هامش للديمقراطية.. ظاهرة المواطنين الشرفاء - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية.. ظاهرة المواطنين الشرفاء

نشر فى : الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

نعود إلى البدايات: بينما يستند التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع إلى ضمان حريات وحقوق المواطن الفرد وتمكينه من المشاركة فى إدارة الشأن العام واحترام اختياراته الفردية والجماعية (أى تلك التى يتبناها مع آخرين فى كيانات متنوعة كالجمعيات والمنظمات والأحزاب والمؤسسات)، فإن غياب الديمقراطية يرتب اختفاء المواطن الفرد الذى يتحول فى نظم الاستبداد والسلطوية والموجات الفاشية إلى مجرد عضو فى كتل صماء تستدعى لتأييد اختيارات وسياسات نخب الحكم أو يمارس ضدها القمع والاستبعاد والإقصاء.

وفى الاستدعاء للتأييد كما فى القمع لا وجود للمواطن الفرد ولا شرعية لاختياراته، فقط كتل صماء تصنفها نخب الحكم إلى طالحة وصالحة أو شريفة وفاسدة أو مخلصة وخائنة وفقا لمعايير الولاء والتأييد.

وتعمد نظم الاستبداد والسلطوية والموجات الفاشية، وهى تهدد أو تقمع الحريات وحقوق الإنسان وتباعد بين دولها ومجتمعاتها وبين التحول الديمقراطى أو تنقلب على الديمقراطية، إلى توظيف ثنائياتها التصنيفية إما لحشد التأييد الجماهيرى لسياسات واختيارات بعينها أو لصناعة انطباع زائف بالقبول الشعبى أو لتصعيد الضغوط المادية والمعنوية على المعارضين والمدافعين عن حريات وحقوق المواطن الفرد بتوصيفهم كطالحين أو فاسدين أو خونة. وفى خبرات الاستبداد والسلطوية والفاشية الحديثة، لم تعدم نخب الحكم أبدا كتل المواطنين الصالحة والشريفة والمخلصة، ولم يتردد الكثير من الكتل هذه وهى تستدعى للتأييد فى التخلى عن الإنسانية وتبرير العصف بالحريات والحقوق والقمع.

كتلة صماء من مواطنين شرفاء يحرقون كتابات ولوحات وقصائد الأدباء والرسامين والشعراء الألمان المنتمين للديانة اليهودية وغيرهم من المدافعين عن الحرية فى ثلاثينيات القرن الماضى. كتل صماء من مواطنين شرفاء يتورطون على امتداد القارة الأوروبية فى ترحيل اليهود الأوروبيين إلى معسكرات الاعتقال وأفران الغاز فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى. كتل صماء من مواطنين شرفاء يؤيدون الديكتاتوريات العسكرية فى إسبانيا والبرتغال وبعض جمهوريات أمريكا اللاتينية ويهللون للقمع وللقتل وأحيانا لجرائم ضد الإنسانية (ضد السكان الأصليين فى أمريكا اللاتينية).

كتل صماء من مواطنين شرفاء وبعد تعرض ذويهم لقمع وتعذيب الفاشيات الأوروبية يذهبون أواسط القرن الماضى إلى فلسطين للمشاركة فى إعادة إنتاج ذات القمع والتعذيب ضد السكان العرب تحت يافطة دولة إسرائيل بدلا من البحث عن الحرية وحقوق الإنسان. كتل صماء من مواطنين شرفاء فى الاتحاد السوفييتى السابق وبعض دول الكتلة الشرقية السابقة (شرق ووسط أوروبا) يقبلون انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وجرائم اختفاء قسرى لمعارضى نخب الحكم الشيوعية ويبررون ذلك بخطر الرأسمالية العالمية وضرورة بناء مجتمعات العدالة الكاملة. وغير الكتل الصماء هذه الكثير والكثير فى تواريخ المجتمعات البشرية.

وفى عالمنا العربى، شغلت كتل المواطنين الشرفاء حيزا واسعا فى الحياة المجتمعية والسياسية مع صعود نظم الحكم المستبدة والسلطوية فى النصف الثانى من القرن العشرين. وفى المقابل، استبعدت القطاعات والمجموعات التى صنفت كفاسدة أو خائنة أو معادية للثورة أو رجعية، إلى آخر هذه التصنيفات التى لم يغب إلى اليوم رنين تواترها وضجيجها عن مسامع المصريات والمصريين الذين عاشوا الخمسينيات والستينيات بوعى أو عن العراقيات والعراقيين الذين عاصروا حكم الطاغية صدام حسين أو عن الأحياء من السوريات والسوريين الذين يعيشون كارثة القتل والجرائم ضد الإنسانية تحت يافطات التصنيف والتمييز بين الشرفاء والفاسدين.

لا عجب، إذن، فى عودة ظاهرة المواطنين الشرفاء إلى مصر ومنذ قيام ثورة يناير التى أرادت الحرية والحق والديمقراطية والكرامة. لا عجب، إذن، فى دفاع هذه الكتل الصماء عن انتهاكات الحريات والحقوق والحلول الأمنية ولا فى انقضاضهم على من يرفضون تمديد حالة الطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين. لا عجب، إذن، فغياب الديمقراطية أو تعثر مسارات التحول باتجاهها يحدث فى الدول والمجتمعات من التشوهات والاختلالات ما هو أعمق وأخطر من هذا.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات