الليلة الكبيرة - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الليلة الكبيرة

نشر فى : الثلاثاء 17 نوفمبر 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 نوفمبر 2015 - 8:35 ص

لا أقصد الفيلم الذى شهد، مساء عرضه فى مهرجان القاهرة، زحاما شديدا، رغبة من عشاق السينما فى الاطلاع على جديد اثنين من أصحاب الإنجازات المرموقة، الكاتب أحمد عبدالله، والمخرج سامح عبدالعزيز، اللذين حققا من قبل «الكباريه» و«الفرح».. لكنى أقصد ذلك «الفيلم الأسود»، الدامى، الحقيقى، الذى دارت أحداثه الفاجعة فى تلك المدينة التى تغنى بها رفاعة الطهطاوى، توفيق الحكيم، طه حسين، محمد مندور، أحمد الصاورى محمود، وآخرون.. «باريس»، عامصة الدولة، التى يتلخص تاريخها معنا فى نقضين: النار والنور.. جاء نبليون فى أواخر القرن السابع عشر، على فوهات المدافع.. غادرها وقد اتسعت عيون المصريين على حلم الحرية والعدال والمساواة.. منذ ذلك الحين، سارت المشاعر مزدوجة تجاه فرنسا، المزدوجة أيضا، فمن ناحية، هى الاستعمارية، المتغطرسة، القاسية.. ومن ناحية ثانية، من خلال مفكريها، هى الثقافة الإنسانية الرفيعة، منذ فولتير، إلى ما بعد سارتر.

ليلة عرض الفيلم، فى لمسة لا تتأتى إلا من شعب متحضر فى جوهره، وقف الجمهور دقيقة حدادا على أرواح المغدورين، فى برج البراجنة، وفى شارع فولتير ومسرح باتاكلام وعلى أبواب «استاد فرنسا»، حيث تم تهريب الرئيس فرانسوا هولاند، الذى حضر مباراة كرة القدم بين فريقه وألمانيا.
المصريون، الذين اكتووا بنار الإرهاب، لم يفرقوا بين لحمهم المحترق، وأهاليهم فى لبنان، والأبرياء فى باريس.. دقيقة الحداد تكتسب معنى نبيلا، ربما أوسع وأعمق من تلوين المعالم الشهيرة فى لندن وبرج التجارة العالمى فى نيويورك، وأوبرا سيدنى بأستراليا، وأهرامات الجيزة ــ بألوان علم فرنسا: الأبيض والأحمر والأزرق.

انهمرت التعازى على الحكومة الفرنسية، مع تعليقات تدين الإرهاب والإرهابيين، وظهر الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، مرتديا قميصا أبيض، يوحى بأنه ارتداه على عجل، وبوجه ممتقع، بملامح يمتزج فيها الحزن بالغضب المكتوم والفزع ليعلن، بصوت ممرور: هذه الجريمة ضد الإنسانية جمعاء.

أوباما، صادق فى مشاعره، وهى محترمة بالتأكيد، لكن من حق المصرى، واللبنانى، والليبى، والسورى، والعراقى، أن ينتبه إلى أن الرئيس المكلوم، لم يرمش له جفن، حين انطلقت رصاصات الغدر لتحصد أرواح أهالينا، وتفجر أجسادنا.

الفارق شاسع بين رد فعل رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، أمام ليلة القتل فى باريس، وسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء.. كاميرون، ظهر بوجه متجهم، معبرا عن إصابته بالصدمة، مؤكدا: «سنفعل كل ما فى وسعنا من أجل المساعدة».. هذا، فى الوقت الذى تعامل فيه كاميرون، منذ أسابيع قليلة، مع كارثة الطائرة، باستعلاء غير لائق، معلنا بغرور أن مخابراته العتيدة تملك معلومات، لن يكشف عنها النقاب الآن.

هذا ليس وقت تصفية الحساب، لكن وقت لفت الأنظار إلى وهم الظن أن بلادهم بمأمن عما يحدث فى أوطاننا، ربما لثقتهم المبالغ فيها، بأجهزة أمنهم.. وربما لاعتقادهم أن صنيعتهم، داعش، وأخواتها، لن تنقلب عليهم.

الليلة الليلاء، الدامية، فى باريس، أربكت الجميع فى أوروبا، بدت عصية على الفهم، حتى إن مذيعة قناة «فرانس ٢٤»، الماهرة، المدربة، أصيبت باضطراب، ظهر واضحا فى ارتباك نطقها لعبارات جاءت متقطعة، مرتبكة، شأنها فى هذا شأن قياداتها.

تداعيات ليلة باريس كثيرة، فى العالم وعندنا، من ضمنها إثبات ذلك الضمير الحى، فى قلوب وعقول المصريين، بوقوفهم حدادا، على الضحايا، اللبنانيين، الفلسطينيين، الفرنسيين.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات