الوقـوع بيـن المـرِّ والأمـرِّ منه - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوقـوع بيـن المـرِّ والأمـرِّ منه

نشر فى : الخميس 19 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 19 أبريل 2012 - 9:06 ص

مثل شعبى يضرب فى الصميم ولا يخرج إلا من حكمة المصريين يقول «إيه اللى رماك على المر؟!» وتأتى «الإجابة الأمر منه» وهو مثل ينطبق على حال من تسأله عصابة أرادت أن تنتقم منه لأنه كان عضوا بها وقام بخيانتهم «هل تحب أن تموت شنقا أم غرقا؟» أو فتاة قبل زواجها يسألونها هل تقبلين عريسا غنيا لكنه جاهل عجوز، أو شابا فقيرا لا يملك قوت يومه ولا تملكين رفضا او المتهم فى قضية ما يسأله قاض «هل تفضل الغرامة أم الحبس؟».. وهو نفس حال الشعب المصرى وهو يتطلع إلى قائمة المرشحين للرئاسة محاولا المفاضلة بينهم ليختار الأجدر فإذا به يفاجأ بأن عليه ليس أن يختار بين الحسن والأحسن لكن بين السيئ والأسوأ، وعندما يسأله آخر لماذا يختار السيئ يردد قائلا: «إيه اللى رماك على المر؟!». وبنظرة عامة على المرشحين نجد أنه لا يوجد منهم من تستطيع أن تشير إليه بإصبعك قائلا: هذا هو الرجل الذى يستطيع أن يقود مصر فى هذه المرحلة، والسؤال هو لماذا يحدث هذا رغم أن مصر بها 85 مليون نسمة، ولا شك أن بها كفاءات قادرة على قيادة مصر والإجابة ــ فى رأيى ــ تعود إلى عدة أسباب منها:

 

 

أولا: نظام يوليو وأسلوب اختيار الحاكم

 

لقد قامت ثورة يوليو كانقلاب عسكرى، ثم حدث صراع بين القادة حتى تسلم القيادة جمال عبدالناصر وأمسك بكل الخيوط بين يديه، ورغم أن ناصر كان صاحب مشروع قومى تجمّع حوله الشعب كما لم يجتمع من قبل أو بعد منذ تأسيس مصر الحديثة، إلا أن أسلوب اختياره للقيادات المحيطة به والصراعات الحادة بينهم أدى إلى فشل المشروع القومى بامتياز، فلقد كان اختياره لعبدالحكيم عامر كرئيس للقوات المسلحة رغم ضعف خبرته فى هذا المجال ثم إطلاق الحبل له على الغارب هو السبب الرئيسى فى نكسة 1967 والتى هدمت المشروع من أساسه، وكان اختياره لأنور السادات كآخر نائب له، وكان واضحا أنه لم يكن مقتنعا به لأسباب كثيرة الا أنه بقى مخلصا لناصر أو بجواره حتى النهاية وقد عينه لفترة مؤقتة، وكان ينوى تغييره فى أسرع وقت ــ كما قرأنا وسمعنا ــ لكن وافته المنية، وجاء السادات كرئيس لمصر ليهدم ما تبقى من مشروع ناصر حيث ألقى بنفسه فى أحضان الغرب وتحول من الاشتراكيه والعدالة الاجتماعية التى حاول ناصر تطبيقها إلى الرأسمالية المتوحشة والانفتاح السداح مداح وإن كان السادات لم يكن لديه مشروعا كناصر إلا أنه كان يملك حلما بأن يكون داعيه للسلام مثله مثل غاندى ومارتن لوثر كينج والسيد المسيح، فأخذ خطوة لا يأخذها سوى الحالمين وقام بزيارة عدوه اللدود إسرائيل، ولم يكن يعلم أن غاندى ومارتن لوثر كينج لو حاولا محاولته هذه مع إسرائيل لفشلا وهو ما فشل فيه المسيح معهم ولأن السادات أيضا أراد أن يفرض السلام بالعنف داخليا وخارجيا وهو ما لا يفعله دعاة السلام إطلاقا، بل إن جميعهم يتعرضون للاغتيال دون أن يستخدموا العنف ضد من يرفض سلامهم وفى اختياره للنائب اختار موظفا غير حالم ولا صاحب مشروع، ينفذ أوامر رؤسائه بل يزايد على طلباتهم لإرضائهم على حد قول محمد حسنين هيكل، بل وكان له يد فى بعض العمليات القذرة بالإضافة إلى أنه غير متسع الإطلاع، ولا يطيق قائدا متميزا بجواره، وهكذا لم يختر مبارك نائبا له لأنه حسب النكتة المصرية لم يجد أقل منه خبرة فى هذا الشأن ليعينه، ثم بدأ عملية التوريث بعد أن سمح بسياسة التوريث فى كل المجالات سواء فى القضاء أو أساتذة الجامعة أو رؤساء الشركات والمؤسسات أوالفنانين...إلخ، لكن الشعب المصرى رفض التوريث وقامت ثورة 25 يناير ضد مجموع سياسات مبارك والتوريث ضمنها إلا أن القوات المسلحة انضمت للثورة فى مسألة التوريث فقط لا غير ورفضت باقى متطلبات الثورة، مما أدى إلى الموقف الذى نعيشه اليوم، وهكذا فوجئ الشعب المصرى وهو يستعرض أسماء المرشحين بأنهم ينقسمون إلى المر والأمر، ولا يوجد مرشح قادر على قيادة البلد بنزاهة وكفاءة وذلك بسبب التجريف المستمرعلى مدى ثلاثين عاما للقيادات التى يمكن أن تصلح لقيادة مصر، فالذى يمتلك المال ليس نزيها والذى يمتلك السلطه غير مؤتمن والذى يلوح بالدين انتهازى، أما الشرفاء النزهاء من المرشحين فلا خبرة حقيقيه لديهم لإدارة بلد كمصر.

 

 

ثانيا: هزال مؤسسات ما بعد الثورة أدى إلى هزال إفرازاتها

 

فالمؤسسات التى أتت بعد الثورة سواء بالتعيين أوالانتخاب مؤسسات ضعيفة وهزيلة، وأبرز هذه المؤسسات هى المؤسسات التشريعية والحكومة والمؤسسة العسكرية، ولقد قدمت المؤسسة التشريعية مرشحين ويحسب عليها باقى المرشحين الإسلاميين. هذه المؤسسة التى أتت بالانتخاب كان يجب أن تكون أقوى من المؤسسات التى تأتى بالتعيين لكن جاءت ممارساتها تدل على التخبط وعدم الخبرة، بل وعدم القدرة على ترتيب الأولويات، فهى لم تتخذ قرارا له قيمة حقيقية فى إصلاح الحال أو فى تعويض الشهداء وكل لجان تقصى الحقائق التى خرجت منها لم تصل إلى شىء، ومن الواضح أن معظم الأعضاء لا صلة لهم بالسياسة أو الثقافة السياسية وقد وضح ذلك سواء فى أداء القسم أو فى ضبط الحوار أو آدابه.. إلخ، وهكذا جاءت القيادات التى أفرزتها هذه المؤسسة هزيلة جدا والدليل رؤساء ووكلاء لجانها وكذلك مرشحو الرئاسة الذين ينتمون إليها، أما مؤسسة الحكومة فحدث ولا حرج من أحمد شفيق إلى عصام شرف إلى الجنزورى يا قلبى لا تحزن أداء هزيل، وانظر إلى الوزراء الذين اختيروا فى معظم المجالات، وحاول أن ترصد الإنجازات، أما المؤسسة العسكرية فوضح من أدائها أنها لم تمارس السياسة منذ زمان لذلك تخبطت فى البدايات لكن من الواضح أن هناك تنسيقا بينها وبين الإخوان يزعم البعض أنه إنهار والبعض الآخر مصمم على انه لم ينهار بعد، وبالنظر إلى مرشحى المؤسسات الثلاث تكتشف مدى الهزال البادى عليهم نتيجة هزال المؤسسات التى أضعفت على مدى ثلاثين عاما وربما أكثر.

 

 

ثالثا: ضعف الوعى الشعبى يسقطه بين المر والأمر منه

 

كما نظر فلاسفة الثورة الفرنسية بأن ديمقراطية دون وعى شعبى تؤدى إلى فوضى أو ارتداد للديكتاتورية ولقد وضح ضعف الوعى الشعبى فى انتخابات مجلس الشعب، حيث قام الشعب باختيار اتجاه وليس برامج، لقد اختار الشعب الذى يفهم التدين خطأ كما تعلم من قياداته على أنه ممارسات فرائض وصلوات فى مواقيتها، فى الوقت الذى لا تدل سلوكياته على تدينه بأى شكل من الأشكال بداية من كسر إشارة المرور إلى الرشوة على كل المستويات، فضلا عن الألفاظ البذيئة فى كل معركة فى الشارع وإبرام الصفقات المريبة.. إلخ، وبالطبع هذه النوعية غير قادرة على التمييز بين أشخاص المرشحين فهم يتلقون الإرشاد من القادة المحليين فى الجوامع والكنائس، مما ينتج كتلا تصويتية نحو أشخاص بعينهم دون أن تدرك هذه الكتل شيئا عن من الذى قاموا، وهؤلاء يعتبرون نصف الشعب المصرى القادر على الانتخاب أما النصف الآخر فهو الذى سيتحكم فيه الهاجس الأمنى وهم الذين يعملون بالسياحة أو الاستيراد والتصدير أو الذين يملكون ثروات أو مستثمرين أو الأقليات الدينية والمذهبية أوالعرقية، وكل هؤلاء سيكون تصورهم أن الحكم العسكرى سوف يحقق لهم الأمن، وهكذا تجد ــ عزيزى القارئ ــ فى كل ما عرضته ان دوافع المنتخبين لا علاقة لها بالوعى الديمقراطى، ولا علاقة لها بالبرامج السياسية للمرشحين فهى لا تهتم بذلك ثم إن معظمهم لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون المصطلحات السياسية، مثل العلمانية والليبرالية والقومية ومنظمات حقوق الإنسان والموازنة والاحتياطى الاستراتيجى والنقدى.. إلخ. هذا الضعف فى الوعى هو الذى يسقطهم بين المر والأمر منه وهم لا يدركون أن هناك قاعدة قانونية تقول إن القانون لا يحمى المغفلين، فالذى يسمح للآخر بأن يضحك أو ينصب عليه ويقنعه أن يضع يده فى جيبه ويعطيه راضيا كل أمواله، لن يعيد له القانون شيئا لأن الجريمة وقعت برضاه بل كان سعيدا يظن أنه قد حقق صفقة العمر وهو ما حدث مع شركات توظيف الأموال.

 

 

رابعا: ترفُّع القيادات القادرة على الحكم بسبب مرارة الواقع

 

بسبب ما أنتجته سياسات الدوله لسنين عديدة من تجريف للقيادات وأسلوب فاشل فى اختيار الحكام وهزال مؤسسات ما بعد الثورة وضعف الوعى الشعبى رفضت القيادات المؤهلة للحكم والقادرة عليه أن تنزل إلى حلبة السباق وذلك لأنهم يعلمون أن المعركة لم ولن تكون شريفة فيخسرون معركتهم وذواتهم ولذلك امتنع البرادعى، واعتذر منصور حسن بعد أن أعلن ترشحه ومنع محمد أبوالغار وأحمد زويل وغيرهما بسبب شرط الجنسية للوالدين أو الزوجة، وهكذا لم يبق للشعب إلا أن يختار بين المر والأمرِّ منه.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات