جذور الفقه السياسى (2) الشورى مظلومة بين أهلها وفى بيتها - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جذور الفقه السياسى (2) الشورى مظلومة بين أهلها وفى بيتها

نشر فى : الجمعة 18 مايو 2012 - 12:20 م | آخر تحديث : الجمعة 18 مايو 2012 - 12:20 م

لشورى فريضة ومبدأ إسلامى يسرى فى المجتمع ودولته مسرى الدم من الإنسان.      

 

فالشورى هى مصدر التجديد لقوى الإنسان والمجتمع والدولة، وهى الحبل المتين لتواصل أطراف المجتمع مع سلطاته تماما كالدم، يبث الحياة ويضمن استمرارها، ويهب الجسد مناعة تقيه من كل اختراق. ولهذا نأسف كثيرا لهذا التصور الخاطئ للشورى، حيث يتلاعب الإنسان بالشورى فيبتذلها بتعيين أهله وأصحابه، أو أعضاء حزبه أو من يضمن توافقهم مع هواه، بل إن البعض يبالغ فى الابتذال، فيفتح الباب لانتخاب أعضاء الشورى محددا شروطا لا تأتى إلا بمن يحبه ؛ حتى كره كثير من الناس مصطلح الشورى وظنوا أنه مصطلح تراثى لا يصلح للعصر. غفر الله لنا ولهم ولهؤلاء الذين أفقدوا الناس الثقة فى الشورى.

 

(2)

 

إذاً فما هى الشورى؟ وما ضرورتها؟ وما هى مبادئها؟ وكيف تناسب عصرنا ومصرنا؟ نسارع فنقول إن: «الشورى» مصطلح مركزى من مصطلحات القرآن الكريم، وكذلك سياسة سارية فى جميع أعمال رسول الله (ص)، وعلى ذلك فهى محور رئيسى من محاور الفقه.

 

(القانون) العام والخاص. لذلك يظهر القرآن حقيقة الشورى وأهميتها وفرضيتها فى أبلغ عبارة وأوضحها وذلك بوضعها بين فريضتين من فرائض العين التى لا تسقط عن أى إنسان كما قال تعالى: «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ «(38) الشورى ؛ فليس هناك بيان أوضح من هذا: فهى فرض عين كالصلاة لا تسقط أبدا، وهى فرض عين على المتخصصين القادرين مثل الزكاة التى لا تسقط عن قادر وكذلك فلابد أن يسعى الجميع إليها سعيهم للصلاة ؛ وأن يقوم بها القادر عليها كما يقوم القادر ماليا على الزكاة.

 

وأخيرا، فهى جامعة للناس مثل الصلاة، ومفيدة للجميع مثل الزكاة. فالشورى فى أقرب مظاهرها: فريضة جامعة غير مانعة كالصلاة تجمع جميع الراشدين وربما غيرهم ؛كما أنها ضرورة مفيدة للمحتاجين إليها مثل فائدة الزكاة للمفتقر إليها ؛ فهل يستطيع أحد أن يستغنى عن الشورى؟

 

(3)

 

 أساس الشورى: وكما نعلم جميعا أن الله كلف أبانا آدم (ص) بإعمار الأرض وسكناها وعلمه ما يساعده على الإعمار والاستمرار ؛ وقد قسم الله (ج ج) الإعمار والأرزاق والعقول وأراد اختلافها جميعا، حتى يشاور جميع الخلق بعضهم البعض. وهذه الحقيقة هى التى جعلت الفلاسفة وصالحى الدعاة يقررون مدنية الإنسان بفطرته وحاجة البشرية جميعا للتعاون والتبادل بسبب عجز اى إنسان أن يحيا بمفرده ؛ فالحق أن من لا يستطيع أن يعيش بمفرده ؛ لا حق له أن يفكر فى الشأن العام بمفرده ؛ فالعمل المنفرد عاجز وقاصر، والتفكير الأحادى ( المنفرد ) عاجز وقاصر.

 

ولذلك قضى الله لعباده أن يكونوا أمة، وأن يصلوا جماعة، وأن يزكوا جماعة. وإذا أرادوا أن يتمموا شعائرهم فالجميع يشكلون جماعة عالمية واحدة هى جماعة الحج فى زمن واحد ومكان واحد.. لماذا؟ «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ.......» (28) الحج

 

(4)

 

 فإذا سمعت بعد ذلك أن خاتم الأنبياء الموحى إليه (ص) مأمور فى القرآن الكريم ليس بالشورى فحسب، بل بعدم حرمان أحد من الشورى ولو كان قد سبق خطأه، فشباب الصحابة ( رض ) قد ألحوا على رسول الله (ص) بضرورة خروج الجيش خارج المدينة، وهم يبغون الخير ويتمنون الشهادة فى سبيل الله، فلما زاد فريقهم زيادة ملحوظة رجع رسول الله (ص) عن رأيه والتزم رأى الشورى، ولم يحرز الجيش نصرا ومع ذلك جاء القرآن يؤكد الشورى وجماعيتها وعمومها وعدم حرمان أحد من المشاركة فيها (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ((159) آل عمران ؛ فوق ذلك لا يجب أن ننسى أن الله (ج ج) كلف رسوله (ص) بالشورى رغم ما ينزله الله من الوحى ليؤكد على كل المتصدرين للعمل العام ألا يتخلوا عن الشورى ولا يبتذلوها ؛ فلو كان من حق أحد أن يستغنى عن الشورى لاستغنى عنها الرسول (ص) فإنكار الشورى جريمة، وابتذالها جريمة أبشع. كما أن تحريفها وتجريفها من مبادئها باب كبير من أبواب التزوير ، هذا من ناحية المبدأ.

 

أما فقه الشورى وضوابط ممارستها، فذلك موضوع اللقاء التالى إن شاء الله.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات