بعيدًا عن عنتريات الرفض وعن دفن الرأس فى الرمال! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعيدًا عن عنتريات الرفض وعن دفن الرأس فى الرمال!

نشر فى : الأربعاء 18 فبراير 2015 - 11:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 فبراير 2015 - 11:30 ص

هل كانت لمصر رفاهية اللافعل بعد أن أعدمت عصابات الإرهاب فى ليبيا مواطنينا المختطفين فى قتل وحشى على الهوية الدينية وجريمة بشعة ضد الإنسانية؟ بالقطع لا.

فالتورط فى اللافعل والاكتفاء بالإدانة اللفظية وببيانات التضامن الإقليمى والدولى لم يكن لهما إلا أن 1) يؤثرا بالسلب على معنويات المصريات والمصريين بشأن قدرة مؤسسات وأجهزة الدولة على حماية الأمن القومى والمصالح الوطنية وممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس. 2) وأن يخلقا لدى عصابات الإرهاب فى جوارنا المباشر انطباعا كارثيا بعجز مصر عن تعقبهم ومعاقبتهم على الرغم من إجرامهم وأعمالهم العدائية ضدها ويزين لهم من ثم المزيد من التجرؤ على مصر والمزيد من الجرائم ضد العدد الكبير من مواطنينا المتواجدين فى الأراضى الليبية وسط دوائر العنف والجنون طلبا للرزق. 3) وأن يدفعا الدولة المصرية، فى لحظة انهيار الدولة الوطنية فى ليبيا وحروب الكل ضد الكل والصراعات المسلحة وتوطن عصابات الإرهاب فى مناطق وأقاليم ليبية متعددة وبالرغم من التهديدات المتصاعدة التى يمثلها كل ذلك على الأمن القومى المصرى، بعيدا عن منظومة متنوعة ومتناقضة المصالح والأهداف من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة فى المشهد الليبى.

هل كانت لمصر، وهى تمارس حق الدفاع المشروع عن النفس بعد القتل الوحشى لمواطنينا الشهداء، رفاهية الامتناع عن توظيف الأدوات العسكرية ضد عصابات الإرهاب؟ بالقطع لا.

فالحد من الإمكانيات البشرية والتسليحية والمالية المتطورة باطراد لإرهابيى تنظيم داعش ولمجموعات العنف المحلية فى ليبيا التى انضوت تحت لواء وحشيته ودمويته يستدعى توظيف الأدوات العسكرية على النحو الذى يقوم به الجيش المصرى بتوجيه ضربات جوية مكثفة لنقاط ارتكاز التنظيم ومخازن السلاح – وهو نفس الأسلوب العسكرى المتبع ضد داعش فى العراق وسوريا، وذات ما يقوم به الأردن بعد القتل الوحشى للشهيد الطيار معاذ الكساسبة. غير أن لتوظيف الأدوات العسكرية محددات جوهرية يتعين الالتزام بها لكى لا يستدرج الجيش المصرى إلى حرب مفتوحة أو مواجهة واسعة النطاق مع عصابات الإرهاب تستنزف قدراته وطاقاته المستنفرة بالفعل فى سيناء، أبرزها حتمية التوظيف «المحدود» والمحسوب بدقة للأدوات العسكرية والمزج بينها وبين البحث عن مواطئ قدم مجتمعية وسياسية حقيقية فى الداخل الليبى وتوظيف أدوات الدبلوماسية الإقليمية والدولية. وقناعتى هى أن شروط توظيف الأدوات العسكرية هذه حاضرة بوضوح فى أذهان صناع القرار فى مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية، وإلا ما كنا لنتابع التحرك الدبلوماسى السريع والمنظم لوزارة الخارجية باتجاه جامعة الدول العربية وباتجاه مجلس الأمن الأممى وما كنا لنستمع للتصريحات الرسمية المتتالية المشددة على ضرورة التحرك الجماعى لاستعادة الأمن والسلم الأهلى فى ليبيا وعلى عزم مصر الابتعاد عن التورط فى حرب مفتوحة مع عصابات الإرهاب. وبقى أن يعيد صناع القرار النظر فى مدى جدية وفاعلية مواطئ القدم المجتمعية والسياسية المتاحة لمصر اليوم فى ليبيا (حلفاء مصر بين القوى الليبية المتصارعة)، وأن تستقر مؤسسات وأجهزة الدولة على تصور يدمج بين العسكرى ــ الأمنى وبين المجتمعى ــ السياسى بناء توافقات وطنية فى ليبيا تحتوى حروب الكل ضد الكل وتواجه عصابات الإرهاب وحشد الدعم الإقليمى والدولى الممكنين له.

هل يضع توظيف الأدوات العسكرية مواطنينا المتواجدين فى الأراضى الليبية فى معية المزيد من الأخطار على حياتهم وأمنهم؟ هل كان يتعين على مؤسسات وأجهزة الدولة أن تجلى المصريات والمصريين من ليبيا قبل أن ترد عسكريا على إرهاب داعش؟ هل كان ينبغى عليها القيام بعملية عسكرية محدودة لتحرير المختطفين قبل أن يقتلوا بوحشية؟

لى هنا وبترتيب طرح الأسئلة ثلاث إجابات، لا أتمنى ولا أظن ولم يكن ممكنا. لا أتمنى أن ترتب الضربات الجوية ارتكاب داعش والعصابات الأخرى أعمالا انتقامية ضد مواطنينا فى ليبيا، ويستحيل علىّ مع بالغ الأسف أن أستبعد تماما احتمالية وقوعها، فقط أشير إلى أن امتناع مصر عن الرد العسكرى ربما كان سينتج المزيد من تجرؤ ووحشية الإرهاب ضد مواطنينا انطلاقا من انطباع كارثى مؤداه ليس لهؤلاء من يبكى عليهم أو يحميهم. لا أظن أن إجلاء مواطنينا عن ليبيا ولاعتبارات كثيرة كان قابلا للتنفيذ بعد تكرر جرائم الخطف فى ليبيا أو قبل توجيه الضربات الجوية لداعش، والقرار الرسمى بمنع السفر إلى هناك وبتسهيل مغادرة الراغبين فى العودة إلى مصر يذهب فى الاتجاه المطلوب. كذلك ولاعتبارات كثيرة أهمها خطورة عصابات الإرهاب لم يكن ممكنا القيام بعملية عسكرية محدودة لتحرير المختطفين قبل قتلهم، ولو كان الأمر سهلا لجربته دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا لتحرير رهائنهما الذين تواصل داعش قتلهم الوحشى.

أسجل هذه النقاط سعيا لمسئولية وموضوعية تغلبان فى فعل الحركة الديمقراطية المصرية صالح الوطن والقراءة الواقعية للتهديدات المحيطة بمصر وأمنها القومى على عنتريات الرفض ودفن الرءوس فى الرمال، ودون التخلى عن مواصلة المطالبة بعودة مصر إلى مسار تحول ديمقراطى وبإيقاف لانتهاكات الحقوق والحريات وبمحاسبة المتورطين فيها.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات