رقابة الدولة على النشاط الأهلى.. خط دفاع أول أم أخير؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رقابة الدولة على النشاط الأهلى.. خط دفاع أول أم أخير؟

نشر فى : الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 11:30 م | آخر تحديث : الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 11:30 م

دعتنى أمس الأول الدكتورة/ عبلة عبداللطيف، مديرة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية الذى يرأسه السيد/ عمر مهنا، للمشاركة فى ندوة بشأن التعديل المرتقب لقانون الجمعيات الأهلية فى ضوء إعلان السيد رئيس الجمهورية الشهر الماضى عن ترحيبه بإعادة النظر فيه.
خلال الندوة التى ادارتها الدكتورة عبلة وشارك فيها بالتعقيب الدكتور حسام بدراوى والأستاذ أحمد أبوعلى المحامى، قمت بعرض مشروع قانون بديل لتنظيم النشاط الأهلى كنت كتبته وأرسلته لوزارة التضامن الاجتماعى ولبعض المهتمين بالموضوع، وذلك لاعتقادى أن على المجتمع المدنى استغلال فرصة اعادة النظر فى القانون الحالى والمبادرة بتقديم رؤى بديلة واقتراحات محددة لتعديله بدلا من الاكتفاء بانتظار مشروع القانون الذى تعده الحكومة والتعليق عليه.
وقد أسعدنى على وجه الخصوص أن يكون حاضرا فى الندوة عدد من قيادات وزارة التضامن الاجتماعى على رأسهم السيد/ أيمن عبدالموجود المسئول عن ادارة الجمعيات المركزية والسيدة نيفين عثمان مستشارة وزير التضامن والمستشار القانونى محمد القمارى، لما فى ذلك من بادرة طيبة من جانب الوزارة للانصات ومتابعة ما لدى المجتمع المدنى من أفكار ومقترحات قد يرى بعضها طريقه إلى مشروع القانون الذى تعده الوزارة.
ولكن الاهم من المسودات ومن تعدد الصياغات والعبارات هو أن يسبق مناقشة مواد القانون اتفاق على أن ينطوى التعديل المرتقب على تغيير حقيقى فى نظرة التوجس السائدة منذ عشرات السنين من جانب اجهزة الدولة تجاه النشاط الأهلى، والتى يترتب عليها السعى للسيطرة عليه وتقييده وبالتالى حرمان المجتمع من الاستفادة بامكاناته ومساهمته فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولكى يتحقق هذا التقدم فلابد من اعادة النظر فى الدور الذى تقوم به الدولة فى الرقابة على منظمات المجتمع المدنى. لا خلاف على أن للدولة الحق، بل وعليها واجب، الرقابة على النشاط الأهلى، وهذا وضع طبيعى ومعمول به فى كل بلدان العالم. موطن الخلاف الحقيقى هو ضرورة التفرقة، على نحو ما عبر عنه الدكتور حسام بدراوى فى تعقيبه، بين الرقابة والسيطرة. فالرقابة تعنى متابعة نشاط المنظمات الأهلية بوجه عام للتحقق من أنها لا تخالف القانون ولا يجرى استخدامها أو استغلالها لتحقيق مصالح شخصية أو لتهديد الأمن القومى. أما السيطرة فهى التذرع بتطبيق القانون وحماية الأمن من أجل التحكم فى كل تفاصيل ادارة المنظمات الأهلية وتقييد حريتها وتكبيلها بأعباء واجراءات تصيبها بالشلل على نحو ما جرى فى ظل القانون التعيس الذى أقره البرلمان العام الماضى.
الواقع أن الرقابة اليومية على نشاط المنظمات الأهلية ليس مسئولية الدولة لأنه ليس وظيفتها الطبيعية كما أنه فى جميع الأحوال ليس فى مقدورها القيام به حيال عشرات الآلاف من الجمعيات والمؤسسات المنتشرة فى كل أنحاء البلد، وبالتالى فلا يمكن أن يترتب على محاولة الرقابة الشاملة على كل صغيرة وكبيرة إلا التدخل والعرقلة، أو الانتقائية فى الرقابة، أو الفساد، وكلها نتائج معيبة.
خط الدفاع الاول الذى ينبغى أن تثق فيه الدولة هو المجتمع، واقصد بذلك تحديدا ثلاث فئات: الفئة الاولى هم أعضاء الجمعيات والمؤسسات الحريصون على مصلحة الكيان الذى يمنحونه وقتا وجهدا ويهمهم الا يجلب لهم سوء السمعة، والفئة الثانية هم المتبرعون بمالهم للنشاط الأهلى والذين لديهم القدرة والمصلحة على متابعة اداء المنظمات الأهلية من منطلق حرصهم على حسن استخدام تبرعاتهم، واخيرا وليس آخرا فان الفئة الثالثة هم المستفيدون من خدمات المنظمات الأهلية ونشاطها وبإمكانهم تقييم ادائها اكثر من قدرة أى موظف فى الدولة على المتابعة والتقييم. هذه الفئات الثلاث هى خط الدفاع الاول والاهم ضد انحراف المنظمات الأهلية أو تقاعسها أو استغلالها لأى غرض غير المصرح به. والارتكان على المجتمع وعلى المستفيدين الحقيقيين من اجل تحقيق رقابة وحوكمة أفضل ليس مقصورا على النشاط الأهلى، بل هو المنطق السائد فى الشركات التجارية مثلا حيث تكون الرقابة الحقيقية والمتابعة والمحاسبة من جانب مالكى الشركة والمساهمين فيها.
أما دور الدولة، فى المنظمات الأهلية كما فى النشاط التجارى كما فى غير ذلك من المجالات، فهو الرقابة اللاحقة والتحقق من عدم مخالفة القانون ومتابعة الشكاوى التى ترد اليها من اصحاب الشأن، ولكن دون أن تكون حارسا ورقيبا ومالكا ومديرا ومسئولا كما لو كانت هذه المنظمات تعمل فى فراغ وليس وراءها من يهتمون بسمعتها وشئونها وبحسن ادارتها من الأعضاء والممولين والمستفيدين.
ولكن لكى تتحقق هذه الرقابة الفعالة من المجتمع بفئاته الثلاث فلابد أن تتاح لهم المعلومات والبيانات الكافية بشكل واضح وفِى التوقيت السليم. ولهذا يلزم أن ينص القانون على ضوابط مالية ومحاسبية سليمة، ومعايير ملزمة للإفصاح عن مصادر التمويل ومجالات الانفاق والنتائج التى يتم تحقيقها، وهذا كفيل بتحقيق رقابة تلقائية فيما لا تملك الدولة أو ينبغى لها ان تراقبه.
منطق الرقابة على المجتمع المدنى هو الذى يحتاج تطويرا وتحديثا وليس فقط النصوص المنظمة له، والامل معقود على الحوار الذى ستجريه وزارة التضامن لكى يمكن الخروج من الحالة الراهنة من انعدام الثقة بين كل الأطراف وإطلاق طاقات المجتمع المدنى المعطلة.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.