هامش للديمقراطية.. طبقة وسطى منكمشة تنقلب على الحرية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية.. طبقة وسطى منكمشة تنقلب على الحرية

نشر فى : الأحد 17 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 17 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

نعود إلى البدايات: لكى يتبلور ثم يستقر التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع ـ هكذا يخبرنا البحث السياسى ـ ثمة ـ من بين شروط أخرى ـ ضرورة لحضور طبقة وسطى متماسكة وملتزمة بقيم الحرية والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وحريصة على الانتخابات الدورية وتداول السلطة ومساءلة ومحاسبة شاغلى المناصب العامة وغير ممانعة للتنوع الدينى والعرقى والمذهبى وللتعددية الفكرية والسياسية.

وفى يناير ٢٠١١، لم تكن مصر مع طبقة وسطى متماسكة. فبعد عقود من غياب التنمية المستدامة، وتراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وانهيار جودة خدمات التعليم والرعاية الصحية، واتساع الهوة الفاصلة بين ميسورى الحال الذين احتكروا لأنفسهم عبر تحالف السلطة والمال وشبكات الفساد عوائد النمو الاقتصادى المحدود (فقط بين ٢٠٠٥ و٢٠١٠ بلغت معدلات النمو ٥ و٦ بالمائة) وبين متوسطى الدخل الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية بانتظام ومحدودى الدخل والفقراء الذين تتابع ازدياد أعدادهم، انكمشت الطبقة الوسطى المصرية بوضوح ومعها انكمش أيضا التحالف الاجتماعى الداعم لنظام مبارك إلى نخب الأعمال والشرائح العليا فى الأجهزة التنفيذية والإدارية والعسكرية والأمنية للدولة.

رتب انكماش الطبقة الوسطى، وهى القوة المجتمعية القادرة نظريا على المطالبة بالديمقراطية وتحمل كلفتها الاقتصادية والاجتماعية إلى أن يستقر تنظيمها، اضطلاع الشرائح محدودة الدخل والفقراء بمسئولية المطالبة بالديمقراطية فى يناير ٢٠١١ إلا أنهم سرعان ما تنكروا لها على وقع تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار قدرتهم على تحمل ضغوط غياب الأمن والعمل والخدمات الأساسية. رتب انكماش الطبقة الوسطى، أيضا، خوفها من «التورط» فى طلب التغييرات الجذرية اللازمة لاعتماد الحرية والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان كالعدالة الانتقالية وإعادة هيكلة أجهزة الدولة الأمنية والإدارية وإخضاع المؤسسة العسكرية لرقابة المدنيين المنتخبين ودعم استقلال القضاء ولم يتجاوز «رجعية» الطبقة الوسطى المصرية سوى بعض شرائحها الشابة وبعض النساء.

وقد كان انكماش الطبقة الوسطى المصرية، ولم يزل، أحد أهم الأسباب الجوهرية لاختلاف الأوضاع المصرية عن التحولات التونسية. وحين ذكرت هذا بعد ثورة الياسمين التونسية وقبل ثورة يناير ٢٠١١ ـ كتابة فى الشروق آنذاك وقولا فى الإعلام التليفزيونى ـ وأضفت إليه تباين أدوار المؤسسات العسكرية بين تداخلية ومسيسة فى مصر وحيادية واحترافية فى تونس وتباين مستويات القمع بين (وفقا للمعايير الدولية) متوسطة الحدة فى مصر وشديدة الحدة فى تونس، اعتبره بعض محدودى الفهم زيفا بمثابة دفاع عن نظام مبارك.

ولم يكن فى حقيقته، وفى صياغتى المكتوبة والشفهية التى أعدت مطالعتها كثيرا، إلا إشارة إلى أن مسارات مصر ستعكس حتما انكماش الطبقة الوسطى وخوفها من طلب الديمقراطية والتغيير. تماما كما كان حتميا أن تتأثر بتدخل الجيش فى السياسة وبالعسكرة المستمرة للمخيلة الجماعية، وكذلك بمستويات القمع المتوسطة التى دفعت للأسف تدريجيا إلى تجاهل مجتمعى لانتهاكات حقوق الإنسان والقيود على الحريات وتغييب الإرادة السياسية لاعتماد منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية تحاسب المتورطين فى الانتهاكات ولإقرار إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والإدارية بهدف إنهاء الممارسات والإجراءات الظالمة التى طويلا ما تعرض لها المصريات والمصريون.

هذه الطبقة الوسطى المصرية المنكمشة والخائفة من التغيير انقلبت على الديمقراطية وقيمها وإجراءاتها بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، وارتبط ذلك بخريطة تفضيلاتها الفكرية والسياسية التى حملت تقليديا تبنيا لنموذجين فى تنظيم الدولة والمجتمع لا علاقة لهما بالديمقراطية. المزيد عن هذا بالغد.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات