القومية العربية.. هوية أم مواطنة؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القومية العربية.. هوية أم مواطنة؟

نشر فى : الإثنين 18 أغسطس 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 أغسطس 2014 - 7:50 ص

إذا كانت العروبة قد وجدت لنفسها مكانا فى «الوطن العربى» نتيجة التجاور الجغرافى والتراكم التاريخى اللذين ساعدا على توطيد العلاقات الاجتماعية والروابط الثقافية التى غذتها اللغة والإسلام ودعمتها الهجرات المتتالية عبر حدود البلدان والولايات، ورعتها الخلافات الإسلامية التى توالت منذ فجر الإسلام، فإنها اعتبرت هوية مشتركة، بينما تركت شئون الدنيا والدين إلى كل ولاية، واكتفى الخليفة بتعيين ولاة يوافونه بالخراج والجزية، فى مرحلة سادت فيها الأنشطة الأولية المتعاملة مع الموارد الطبيعية على النشاط الاقتصادى.

•••

وقد نشأت الرغبة فى التمسك بالهوية العربية فى أواخر القرن التاسع عشر كرفض لمحاولة الإمبراطورية العثمانية فرض عملية التتريك على البلدان العربية التى بسطت نفوذها عليها. وتعددت الحركات المنادية بهذا المطلب، وعقدت المؤتمر العربى الأول فى 1913 بباريس. ثم تناول الأمر مفكرون مرموقون مثل ساطع الحصرى بالتحليل العميق. ولكن البريطانيين استغلوها خلال الحرب العالمية لتجنب محاربة الحلفاء تركيا فتدعو المسلمين إلى الجهاد ضدهم، فوعدوا الحسين بن على شريف مكة وحامى الديار المقدسة الإسلامية بمساعدته على إنشاء دولة عربية كبرى تنتزع الخلافة للعرب من العثمانيين، فانطلقت الثورة فى 1916، فى نفس اللحظة التى وقّع البريطانيون والفرنسيون اتفاقية سايكس/بيكو بتقاسم الولايات المحررة فيما بينهم. ولم يسمحوا للشريف إلا بمملكة تضم شرق الأردن والحجاز. وصدر وعد بلفور فى 1917 بمنح فلسطين وطنا قوميا لليهود. فتحولت المنطقة إلى دويلات تتصارع للحصول على استقلالها، مما كرس النزعة القطرية تحت لواء العروبة كهوية. وفى 1943 أعلن مجلس العموم البريطانى الترحيب بسعى العرب إلى «تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية»، فتولت حكومة مصر الوفدية إنشاء جامعة الدول العربية على غرار عصبة الأمم التى أقيمت فى 1920، وسميت كلتاهما بالإنجليزية: League.

وعقب الحرب العالمية الثانية تحولت القوى الاستعمارية إلى الاستعاضة عن الاحتلال الصريح بآليات تبعية سياسية واقتصادية. وتولت الشركات عابرة القوميات دور جيوش الاحتلال. ومنها شركات البترول التى تحتكر التنقيب والاستخراج والتصدير مع اقتسام الإنتاج، فتؤدى بذلك دور استعمارى رباعى: الاستمرار فى نهب ثروات العالم الثالث بتكلفة سياسية وعسكرية أقل؛ وتوسع الإنتاج لنطاق يتجاوز حاجة الدول المنتجة وفرص تصديره إلى دول نامية مجاورة؛ وإضعاف الحافز إلى الدخول فى أنشطة أخرى تستوعب أيادى عاملة لم تستفد من النشاط النفطى؛ وتغذية النزعة الاستهلاكية البذخية المرتبطة بالدخول الريعية، وهو ما يزيد من توجهها إلى، وروابطها مع، العالم الخارجى، وبوجه خاص الدول المتقدمة الاستعمارية. وعندما أمّم مصدق النفط الإيرانى فى 1951 رغم أنف شاه إيران، استعان البريطانيون بالمخابرات الأمريكية لتدبير مظاهرات لإسقاطه فى 1954، وتولى زاهدى إلغاء التأميم. وانضمت إيران مع باكستان وتركيا إلى حلف بغداد الرامى إلى منع السوفييت من النفاذ إلى منطقة تتواجد بها مصالح اقتصادية واستراتيجية حيوية فى سياق الحرب الباردة، تحمس له نورى السعيد ورفضه عبدالناصر. وبعد انسحاب العراق منه عقب ثورة 14 يوليو 1958 تحول إلى حلف السنتو. من جهة أخرى طلبت اللجنة السياسية للجامعة العربية إجراء دراسة لإقامة وحدة اقتصادية عربية على مراحل بأقصى سرعة ممكنة، خوفا من محاولات أوروبا بناء سوقها المشتركة فتغلق أسواقها أمام صادراتها، ومحاولة الأمم المتحدة إقامة لجنة اقتصادية إقليمية تقحم إسرائيل فى تجمع عربى.

وعقب قيام ثورة يوليو اعتمد عبدالناصر منهج التخطيط القومى لتنمية مستقلة متكاملة، عمادها التصنيع الذى يزوده السد العالى بالطاقة الكهربائية بالتوازى مع توفير المياه لتعزيز القطاع الزراعى، ليكون مشروعا قوميا بمعنى الكلمة. وحتى لا تنتشر عدوى التصنيع بين الدول حديثة الاستقلال، اتُّخِذ رفض مصر الانضمام إلى الحلف ذريعة لرفض تمويل السد العالى بغرض تضييق الخناق على التصنيع. ففجّر عبدالناصر ثورته الثانية فى وجه الاستعمار الحديث، بقراره فى 26 يوليو 1956 بتأميم قناة السويس. فلجأ الاستعماريون إلى عدوان 1956 الثلاثى، الذى شاركت فيه بريطانيا خوفا من تحكم النظام المصرى المتحرر فى شريان حيوى لانتعاش اقتصادها، وشاركت فرنسا عقابا لمصر على مساندتها ثورة الجزائر. وفتح العدوان أذهان العرب على مخاطر الاستعمار الجديد، وانضم النفط العربى إلى الصراع. فقُطعت أنابيب النفط بين كركوك وبانياس، عقابا للنظام العراقى الرجعى، وأبلغ عبدالله الطريقى، وزير النفط السعودى بريطانيا وفرنسا قرار الملك سعود بإيقاف إمداد بريطانيا بالنفط، فكانت ضربة موجعة. وتم إنجاز مسودة اتفاقية الوحدة الاقتصادية بعد التغلب على مماطلات وخلافات بين الدول أعضاء الجامعة.

•••

وأطلقت الأحداث السابقة تيارين متضادين فى العلاقات العربية. الأول الشعور بأن قوة العرب هى فى تعاونهم على تعزيز مصالحهم بتوظيف ما لدى كل من أوراق القوة بشكل متكامل فى مواجهة العالم الخارجى، تحت راية القومية العربية واعتزاز بالانتماء للوطن العربى الكبير. وبرزت أهمية النفط فأطلق الطريقى مقولته «نفط العرب للعرب». ونظمت الجامعة العربية مؤتمرات بترولية، بينما سعى الطريقى مع نظيره الفنزويلى إلى إقامة الأوبك لتأمين التعاون العربى مع دول نامية لتصويب العلاقات الدولية مع القوى المهيمنة على العالم. وفى هذا المناخ قامت أول دولة وحدة بين مصر وسوريا، وأنهت ثورة 14 يوليو 1958 النظام الممالئ للاستعمار فى العراق.

أما الثانى فغذته رغبة بعض ولاة الأمر العرب فى استغلال مصادر القوة إزاء باقى العالم، بما فيه الأشقاء العرب، وتنامت هذه النزعة فحولت الوطن العربى إلى مجموعات متنافرة. فعندما قامت ثورة 1958 أوقف عبدالكريم قاسم التصديق على اتفاقية الوحدة الاقتصادية، وعرض بديلا وحدة عربية فيدرالية لم تتوفر شروط نجاحها. وطبق قانون الاستعمار على الكويت بإعلان ضمها كولاية بعد استقلالها فى 1961، ومحاولتها إقامة حكمها على أسس دستورية وتمثيل نيابى، فتصدت له مصر وبريطانيا.

•••

الأسوأ أن صدام حسين عندما فشل فى تحقيق انتصار كانت دول الخليج تمده بالمال لتحقيقه على إيران الخومينية التى استعانت بعلمائها المعارضين، خاض حرب الخليج الثانية فى مثل هذه الأيام من 1990 فاحتل الكويت وحاول التوغل فى السعودية طمعا فى الأرض واستهانة بالبشر، فقضى على مفهوم المواطنة العربية، وحمل الدول النفطية إلى الاحتماء بالمجتمع الدولى وتنظيم علاقاتها العربية من منطلق المحافظة على مصدر ثروتها الذى لا يوجد له بديل يحقق لها المحافظة على إنجازاتها فى التنمية البشرية المستدامة. يذكر أن الكويت بعد تخلصها من حماقة قاسم كانت هى التى مكنت اتفاقية الوحدة الاقتصادية من النفاذ، ليس رغبة فى وحدة لا تشعر بجدواها لها، وإنما لتعزز بعضويتها فى مجلس الوحدة وجودها كدولة مستقلة، ثم ظلت عازفة عن تنفيذ قراراته إلى أن انسحبت فى 2000. وحملت فى السبعينات، باختيار شعبى، لواء تقديم المساعدات المالية لدول العجز بصندوق أنشأته لكسب مؤازرة دول تحتاج مساعدتها، وقصر التكامل العربى على عمل مشترك قوامه مشروعات مشتركة، وهو ما أدى إلى إجهاض استراتيجية وخطة العمل المشترك لقمة عمان 1980، وقيام مجلس التعاون الخليجى. وهكذا أصبحت العروبة مجرد صفة جغرافية عرقية تحتاج إلى من يعيد إحياءها لكى تستعيد وجودها كهوية جديرة بالاحترام .. ناهيك عن جدارتها بالمواطنة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات