ملخص ما نشرته فى المقالة السابقة أن القبول للدراسة بجامعة هارفارد لا يعتمد على ترشيح من الحكومة المصرية بل وليس للجانب المصرى فيه أى اختيار؛ وتختلف شروط القبول من كلية لأخرى داخل نفس الجامعة على حسب البرنامج الدراسى اختلافا كبيرا، وأما فكرة المجاملة فوضحنا أن جامعة كهذه تتربع على عرش جامعات العالم لن تعرض سمعتها وسمعة باحثيها للخطر لتجامل شخصا أو حزبا أو حتى دولة كاملة... واليوم أستكمل الحديث، ويبدو أنه سيستمر لمقالة ثالثة وربما رابعة...قد نبهتك من قبل...القصة من منظور مختلف..تماما!
(١) يونيو ٢٠٠٦
اجتزت بنجاح اختبارات القبول بما فيها المقابلة الشخصية، والآن أرى بوضوح اسمى ضمن ثلاثين اسما تقريبا تُعلن وزارة (الاتصالات) المصرية على موقعها الإلكترونى الرسمى قبولهم من بين آلاف المتقدمين....هارفارد؟ لا...أنا اتحدث عن معهد ( ITI) التابع لوزارة الاتصالات المصرية. كان المعهد قد أعلن وقتها عن (منحة) لدراسة مسارات مختلفة أغلبها يتعلق بلغات البرمجة والتجارة الإلكترونية فى مدة تسعة أشهر يتأهل المتخرج بعدها لاستكمال دراسته فى الخارج ــ بريطانيا تحديدا ــ إن أراد؛ أو تؤهله لمسار وظيفى مرموق فى مصر. فى المحاضرة التعريفية اصطحبنى أحد المشرفين على البرنامج إلى خارج القاعة ليخبرنى بأدب شديد والإحراج يكسو ملامح وجهه أنى لن أتمكن من استكمال البرنامج!
(أنا: ليه؟
هو: مدير المعهد لواء سابق وهو مش بيحب الناس اللى شبه حضرتك....أنا آسف جدا يا فندم!
أنا: طيب حضرتك كان ممكن ترفضونى بعد المقابلة الشخصية، كان ممكن تسقطونى فى الامتحان، ليه دلوقتى بتقولى كده؟
هو:.......
أنا: طيب أنا هرفع عليكم قضية ده حقى
هو: من حق حضرتك طبعا... بس نصيحة أخ ده مش هيفيدك بحاجة...)!
مر على هذا الحوار عشر سنين كاملة... تخيل لو أن نفس المنطق تُدار به منحة للدراسة بـ( هارفارد) أو (كمبردج)؟
(٢) أموال المصريين...مرة أخرى
أبغض المغالطات المنطقية وأستشعر ضعف من يلجأ إليها... وأحب دائما المحاورة بمنطق سليم مهما اختلفنا فى المنطلقات والعقائد ووجهات النظر.. لذلك بدأت بالرد على تساؤل البعض حول (المنحة) ذاتها وكيف أنها (وقفٌ) يستحق عوائده أى (مصرى) قُبل للدراسة فى هارفارد سنويا وإلا ذهبت هذه العوائد للحكومة الأمريكية بغير استفادة تذكر للجانب المصرى.
ينتفع بهذه العوائد الطالب المصرى على أن يلتزم بالعودة لخدمة بلاده بما تعلمه من علم.. وهذا ما وقعت عليه قبل سفرى بالفعل وملتزم به ما حييت إلا أن يشاء ربى شيئا.
الآن أتى دورى لأسأل أنا عن أموال المصريين...عن الضرائب التى يتهرب من دفعها أباطرة فى بلادى يملكون إعلاما وأحزابا وربما مؤسسات حكومية كاملة.... عن أراضٍ للدولة نُهبت وضيعت على المصريين مليارات الجنيهات والسارق معروف ٌلم يحاسب.... عن (ماسبيرو) الذى يخسر شهريا عشرات الملايين من أموال دافعى الضرائب.... عن صحف ومجلات قومية تخسر منذ عقود وما تزال الدولة تدعمها بالملايين من أموال الشعب... عن (صناديق خاصة) تمثل حالة فريدة من (تقنين) التهرب المحاسبى ليس لها فى العالم نظير... عن شركات قطاع عام بيعت بثمن بخس وأخرى خُربت بفعل فاعل... عن موارد المصريين الطبيعية التى تُقدم بأزهد سعر لمستثمر جشع محتكر فاسد ويدفع المصريون الكادحون ثمنها أضعافا مضاعفة... وأخيرا عن طلبة مصريين تعلموا على نفقة الدولة على مدى عشرات السنين وما طالبهم أحد بخدمة بلادهم ولا استعان بهم فى تطويرها ولا وضع برنامجا من الأساس للاستفادة بهم كما تفعل أى دولة تحترم شعبها!
(٣) لماذا الضجة؟
أما عن الضجة التى أثيرت ومازالت؛ فالحديث عنها سيكون مثيرا بالنسبة لى جدا.. سيكون فرصة لأفتح نقاشا أتمنى أن يكون بداية لمصارحة مجتمعية شاملة... المصارحة مفيدة جدا... هل المشكلة فى (نادر بكار) مجردا أم فى انتسابه لحزب بعينه؟ أم ربما فى انتسابه لطبقة اجتماعية معينة؟ سخرية البعض من التعلم فى بلاد (الكفار) كما تندروا تحتاج بدورها لتوضيح قبل الاختلاف... الإخوان يقولون هذه جائزة الأمريكان لمن ساعد على (الانقلاب)... وفى مواجهتهم فريق آخر يقول بل هو إعداد أمريكى للإسلاميين لخوض جولة جديدة من الصراع على السلطة فى مصر... الرؤيتان متعارضتان كما ترى؛ وكلاهما يكفى لبيان تهافت الآخر... لكن لا بأس من تناول ذلك كله... فى مقال قادم.
ملحوظة: خطأ فنى ليس لى فيه دخل تسبب فى نشر الروابط التى أشرت إليها فى مقالى السابق على صفحات الجريدة الورقية دون الموقع الإلكترونى... وها أنذا أُعيد نشرها:
رابط تفاصيل البرنامج الدراسى
http://www.ksg.harvard.edu/degrees/masters/mcــmpa/mason
رابط الاتفاقية بين الجانب المصرى وهارفارد
http://www.mof.gov.eg/mofgallerysource/english/Fellowship.html