الإسلام كما أدين به
 28ــ المسلم مع سائر البشر- ب - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 28ــ المسلم مع سائر البشر- ب

نشر فى : الخميس 18 أغسطس 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 18 أغسطس 2016 - 9:30 م
استوضح البعض قضية «ابنى آدم» وإعلان أحدهما قراره بقتل أخيه، وإعلان الآخر بعدم اقدامه على مصارعة أخيه وقتله ((لَئِن بَسَطتَ إِلَيَ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ..)) مستنتجا من هذا الموقف رؤية متسرعة حيث يرى أنه بقدر جرأة واندفاع وعنف القاتل فإن صمت وسلبية وعدم مقاومة الآخر موضع تعجب.

ولأن الخبر خبر قرآنى فهو محل التصديق، كما أن عدم لوم القرآن للمقتول يضفى على تصرفه (السلبى المستسلم) مشروعية تجعله قاعدة تأسيسية سواء فى فقه الحوار أو فقه الجوار...هذه القاعدة تفيد: الشر لا يبرر الشر، والخطأ لا يصلح الخطأ، فهذه قاعدة تعليمية تجعلنا دائما نستعد بتجهيز البدائل وتصور المخارج والبحث عن كوابح وموانع للشر بشرط أن لا تماثل الشر العارض، وإذا كان ولابد فليقل الشر كثيرا عن الشر الذى يواجهه.

ــ1ــ

وهذا المقتول رفض رفضا قاطعا المعاملة بالمثل لدرجة أنه ترك أخاه يقتله معلنا أنه يخاف الله..فمما يخاف هذا المتعرض للقتل؟ إنه يخاف أولا أن يرتكب معصية شرعية «القتل» يعصى بها الله إذ لا يجرؤ عاقل على معصية القوى الجبار. كما أنه يخاف ثانيا من أن يقدم على قطع رحمه، وتلك جريمة أخرى فوق جريمة القتل. وثالثا فإنه يخاف على نفسه أن تتلوث فيصبح قاتلا بعد أن كان مسالما وعابدا.. وليس ذلك فحسب، فإن ارتكاب جريمة القتل تحت أى ظرف هو دليل ظاهر على:


ــ ضياع إيمانه بأن الخالق قيوم قد جعل لكل نفس أجلا لن ينقص بالشر ولن يزداد بالخوف، وضياع الإيمان خطوة مباشرة للكفر المبين.

ــ ضياع إيمانه بأن الله هو «المحيى المميت»، فهذا عمل إلهى لا يقربه عاقل ولا يفكر فيه، وأيضا فقدان ذاكرة عجيب إذ ما دمت ــ وأنا مخلوق ــ أستطيع القتل وإماتة الغير، فلا شك أن الكون ملىء بمخلوقات أخرى تستطيع قتلى كما أستطيع أنا. كل ذلك وأكثر منه ورد على ذهن ابن آدم حينما اعتصم برشاد الفطرة وتحلى بضبط النفس وهو مؤمن بأن الأمن والسلامة فى طاعة الله، والتيه والضلال فى معصيته، فالتزم الطاعة وقرر عدم مجاراة العصاة ولا التشبه بهم.

ولا شك أن عدم رد العدوان مثالية لا يقدر عليها الناس كما قدر ابن آدم، لذلك ترى الفطرة من ناحية والشرع من ناحية أخرى يحققان الالتزام بفريضة طاعة الله كما يرسمان طريقا معقولا لمنع التفكير فى الشر ابتداء، أو للاستعداد لمواجهته إذا ظهر أو لردعه وإفشال خططه.

ــ2ــ

نعم، تتلاقى الفطرة السليمة مع الشرع الحكيم على ضرورة منع تدبير الشر أو التفكير فيه، حيث تعلمك الفطرة: «كن كما تحب أن يكون الناس لك»، فالجميع يفكرون ويقدرون، ومادمت أحب ألا يعتدى على أحد فلا يحق لى ولا يجوز أن أعتدى على أحد. كما تعلمنا الفطرة أنه لا يجوز منع الشر بالشر وإلا فقد استوى الطرفان، لذلك يجىء الشرع فيعلمنا أن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، فالقوة وتنميتها وتعظيم أثرها محبوب مطلوب بشرط عدم العدوان ولا التهديد ((إِنَ اللَهَ لا يُحِبُ الْمُعْتَدِينَ)). وعلى ذلك كلف الشرع أتباعه بـ«إعداد القوة» وإظهارها تذكيرا للآخرين بتوافر القدرة على الردع، فلا يتورط فى عنف يجلب له عنفا أشد.

ــ3ــ

وإعداد القوة كما جاء فى الآية قسمه الشرع قسمين متمايزين أحدهما قوى سلمية دائمة، والآخر قوى مسلحة استثنائية رادعة. أما القوى الدائمة فهى معترك الحياة ونشاط الإنسان، والعالم كله يفهم الآن بوضوح واقتناع معانى مصطلحات: القوى الناعمة أو الحرب الباردة والقوى الاقتصادية أو الحصار الاقتصادى والحرب الاقتصادية والقوى الدبلوماسية والحرب الدبلوماسية والتقدم العلمى أو السباق العلمى.. وإذا أضفنا إلى ذلك ما أصبح مشهورا أو شائعا بل ومؤثرا من قوى إعلامية وقوى إعلانية وقوى فنية.. فى ضوء كل ذلك نفهم القول الإلهى ((وَأَعِدُوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ..))، فهذا أمر بإعداد القوى العامة السلمية التى تحقق استغناءك وثباتك وتمكنك من النفوذ لدى الآخر. فإذا أصر هذا الآخر على عدم إدراك ما لديك وطوعت له نفسه أن يبادرك بعدوان مسلح عنيف، فلا حيلة لك إلا فى صد العدوان، فإذا تربص فلابد من رده حيث جاء، فإذا لم يعلن بشفافية تامة ندمه وتراجعه، فلابد من إجهاض قواه العنيفة وتقليم أظافره دون تنكيل أو إبادة أو مساس بغير آلة العدوان، وكأنك تقول له ((..وَإِنْ عُدتُمْ عُدْنَا..)).

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات