الإنسان ذلك المعلوم 14- «إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحا فَمُلَاقِيه»جمال قطب(1) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 14- «إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحا فَمُلَاقِيه»جمال قطب(1)

نشر فى : الجمعة 18 أبريل 2014 - 7:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 أبريل 2014 - 7:46 ص

أيها الإنسان العاقل..أراك يزداد يقينك أنك ستلقى ربك وجها لوجه، شئت ذلك أم أبيت. فكل الأحوال من حولك تؤكد لك قرب لقائك بربك، فأنت تحس أن الأيام تزيدك ضعفا واستسلاما، بل إنك حينما تشيـِّع ميتا تعلم أنه قد ذهب إلى نهاية رحلته، وأنه قد أصبح وأمسى بين يدى ربه، وتلك صفحات سجل أعمالك تعرض عليك مباشرة سجلا مسجلا بالصوت والصورة كما فعلت فى حياتك ((.. وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابا يَلْقَاهُ مَنْشُورا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا)).. هكذا فأنت مفارق لمن حولك، تارك مالك، تدير وجهك لكل أعمالك. هاجرا الدنيا وما فيها من زحام وضوضاء، ذاهب إلى حفرة لا تزيد عن حجمك كثيرا تفترش التراب وتلتحف به، لا شيعة ولا أتباع، ولا زوجة ولا أبناء، لا شفقة أم ولا دفاع أب.

((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )).

هكذا أنت وربك الذى خلقك وصورك... وأعطاك ورزقك وبعث الأنبياء لأجلك، ها أنت وجها لوجه وسجلات أعمالك شاهدة عليك فجوارحك تنطق شاهدة عليك ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))....وتكاد أنت أن تنهار وينخلع قلبك من شهادتها عليك فتتعجب أنت وتسأل ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)).

(2)

« كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ » أى تبذل جهدا اختياريا أو إجباريا فى الوصول إلى لقاء ربك

نعم هكذا ينتهى العمر، ويحل الأجل، ويتوقف العمل ويبدأ الحساب، فهل أنت فى شك أنك ستموت كما مات من قبلك ؟ وما دمت ستموت حتما فماذا تنتظر بعد الموت لا تتناسى ولا تتغافل.. فأنت تعرف الحقيقة. هل كلفت أحدا بعمل ولم تحاسبه فى نهاية عمله؟ وإذا فكر الشخص المكلف فى الهروب من محاسبتك فهل تقبل أنت ؟! هل تقر أحدا على الفرار من المسئولية أو التنصل منها ؟ والحساب والمساءلة حقيقة منطقية فلماذا تحاسب من معك وتتناسى أن الله سيحاسبك؟!

(3)

« كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ» أنت ترى بعينك طاعة السماء والأرض لله، وترى انضباطهما فى إنجاز ماكلفهما ربهما دون خطأ أو تراخ. فالسماء مرفوعة والنجوم تزينها ليلا، والشمس تضئ النهار وتبعث الدفء، أما الأرض فها هى تحملك وتحمل متاعك. وهى تحملك حيا على ظهرها، وتحملك ميتا تسكن جوفها...

هكذا طاعة معروفة وانضباط بلا خلل ووفاء بما تعهدتا به لله يوم خلقهما.. حينما خاطبهما ((فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )).

فهل ترضى لنفسك ؟!

وأن تكون الأرض نافعة للناس صالحة لهم وأنت حاشى لله، عالة على الأرض لا تطعم نفسك ولا تنفع غيرك ؟!

(4)

« فَمُلَاقِيهِ» نعم ستلقاه وجها لوجه، وسوف يلقاك ربك بما أنت تستأهله من تقدير جزاء «كدك وكدحك» طوال حياتك، وأنت أيها الانسان بين تقديرين لا ثالث لهما فإما أن تكون قد أحسنت اختيار طريقك، وتمسكت بما أنزله الله إليك من هدى... وهناك يكون تقديرك لطيفا ومرورك من الحساب سريعا ويسيرا، ((مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورا))، أما الصنف الثانى فهم أولئك الذين تغافلوا عن مسئولياتهم، وأهملوا دورهم وأداروا ظهورهم للهدى والوحى الإلهى... فجزاؤهم.((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا (11) وَيَصْلَى سَعِيرا)) حقا فلا مجيب لدعائه واستغاثته وحسابه عسير شديد هذا هو العدل.

فأنا وأنت سواء كل منا ذاهب بقدمه ــ طال العمر أم قصر ــ للقاء الله، فهيا نتخذ الطريق المستقيم، ونسعى ونكدح فيما ينفع ولا يضر، فما أحوج الجميع إلى نهاية مريحة وجزاء لطيف.

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات