الصعلوك - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصعلوك

نشر فى : السبت 18 يوليه 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : السبت 18 يوليه 2015 - 9:35 ص

فى أجواء المولد، نستمع مع «محروس»، المنتشى، لطرف من سيرة صاحب المقام، سيد العدوى، أحد أولياء الله الصالحين.. الحكاء، بمصاحبة الربابة، يجعل من «العدوى»، بطلا شعبيا، على غرار أدهم الشرقاوى: يقف ضد الظلم الذى يمارسه الحاكم العثمانى، على أهالى المحروسة.. تتحول الكلمات إلى مشاهد، ذات طابع تاريخى، تبرز جولات الصراع بين «عدوى»، الشهم، الشجاع، والباشا الوضيع، المحتمى بجنوده.

مع الحلقة الثانية، يعود «محروس» إلى الحاضر، وإلى حارته، ولا يحتاج المرء لتفكير طويل كى يدرك ذلك التشابه، إن لم يكن التطابق، بين الحاضر والماضى من ناحية، و«حارة الدراويش» ومصر المحروسة من ناحية ثانية.. لذا، فإن مشاهدة الحلقة الأولى، تأتى كضرورة تفسر الكثير من الأمور التى قد تبدو غامضة فى حال عدم مشاهدتها.

«محروس»، الاسم المشتق من «المحروسة»، يتسم بالصبر، قوة التحمل، الميل للسلام، الطيبة المتناهية، يدافع عن الضعفاء بلا تردد، فقير ماديا، بالغ الثراء روحيا، يعيش فى ملكوته الخاص، يتماهى مع «العدوى» ويستنجد به.. يتلعثم أحيانا فى كلام مدغم، لا يمكن فهمه، يوحى بالتخلف تارة، والعقل الرشيد تارة أخرى. راسخ البنيان، لا يحب العنف ولا يلجأ له إلا دفاعا عن آخرين.. فى بعض المواقف، يستلهم سيده «العدوى»، الذى يترادى له فعلا، مرتين أو ثلاث مرات على طول الحلقات.

فناننا الأثير، خالد الصاوى، الباحث دائما عن الأفضل، وجد ضالته فى شخصية «الصعلوك»، العشوائى، خادم ضريح «العدوى» فجسدها على نحو عميق ودقيق.. استوعب تضاريسها الداخلية، بما تحمله من طباع وميول، الثابت منها والمتغير، يعبر عنها بتوازن فريد، حسب مقتضيات المواقف المتباينة والمختلفة. إنه مجرد طفل برىء أحيانا، يستمع صاغرا لتأنيب «عم غزل» ــ أحمد راتب ــ لأنه ترك الحارة ونسى ناسها، وأحيانا يبدو عاقلا، ناضجا، حكيما.. تارة يتصرف كأبله، فاقد الإدراك، وتارة يتسم بالشفافية والوعى. لكن، فى كل الأحوال، يفيض بالحماس، فضلا عن نوع من النشاط الروحى والبدنى.. لذا، حين يغيب أو يتأخر عن الظهور، تتسلل البرودة إلى الشاشة، فتبعث الملل، لا يقلل منه طوفان الموسيقى الذى لا يتوقف.

مقابل الباشا، الشركسى، فى الحلقة الأولى، يطالعنا «باشا» الحاضر، المصرى هذه المرة، وان اختار له الكاتب، محمد الحناوى، اسم له جذور تركية «تيمور يكن» ــ بأداء حسن حسنى ــ المليونير، تاجر السلاح، واسع النفوذ، يسكن قصرا مدججا بحراسة مشددة، قلبه كجلمود صخر، له عدة بنات وولد، متعدد الزيجات، يجلس على كرسى متحرك.

ثمة مفارقة لابد من ذكرها: دأبت القناة التى تعرض المسسل، على تقديم إعلان عن الملابس القطنية، الداخلية، للرجال.. فى إحدى لقطاته، يندمج حسن حسنى فى الرقص، ممسكا بـ«بوكسر» مشوحا به، يمينا ويسارا. بعد انتهاء الإعلان، نرى حسن حسنى، المقعد، جالسا على الكرسى المتحرك، فلا نصدقه.

حسن حسنى، فى الحلقات الأولى، يتحدث ببطء، بإيقاع متراخٍ، وفيما يبدو أنه، مع المخرج، أحمد صالح، قررا تغيير الاسلوب الممل، إلى آخر حيث ينطلق الكلام من فمه بسرعة، مع زيادة جرعة انفعالات الغضب.

«محروس»، وسيلتنا لدخول عالم الباشا المظلم، ذلك انه التحق بالقصر ليعمل فى رعاية الكلاب، تاركا الحارة، ليعود إليها بين الحين والحين.

محور المسلسل، ومادته الجوهرية، لا تتطلب ثلاثين حلقة، لذا، لجأ المؤلف إلى لصق خيوط، بلا ضرورة، وشخصيات مبتسرة، ذات طابع ميلودرامى، وآية ذلك، المتابعة المملة، من مؤسسة إعلامية، لمفاسد عائلة «تيمور يكن»، والتوقف عند مناضل قديم، أصبح اسمه «غيبوبة»، وهو فى الأصل محامٍ.. وفى الحارة، يسكن مدرس تاريخ فقير، يائس، تدفعه الظروف، حسب تعنت صناع المسلسل، إلى ممارسة مهنة مسح الأحذية، فى المقاهى.

إلى جانب تألق خالد الصاوى، الذى يختفى مع غيابه من مشاهد طويلة، يشغلها الكاتب والمخرج، بمنولوجات داخلية، وحكايات من خارج الكادر، لابد من الإشارة، أو الإشادة، بالوجه الجديد، مصطفى جعفر، الذى قام بدور «العدوى»، الأقرب للطيف الملهم، يستدعيه محروس فى مأزقه، فيلبى النداء.. إنه ممثل متكمن، له حضوره القوى، بملامح وجهه المصرى تماما، وطريقة نطقه التى تمنح الكلمات معانيها، الظاهر منها والباطن.. «الصعلوك»، عمل جميل، لكن يترنح بما يحمله من أثقال.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات