الكتاب وصناعة النشر فى مصر - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكتاب وصناعة النشر فى مصر

نشر فى : الجمعة 18 مايو 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 18 مايو 2018 - 9:35 م

كان الكاتب الصحفى الكبير، المرحوم أحمد بهجت، يفرق بين مهنتين يجمعهما قاسم مشترك أعظم هو «الكتاب» و«الطباعة» و«الورق». كان يرى أن هناك فارقا بين «الناشر» و«المطبعجى»، فصاحب المطبعة يطبع ما يقدم إليه دون أن يَسأل عن محتواه أو يقرأه، أما «الناشر» فإنه ينتقى ما يقدمه ويدقق كثيرا فى اختياره. ذلك أن مهنة النشر فى جوهرها اشتغال بنقل الثقافة والفنون والآداب والعلوم وتحويل هذا كله من أفكار حبيسة فى أحد الأدراج أو مقصورة على المتخصصين إلى روح ومهنة تسرى فى العقل العام وتقوم بتغذيته وإمداده بالمعرفة والوعى.

وهذا ــ فى رأيى ــ واحد من التعريفات الجامعة الشاملة للناشر كما يجب أن يكون فى هذا الزمان الذى اختلطت فيه صناعة عظيمة مثل النشر بالتجارة الرخيصة فى ظل فوضى عارمة وغياب لأى محدد حقيقى أو معيار واضح يمكن الالتجاء إليه سوى خبرة الناشرين الكبار، أهل الصناعة الحقيقيين أصحاب الإنجاز والتاريخ فى أهم مجال من مجالات الصناعات الإبداعية الثقافية بالمعنى المعاصر.

ولهذا فلم تكن أبدا ندوة عادية التى نظمتها واستضافتها جمعية (شراع) للدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، الأسبوع الماضى، عن تحديات صناعة النشر فى مصر ومستقبل الكتاب الورقى فى مواجهة النشر الرقمى، تحدث خلالها المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق، وعميد دار الشروق، ونائب رئيس اتحاد الناشرين الدوليين سابقا، وبحضور الدكتور زياد بهاء الدين، الخبير الاقتصادى ونائب رئيس الوزراء الأسبق، وعدد كبير من المثقفين والشخصيات العامة والمهتمين بالكتاب وصناعة النشر فى العموم.

الندوة التى أدارها باقتدار ووعى ومشاركة فعالة فى المناقشة والتعليق والتعقيب الدكتور عماد أبو غازى؛ المؤرخ والأكاديمى الرصين والوزير السابق، اختلفت كثيرا فى محتواها وما شهدته من آراء وأرقام وإحصاءات ودلالات عن كل ما سمعته وحضرته سابقا عن صناعة النشر ومستقبل الكتاب فى مصر.

ربما كانت المرة الأولى التى يطرح فيها الكتاب المدرسى فى بؤرة الحديث عن صناعة النشر؛ الكتاب المدرسى ركيزة أساسية من ركائز رسوخ صناعة النشر وازدهارها فلا ثقافة ولا وعى ولا نشر ولا صناعة بدون أن يكون هناك، من البداية، طالب محب للكتاب يقرأه بشغف ويقبل على اقتنائه بحب ويضعه على رأس أولوياته واهتماماته ويحتفظ به فى أعز مكان أو هكذا يجب أن يكون.. فهل هذا هو الحاصل فعلا؟ للأسف. لا.

طرح المهندس إبراهيم المعلم رؤيته وفق نقاط محددة وكان حديثه مدعوما بالأرقام والإحصاءات المتاحة، مع الاعتراف بل التشديد على الاعتراف بأننا نعانى معاناة غير مسبوقة من غيبة الأرقام الموثقة والبيانات الإحصائية الدقيقة وغياب المعلومات الصحيحة من مصادرها الأصيلة. ومع أهمية الأرقام المذكورة، ودلالاتها التى تعنى وتحمل الكثير، فإن من أهم ــ أكرر أهم ــ ما ورد فى الندوة على لسان المهندس إبراهيم المعلم ما أسميه «روشتة» مركزة ومقطرة تحمل خلاصة وعصارة خبرة نصف قرن؛ رؤية واضحة المعالم لصناعة النشر فى مصر والعالم العربى؛ تواجه التحديات وتتغلب على الأزمات وتعالج المشكلات التى تحاصرها من كل جانب؛ ولن يتأتى ذلك إلا بتوفير المناخ المواتى لازدهار الصناعة؛ والذى يجب أن يقوم على أربعة أركان:

احترام حرية الرأى والتعبير، احترام حرية النشر، احترام حقوق الملكية الفكرية لكل المشاركين فى الصناعة؛ المؤلف والمترجم والمصمم والمخرج والفنان والناشر.. إلخ، بالجملة أصحاب الحقوق، وأخيرا ضرورة التغلب على العوائق التشريعية والرقابية التى تحد من تفعيل الثلاثة السابقة عليها. كل ذلك بالإضافة إلى إيلاء الكتاب المدرسى (تأليفا وإخراجا وطباعة) الاهتمام اللائق وبمعرفة المختصين؛ واعتبر المعلم غياب هذا الكتاب بشكله اللائق وجودته المفقودة أحد الأسباب الرئيسية لانهيار منظومة التعليم فى مصر، مع ما يستتبعه ذلك من خروج أجيال وأجيال تنفر من الكتاب ومن التعامل معه من الأساس!

ولم يغفل المعلم التنبيه والتأكيد على أهمية وجود وحضور المكتبات العامة فى مصر باعتبارها أحد الحلول الجذرية فى مواجهة تحديات النشر وأزمات الناشرين، لو ركزت الحكومة بعض اهتمامها على المكتبات العامة بمفهومها الشامل واهتمت بتوفير الكتب لها وتزويدها بشكل دورى محكم ووفق رؤية وخطة لكان فى ذلك اجتياز لمسافات بعيدة فى تحديات الصناعة وأزمات النشر.

كان اللقاء مهما، وشارك بعض الحضور فى طرح رؤى متنوعة وتساؤلات معتبرة حول أزمة النشر، وفى اقتراح حلول يلزم للمعنيين والمهتمين والمسئولين أيضا أن ينصتوا إليها، كما لا بد، من تضافر الجهود وتكاملها للوصول بالمنتج الثقافى (ومن ضمنه الكتاب) إلى مستهلكه ومتلقيه بصورة طبيعية وميسورة ومتاحة؛ نعم. هناك سبل كثيرة لذلك ومجالات واسعة للتعاون والالتقاء بين جميع الأطراف للوصول فى النهاية إلى الارتقاء بصناعة النشر وتحقيق المعادلة الصعبة؛ توفير الكتاب لقارئه بمستوى جودة عالية وسعر مناسب، وفى نفس الوقت توفير هامش ربح معقول يضمن للصناعة استمراريتها وتحسين مستواها والارتقاء بأدواتها.