الحياة على حافة الهاوية! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحياة على حافة الهاوية!

نشر فى : السبت 18 أبريل 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : السبت 18 أبريل 2015 - 8:50 ص
  • فإلى هذا صارت أحوالنا فى مصر.

إجرام إرهابى يستبيح الدماء ويمارس التخريب وينشر خرائط الألم والحزن والخوف فى ربوع البلاد ــ خلال الأيام القليلة الأخيرة فقط فى العريش وكفر الشيخ والقاهرة والشيخ زويد، إجرام إرهابى يسقط ضحاياه بوحشية ودون تمييز من بين صفوف القوات المسلحة والشرطة والمدنيين ويترك لنا إزاء قوائم أسماء الشهداء والمصابين ودموع أسرهم المكلومة كلمات وعبارات للنعى وللتضامن باتت اعتياديتها تضيف على الألم آلاما.

مظالم متراكمة وانتهاكات للحقوق وللحريات توقع ضحاياها فى أوساط مجتمعية متنوعة، وتورط مؤسسات وأجهزة الدولة المنوط بها إقرار العدل وإنفاذ القانون وحماية الناس فى مغبة ارتكابها على نحو يهدد المتبقى من ثقة عامة فى المؤسسات والأجهزة هذه، وتترك الكثير من الجروح الغائرة فى النفوس والضمائر غير المرشحة للاندمال سريعا، وتواجه الباحثين عن وطن عادل بصدمات متتالية يصنعها القمع وتصنعها العقوبات السالبة للحرية وتصنعها القوائم الطويلة للشباب وللطلاب وللمعارضين القابعين خلف الأسوار وتصنعها الأنباء المتواترة عن ملاحقة بعض من نشدوا العدل وأرادوا التقدم للبلاد ولم يتورطوا أبدا فى تجاوز التزام القانون والعمل السلمى ونبذ العنف وإدانة جميع ممارساته ــ المستشار الجليل زكريا عبدالعزيز نموذجا.

***

مجال عام يمتهن العقل والمعرفة والعلم ويغيب الحقائق والمعلومات، ويمنح مساحاته المكانية والزمنية لدعاة للرأى الواحد وللرواية الواحدة غير قادرين لا على صياغة دفوع رشيدة ولا على الاشتباك الهادئ مع أصحاب الآراء الأخرى والروايات الأخرى ولا على الامتناع عن الإنتاج الدائم للضجيج والصخب الضار، ويترك المواطن فريسة لهستيريا الصوت المرتفع ويعصف بسلامته النفسية والذهنية الضرورية لمواصلة الحياة وللإسهام الفعال فى تجاوز أزمات المجتمع والدولة وفى التعاطى المسئول مع خرائط الدماء والألم والحزن والمظالم المتراكمة ويقدم نضجه الإنسانى من ثم قربانا إما على مذابح إجرام ووحشية عصابات الإرهاب وممارسى العنف والانتقام من الناس والمجتمع أو على مذابح من لا يعرفون من ألوان الدنيا سوى الأبيض والأسود ــ وهما فى ثنائيتهما يلغيان العقل والحقيقة ــ أو على مذابح من يرون فى الأخلاق والجمال والإبداع والفن ترفا لا تحتمله مواجهة الإرهاب والعنف وفى الإنصات إلى الآخر جريمة لا يمحوها إلا العقاب الجماعى وفى ظواهر مرضية كتصفية الحسابات والانتقام وفولكلور التشفى رياضة يومية.

سياسة أميتت وتعطلت محاولات إحيائها، سياسة غابت أدواتها وتركت لنا أدوات عسكرية وأمنية لمواجهة الإرهاب والعنف لا ينفى لزومها الاحتياج أيضا إلى أدوات قانونية وتنموية ومجتمعية لتخليص المواطن والمجتمع والدولة الوطنية من هذين الشرين ليس إلا للسياسة كنشاط سلمى وحر وتعددى أن تأتى بها، سياسة كان يمكن لنقاشاتها الجادة إن حضرت أن تدفعنا إلى البحث العقلانى فى تفاصيل المزج بين العسكرى والأمنى وبين القانونى والتنموى والمجتمعى لمواجهة الإرهاب فى سيناء وفى تفاصيل المزج بين تصعيد الضغط الأمنى على المتورطين فى العنف وبين العمل على إنهاء قابلية بعض البيئات المحلية لممارساتهم عبر إيقاف المظالم والانتهاكات وجبر الضرر عن الضحايا والسماح لرواياتهم بالتبلور فى المجال العام، سياسة كان يمكن ﻷدواتها ونقاشاتها أن تباعد بيننا وبين انتهاج العقاب الجماعى وتصفية الحسابات والنزوع الانتقامى وتسمح لنا بإدانة مزدوجة للإرهاب وللعنف وكذلك للمظالم والانتهاكات وبالإفادة الموضوعية من خبرات مشابهة لمجتمعات ودول وظفت بذكاء ومسئولية ونجاح خليط من الأدوات العسكرية والأمنية والقانونية والتنموية والمجتمعية لصناعة استقرار إيجابى واستعادة الأمن وبناء التقدم والديمقراطية وصون الحقوق والحريات.

***

نخب اقتصادية ومالية وإعلامية وحزبية لا تضطلع فى بلادنا بمهام ضبط اختلالات منظومة الحكم / السلطة بل تلتحق بها وتذبح ما تدعى الدفاع عنه من قيم ومبادئ طلبا للحماية وحفاظا على العوائد، نخب لا تضطلع فى بلادنا بمهام إعادة شىء من العقل والمعرفة والعلم إلى المجال العام وترشيد نقاشاتنا بالانتصار للإنسانية وللأخلاق وبالبحث فى تفاصيل الممكن من سياسات وإجراءات واقعية للمزج بين أهداف مواجهة الإرهاب والعنف واستعادة الأمن وتحقيق التنمية وبناء الديمقراطية وبدعوة الناس لتأييدها دون الانجرار إلى مواقع تزييف الوعى وخانات شعبوية ممالأة التيار الغالب، نخب لا تضطلع فى بلادنا بمهام القيادة بتقديم نماذج ملهمة للصدق وللنزاهة وللفعل المسئول مهنيا ومجتمعيا ولممارسة النقد الذاتى والاعتراف بالأخطاء وأوجه القصور والنواقص والاعتذار عنها والامتناع عن الاستعلاء على الناس إن بادعاء احتكار الحقيقة المطلقة أو بادعاء امتلاك الحق الحصرى للحديث باسم العقل والمعرفة والعلم والوعى وهم ــ أى النخب ــ يمتهنونها جميعا طلبا للحماية وللعوائد، نخب لا تضطلع فى بلادنا بمهام احترام الكرامة الإنسانية للفقراء قبل الأغنياء وتفعيل سياسات وإجراءات العدالة الاجتماعية القليلة الحاضرة فى مصر دون انتظار لضغوط من منظومة الحكم / السلطة أو لأحكام القضاء والإسهام فى جهود التنمية المستدامة من مواقع المسئولية الاجتماعية ومجددا دون انتظار للقرارات أو المبادرات الرسمية ــ قارنوا بين أغنياء الغرب وأغنيائنا!

***

إلى هذه الهاوية صارت أحوالنا، وعلى حافتها نعيش اليوم فى ألم وحزن وخوف وشقاق وصخب، وعلى حافتها تتهاوى سلامتنا النفسية والذهنية. ولن نبتعد نحن المواطنات والمواطنين عن حافة الهاوية ولن نباعد بين المجتمع والدولة الوطنيةوبينها ما لم نكف عن امتهان العقل والمعرفة والعلم وعن تغييب الحقائق والمعلومات، ما لم نكف عن هستيريا العقاب الجماعى وتصفية الحسابات والنزوع الانتقامى، ما لم نكف عن حروب المواقع والخانات ونتحاور فى إطار سلمى وعلنى وحر حول سبل الانتصار لمصر والانتصار ﻷهداف الأمن وسيادة القانون وتداول السلطة والديمقراطية وصون الحقوق والحريات والتنمية المستدامة.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات