عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التى يحتاجها العالم - طلال سلمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التى يحتاجها العالم

نشر فى : الأربعاء 18 مارس 2015 - 10:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 مارس 2015 - 10:40 ص

ليست شرم الشيخ قاهرة المعز، وليست مصر ـ شرم الشيخ هى «مصر التى فى خاطرى».. وليس كل أولئك الذين احتشدوا فى المؤتمر الدولى حول «مصر المستقبل» فى ذلك المنتجع السياحى عند مدخل خليج العقبة على البحر الأحمر، من المتطلعين إلى استعادة مصر دورها القيادى فى أمتها العربية، وفى محيطها الأفريقى لتستعيد موقعها المؤثر على المستوى الدولى، ولكنها الحاجة إليها جاءت بهم إليها.

ومؤكد أن كثيرا ممن جاءوا إلى شرم الشيخ يريدونها ـ فى السياسة ـ بديلا من القاهرة... بل لعل بعضهم يريدونها كما أرادها الرئيس الراحل، اغتيالا، أنور السادات، ثم خلفه الرئيس المخلوع ـ قيد المحاكمة حسنى مبارك: شرفة لـ«مشروع السلام» بشروط إسرائيل.. بعيدا عن ازدحام القاهرة بالمغضبين والرافضين والمخذولين بسياسة التنازلات التى قزمت مصر دوليا، وهمشت دورها القيادى عربيا، بوهم تدفق مليارات الدولارات كهبات ومنح وإعانات ومساعدات للدولة العريقة التى أفقرها الفساد وضيعت مكانتها معاهدات السلام بعد حروب كان يمكن أن تنتهى بانتصار تاريخى لو أنها استكملت بزخم الانطلاقة التاريخية ذاته.. ومن حق مصر أن يعوضها «السلام المفروض» مع العدو الذى استنبت وتمت رعايته عند بابها الخلفى، إسرائيل، بعض ما خسرته مما كان حقا لها فى عهد الأحلام الثورية والجدارة بالدور القيادى عربيا، والمكانة الدولية المميزة.
مؤكد أيضا أن الخوف الدولى على مصر، ثم من مصر، إذا ما أكملت التنظيمات الأصولية الإسلامية اجتياحاتها، كان بين مبررات «الحشد» غير المسبوق فى شرم الشيخ... فإذا كانت البداية مع جماعة الإخوان المسلمين الذين تسللوا فى غفلة من شعب «المحروسة» إلى قمة السلطة، فمن الضرورى التحسب لاحتمال أن يجتاح مصر عتاة السلفيين من الإسلاميين متحجرى العقل والعقيدة ممن يقدم تنظيم «داعش» صورة بألوان دموية لحكمهم.

•••

إن «الدواعش» قد ظهروا فى ليبيا، وكان وجودهم فى تلك البلاد التى لم تكن فى أى يوم دولة، إنذارا بخطر داهم يهدد باجتياحهم شمال أفريقيا وبعض قلبها (نيجيريا) فضلا عن بعض أطرافها (مالى وجهات أخرى)...

ولعل «الدواعش» قد تقصدوا إنذار مصر «بأنهم قادرون» عبر إقدامهم بالبث الحى لعملية إعدامهم واحدا وعشرين عاملا اختاروهم من أقباط مصر الذين يبيعون عرق جباههم من أجل الرغيف، على الشاطئ الأفريقى للبحر الأبيض المتوسط ليمكن إطلاق الإنذار منه فى اتجاه روما على الضفة الغربية منه.

ثم إن الإخوان المسلمين الذين أتاحت لهم ظروف من خارج السياق الطبيعى لحركة الأحداث ملكا فى مصر التى غفل عنها حراسها، قد قصروا فى حماية ذلك الملك فخلعهم... ولأنهم عجزوا عن تحمل الصدمة وعن النظر فى أسباب قصورهم، فإنهم يريدون الانتقام والعودة إلى سدة السلطة ولو بتدمير مصر جميعا... وهم لم يتوقفوا أمام حقيقة أن إسرائيل عند الباب، وأن إضعاف مصر، بل وإنهاكها حتى السقوط، يشكل أعظم أمانى هذا العدو الذى كان عدوا ويبقى عدوا بالقصد وبالتخطيط لكى يحكم المنطقة جميعا. ولعل الرعاية الإسرائيلية للتنظيمات الإرهابية فى سيناء التى تشاغل الجيش المصرى يوميا وتقتل من استطاعت الوصول إليه من جنوده وضباطه تكشف جانبا من جوانب التواطؤ بين هذين العدوين.

•••

فى هذا المناخ الكيدى تقصر المسافة بين«الإخوان» وبين«داعش».. فهؤلاء وأولئك يريدون الدولة الإسلامية بحكم الشريعة، بخلافة وخليفة، ولا يهم أن يسمى «الخليفة» رئيس الجمهورية من باب التقية، فالأساس تطبيق الشريعة.

ولعل تطبيقات الشريعة كما قدمها «داعش» للعالم، فى العراق أساسا ثم فى سوريا، وأوضحها «إقامة الحد على الكفار» عبر إعدامه من حاكمهم وهم راكعون والسكاكين بل السيوف فوق رقابهم قد أفزعت دول الأرض جميعا، على اختلاف أنظمتها.. خصوصا وقد تبين، بالدليل الحسى، أن كثيرا من «مجاهدى داعش» هم ـ بالتأسيس أو بالتجنيس ـ من رعايا دول أوروبية، وبعضهم أمريكيون، ومنهم أستراليون، ولكنهم جميعا من الذباحين، ولا يهمهم أن يكون المحكوم بالإعدام ذبحا أردنيا مسلما (كما الطيار الحربى معاذ الكساسبة) أو «كافرا» أمريكيا أو بريطانيا أو من أية جنسية أخرى.

•••

إن «داعش» فى كل مكان الآن... وهو يكاد يكون أقوى تنظيم فى قارة أفريقيا جميعا، وله خلايا نائمة فى العديد من دول أوروبا، وله «فصائل» تنتظر الأمر بالتحرك فى بعض نواحى آسيا، لا سيما فى تلك الجمهوريات الإسلامية التى كانت بعضا من دويلات الاتحاد السوفييتى قبل انهياره وتفكك مكوناته الإمبراطورية.

وإذا كانت الحرب المتأخرة على «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» قد حققت بعض التقدم فإن حديث كبار المسئولين الأمريكيين عن انها قد تستغرق سنوات لا يطمئن الأنظمة العربية سواء فى المشرق أم فى المغرب.

وحدها إسرائيل تبدو غير معنية، بل ان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو يستخدم ورقة «داعش» لجر الإسرائيليين خلفه إلى مزيد من التطرف العنصرى والاستعجال فى تنفيذ مشروعه: «إسرائيل دولة يهود العالم»، على أرض فلسطين العربية وعلى حساب شعبها المنقسمة قياداته على ذاتها بما يهدد بانفصال غزة (المفلسة والمحاصرة) عن السلطة (المفلسة) فى الضفة الغربية، بما يقضى على مشروع «الدولة» التى تصعب قسمتها «دولتين»!

•••

أما وقد اختتم مؤتمر «مصر ـ المستقبل» الذى انعقد فى شرم الشيخ بالإعلان عن مجموعة من المشاريع العملاقة التى من شأن تنفيذها، فى المواعيد المقررة، ان تستولد «مصر جديدة» تماما، فمن الضرورى التوقف أمام بعض الإشارات التى وردت ـ صراحة أو ضمنا ـ فى الكلمة الختامية التى ألقاها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ظهر الأحد الماضى:

أولا ـ نوه الرئيس المصرى بدور الملك السعودى الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، فى إطلاق فكرة المؤتمر ورعايته، ناسبا إليه بعض الفضل فى نجاح هذا المشروع.

ثانيا ـ أشار الرئيس السيسى إلى دور مميز لألمانيا التى قدمت مشاريع بقيمة ستة مليارات دولار... ولعل هذا الدور يعكس المخاوف الأوروبية عموما التى أثارها تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» عبر «غزواته» التى تتخوف بعض دول أوروبا من ان تطالها نيرانه.

ثالثا ـ لوحظ غياب تام لقطر عن المؤتمر، وبالتالى عن المساهمة فى التمويل، خلافا للدول الأساسية فى الجزيرة والخليج العربى: السعودية والإمارات والكويت... مع تميز للإمارات، وبالذات دبى، فى أن بعض شركاتها ستتولى تنفيذ بعض أضخم المشروعات العتيدة، وفى الطليعة منها عاصمة مصر الجديدة.

رابعا ـ هل يمكن اعتبار المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ جهدا عربيا ودوليا استثنائيا لاستنقاذ مصر، كمدخل لإطلاق مناخ جديد فى المنطقة العربية، تحل فيه العودة إلى العصر بعد مرحلة الاغتراب التى بلغت ـ فى حالات معينة ـ حد الانتحار الجماعى، ورفرفت حينها الأعلام المبشرة بالعودة إلى ماض متوهم، لم يكن قائما فى أى يوم ولا هو يستطيع الصمود فى وجه التغيرات التى يشهدها عالمنا فتبدل فيه بسرعة مذهلة.

•••

لقد غادر العرب، عموما، ومنذ زمن بعيد، لغة الأرقام بدلالاتها القاطعة التى تحدد موقع كل دولة على سلم التقدم الاجتماعى، بينما غادرتهم من قبل، لغة الشعر وحلت محل الأحلام لغة الدم، قاتلة الحاضر والمستقبل.

وبالتأكيد فإن مصر العائدة الآن من قلب الوعد بالاستثمار المفتوح لن تكون على صورة «مصر القائدة والرائدة وحادية مسيرة الثورة العربية».
وما يهم العرب أن تبنى مصر دولتها الجديدة واثقين من انها ستكون «دولتهم ـ الأم»، وسيفرض عليها موقعها الدور والمهمة، ولن تستطيع ان ترفضهما... فهم بحاجة إليها بقدر ما هى بحاجة إلى أسباب التقدم.

اقتباس

الخوف الدولى على مصر، ثم من مصر، إذا ما أكملت التنظيمات الأصولية الإسلامية اجتياحاتها، كان بين مبررات «الحشد» غير المسبوق فى شرم الشيخ...

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات