لذلك طرحت فى الدراسة التى أجريتها التمييز بين محاور ثلاثة للمنظومة العربية، اثنان للشئون الخارجية هما الجامعة العربية للشئون السياسية، والدفاع المشترك للأمن القومى.

أما الثالث فينصب على قضايا التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقضايا التكامل، وهو ما أطلقت عليه اسم «الجماعة العربية». ويرجع ذلك إلى اعتبار أن الدول العربية حصلت على استقلالها خلال القرن الماضى، سبع منها أقامت الجامعة فى 1945، والباقى انضمت لها عقب إعلان استقلالها خلال العقود الثلاثة التالية.

ومشكلة هذه الدول أنها تظل بحاجة إلى تدعيم بنيانها السياسى والإدارى، والاجتهاد فى تحقيق التنمية المستدامة، وهى أمور تقتضى تعاونا وثيقا ليس فى مجرد تحرير التجارة، بل فى بناء اقتصادات متماسكة داخليا ومترابطة فيما بينها لاجتياز مرحلة تنمية تكاملية أى تنمية تزيد من قدرتها على تحقيق التكامل، ومن ثم يصبح تكاملا إنمائيا يساهم فى تعزيز التنمية.

ويتولى الإشراف عليه مجلس وزارى للتنمية والتكامل، يحل محل المجلسين الشموليين (الاقتصادى والوحدة) تعاونه مفوضية تعالج أوجه النشاط المختلفة مستعينة بالمنظمات المتخصصة، ويشرف على المحاور الثلاثة مؤتمر القمة، مما يكفل تواصل القمم التنموية التى بدأت فى الكويت، يناير 2009.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات