الإخوان.. وعبدالناصر - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإخوان.. وعبدالناصر

نشر فى : الأربعاء 18 يوليه 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 يوليه 2012 - 8:50 ص

تشير الدلائل مع اقتراب الذكرى الستين لثورة يوليو ــ العيد القومى لمصر ــ إلى أن ثمة محاولة من جانب تنظيم الاخوان المسلمين إلى تجاهل المناسبة، أو على الأقل تجاهل ذكر قائدها جمال عبدالناصر.

 

●●●

 

وليس هذا الأمر مستبعدا. لأن كراهية الإخوان المسلمين لجمال عبدالناصر تصل إلى هذا الحد ولانهم اعتادوا ان يسقطوا مشاعر كراهيتهم لعبدالناصر على الوطن نفسه. ولا نذهب بعيدا اذا تذكرنا ان الاخوان المسلمين اتخذوا موقفا حياديا تجاه حرب 1956 التى قادها عبدالناصر بكفاءة سياسية وخاضها الشعب المصرى بكل بطولة. وربما كان من العوامل لجوء قادتهم إلى الاقامة فى بلدان عربية تحكمها نظم كان بينها وبين مصر عبدالناصر وما تمثله من قيم قومية عداء شديد فكان السبب الرئيسى وراء امتناعهم عن حمل السلاح إلى جانب المقاومة المصرية فى تلك الحرب.

 

لم يحرص الإخوان ابدا ــ أو الأحرى أن نقول إنهم لم يهتموا ابدا ــ بأن يكونوا جزءا من تيار الوطنية المصرية بسبب موقف جمال عبدالناصر منهم وموقفهم منه. وقد تناقض هذا الموقف مع موقف الشيوعيين المصريين الذين نالهم من حكم عبدالناصر مثل ما نال الاخوان. تمكن الشيوعيون المصريون من تجاوز شخصنة رؤيتهم لجمال عبدالناصر على اساس موقفه السلبى منهم. وكان ذلك دليلا على وطنية الشيوعيين الذين يفترض نظريا انهم «امميون» بالدرجة الأولى. لقد شاركوا فى المقاومة المسلحة فى منطقة القناة ضد قوات العدوان الثلاثى كما شاركوا قبلها فى المقاومة المسلحة المصرية عقب الغاء معاهدة 1936 مع بريطانيا.

 

●●●

 

اختبر الصراع غير المرئى بين الوطنية المصرية ــ والأحرى أن نسميها القومية المصرية ــ والقومية العربية موقف الاخوان منهما، فإذا بالإخوان المسلمين يختارون الخلافة الإسلامية رفضا لكلتا القوميتين المصرية والعربية، وكان ذلك دليل تكوين انحياز الإخوان المسلمين السياسى للسلفية ضد الحداثة فى صراع مصر الواضح الصريح من اجل تأكيد دورها القومى والإقليمى. ما اكد هيمنة مشاعر كراهية الإخوان لعبدالناصر على قراراتهم السياسية، بما فى ذلك القضايا ذات الصفة الاستراتيجية العريضة. لم يريدوا أبدا أن يكونوا جزءا من تيار الوطنية المصرية لأن ذلك كان على حساب علاقاتهم الحميمة والحيوية مع بعض حكام المنطقة الذين احتمى الإخوان بهم لسنوات طويلة.

 

ولا يمكن تناول الحديث عن موقف الإخوان المسلمين من زعامة عبدالناصر دون التعرض لتكوين الموقف الإخوانى المتلائم مع الولايات المتحدة وسياساتها فى المنطقة عندما كان موقف الولايات المتحدة يناصب مصر وعبدالناصر العداء الصريح، خاصة من ناحية الأهداف القومية لمصر فى ذلك الوقت. فلا شك فى ان عداء الأمريكيين لسياسات عبدالناصر ذات التوجه القومى والمناهض للنفوذ الخارجى على الأمة العربية لمصلحة إسرائيل وسياساتها العدوانية خلق أكبر فرص توسيع الوئام بين الإخوان والولايات المتحدة وليس هذا الوئام نفسه. وقد لا نعرف، الا على سبيل الاستنتاج، طبيعة الاتصالات التى دارت بين زعماء الإخوان فى المنفى والمسئولين الأمريكيين فى ذروة حالة العداء بين هذين الطرفين لسياسات عبدالناصر وتوجهاته.

 

●●●

 

وهنا لا يمكن أن نغفل او نتغافل عن مقارنة واجبة بين موقف الاخوان المسلمين من عبدالناصر وموقفهم الذى تكون لاحقا من الرئيس السابق حسنى مبارك. فلقد أظهر الإخوان استعدادا واضحا للتعاون مع مبارك ونظامه فى سنوات لاحقة عندما بدا ان سياسات مبارك اقتربت كثيرا من التعاون مع الولايات المتحدة وارتبطت بها استراتيجيا وسياسيا إلى حد لم يسبق له مثيل فى التاريخ المصرى كله. وامكن لقيادات الاخوان فى تلك الحقبة ان يتجاهلوا تماما علاقة مبارك بإسرائيل التى وصلت إلى حدود التعاون العسكرى والتنسيق السياسى. فلم تقف علاقة مبارك باسرائيل فى سبيل تقدم الاخوان نحو تحسين مركزهم لدى رئاسة مبارك. وعلى الرغم من التحاق الإخوان المسلمين بثورة 25 يناير بعد انطلاقها بأيام فإن من الواضح ان الاخوان لا يظهرون أى استعداد لتغيير موقفهم من اسرائيل. وما تقديم الضمانات للولايات المتحدة بمحافظة مصر فى ظل حكم الإخوان المسلمين على اتفاقيات «كامب ديفيد» إلا شهادة جديدة بأن مصلحة الإخوان المسلمين الجديدة المتمثلة فى الهيمنة على الحكم تستطيع أن توجههم ناحية سياسة مصرية لا تخاطب المصالح القومية. ألا يمكن وصف هذا بأنه استمرار لموجة الكراهية الإخوانية لجمال عبدالناصر؟

 

على أى الأحوال استطاع هذا الاتجاه السياسى للإخوان المسلمين ان يستمر لنحو ستين عاما متجاهلا تماما تنامى شعبية جمال عبدالناصر لدى اجيال المصريين المتتالية حتى تلك التى لم يكن اصحابها قد ولدوا عندما رحل عبدالناصر عن هذا العالم. وقد آثر الاخوان ان يتجاهلوا حقيقة ان صور عبدالناصر ارتفعت فى ايدى الشبان المصريين من بدايات ثورة 25 يناير. واثبتوا بهذا انهم لا يستطيعون ممارسة سمة التسامح الاسلامية الحقة حتى بعد رحيل الزعيم الذى الحق الاذى بهم خاصة بعد محاولتهم اغتياله.

 

●●●

 

بقيت أيام قليلة على الذكرى الستين لثورة 23 يوليو التى قادها عبدالناصر واكتسب بهذه القيادة وتوجهاتها الشعبية مكانة لم ينلها غيره، ويتعين على الاخوان المسلمين الا يغفلوا هذه الذكرى إذا كانوا يريدون الإعلان عن ولائهم للشعب المصرى بعد ان وصلوا إلى الحكم. ويتعين عليهم ان يدركوا ان الشعب المصرى لا يفصل ابدا بين ثورة يوليو وقائدها العظيم.. وإلا فإنهم يخطئون مرة أخرى ويخسرون اكثر مما خسروا من تأييد هذا الشعب الوفى.  

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات