عن الحرب الأمريكية ــ الإيرانية على الأرض العربية - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحرب الأمريكية ــ الإيرانية على الأرض العربية

نشر فى : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م

منذ أن تفجرت إيران بالثورة الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الموسوى الخمينى تبدى العداء واضحا للولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى، وبالدرجة الثانية الاتحاد السوفيتى.
أقدم أنصار الثورة على احتلال السفارة الأمريكية فى طهران، كما طُرد السفير الإسرائيلى ومعه «الخبراء الإسرائيليون» فى مختلف المجالات، وكان منهم خمسمائة «خبير» فى وزارة الزراعة وحدها. وكان مبنى السفارة الإسرائيلية يحتل نصف شارع أساسى فى طهران، وقد جعلتها الثورة مقرا لسفارة فلسطين.
ولقد استقبلت الجماهير العربية هذه الثورة بالترحاب والتأييد خصوصا وأن الشاه كان فى نظر هذه الجماهير حليفا للعدو الإسرائيلى ولمشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة بكاملها، بالاستناد إلى قاعدته فى فلسطين المحتلة ومعها بعض الأنظمة العربية التى كانت «تناصر» الشاه خوفا، أو طمعا بالرضا الأمريكى.
كانت هذه الجماهير تحتفظ فى ذاكرتها بصورة «البطل».. لمحمد مصدق الذى أقدم على تأميم النفط فى إيران، وتهديد حكم الشاه الذى هرب من البلاد، ولم يعد إلا بعد أن رتبت المخابرات الامريكية انقلابا على مصدق وإنهاء مشروع التغيير الثورى فى «بلاد فارس».
على أن دول الخليج العربى، والسعودية بالتحديد، قد هادنت النظام الجديد رافع شعار تحرير فلسطين وخالع الشاه الذى كان يهددها ويبتزها سياسيا وماليا، ويعامل «العرب» إجمالا على أنهم «بدو متخلفون»، ولا يستحقون شرف أن يكونوا من «رعاياه».
لكن هذه المهادنة لم تستمر طويلا فبدأ فتح الملفات الخلافية: موضوع الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات والتى وضعت إيران الشاه يدها عليها، وفضل الشيخ زايد بن سلطان رئيس الدولة، التعامل مع الموضوع بهدوء لأن «ليس لنا القدرة على مواجهة «إيران».
***
فى أى حال، لم تتأخر إيران ــ الثورة، وتحت شعار تحرير فلسطين، عن التحرك لنشر روح ثورتها الإسلامية فى محيطها العربى، خصوصا وقد وجدت فى سوريا حافظ الأسد الذى كان السادات قد تخلى عن شراكته فى حرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر 1973)، حليفا رئيسيا فى المشرق العربى.
عبر سوريا وبالاعتماد على الحساسيات الطائفية، باشرت إيران دعم المقاومة الإسلامية ــ «حزب الله» ــ فى لبنان الذى شكل طليعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان.. وقد استجاب الآلاف من شباب الطائفة الشيعية فى الجنوب أساسا والبقاع (بلاد بعلبك) وضواحى بيروت الجنوبية إلى هذه الدعوة للجهاد، ونشأ «حزب الله» الذى قدم تضحيات غالية من أجل تحرير الأرض.. حتى تم ذلك فى 25 مايو العام 2000.
وهكذا تعاظم نفوذ إيران، باعتبارها «شريكة» فى التحرير، وإن كانت هذه الشراكة تمت بتسهيلات مفتوحة قدمتها سوريا..
خلال هذه المدة كان صدام حسين قد ورط العراق فى حرب بلا أفق ضد الثورة الإسلامية فى إيران، استمرت لسبع سنوات قاسية، انتهت بهزيمة إيران من دون أن يكون ذلك نصرا خالصا لصدام.. خصوصا وأن نفوذ إيران الذى كاد يتحول إلى تحالف مع سوريا ــ حافظ الأسد قد مكن «حزب الله» فى لبنان من التحول إلى قوة عسكرية استراتيجية بقدرات ممتازة أهمها استعداد الشباب المؤمن للاستشهاد تحقيقا لما يؤمن به.
بعد ذلك قام صدام حسين بمغامرته الثانية، فأقدم على احتلال الكويت فى أوائل العام 1992، مما استنفر الدول العربية والغرب بالقيادة الأمريكية، فأقيم تحالف عسكرى ضخم عربى ــ غربى نجح فى تحرير الكويت واحتلال بعض العراق.
ثم كانت الضربة القاضية لنظام صدام حسين عبر شن الأمريكيين حربا شاملة ضد العراق دمرت عمرانه وفككت جيشه تحت أثقال الهزيمة.. لكن صدام حسين تمكن من أن يظهر كبطل قومى وهو يتقدم إلى حبل المشنقة يحيط به بعض الغوغاء من «الشيعة» الذين عانوا الكثير من «تعصب» صدام، علما بان العراقيين جميعا قد دفعوا من بلادهم وحريتهم ثمنا لطغيانه.
***
كان الوجه الآخر لهزيمة صدام حسين فى العراق تعاظما للنفوذ الإيرانى فى سوريا، ولبنان حيث كان «حزب الله» كان قد بات قوة سياسية مهمة برصيد إضافى نتيجة دوره البطولى فى إجلاء الاحتلال الإسرائيلى عن الأرض اللبنانية التى كان احتلها وتوسع فى احتلالها تدريجيا، حتى كانت حربه على لبنان والمقاومة الفلسطينية فيه (وبعض الجيش السورى) فى صيف العام 1982.
ومنذ ذلك الوقت بدأ جهاد «حزب الله» ضد العدو الإسرائيلى، بدعم إيرانى مباشر، عبر سوريا وبتأييد منها، يزيد من رصيد إيران.. لا سيما بعد إسقاط صدام حسين فى العراق وتقدم النفوذ الإيرانى فيها من خلال العداء المعلن للهيمنة الأمريكية، داعمة إسرائيل، والمعادية لحرية الشعوب.
صارت إيران، كأمر واقع، موجودة، سياسيا وعسكريا، فى سوريا، وفى لبنان (ولو عبر دعمها لـ«حزب الله»)، وفى العراق عبر دعمها لبعض القوى السياسية فيه (لا سيما فى أوساط الشيعة).
فى هذا الوقت كانت القضية الفلسطينية تفقد بعض قداستها، نتيجة عجز الكفاح المسلح عن إنجاز التحرير، خصوصا بعد ابتداع «السلطة» وتحول من كانوا مجاهدين انطلاقا من الدول العربية المجاورة لفلسطين إلى شرطة تخضع ــ عمليا ــ لسلطة الاحتلال.
ولقد وجدت إيران، فى هذه الفترة أكثر من تنظيم فلسطينى بحاجة إلى دعمها لتبقى راية الكفاح المسلح مرفوعة، وهكذا أغدق الإيرانيون مساعدات مهمة (تسليحا وتمويلا) على بعض هذه المنظمات («حماس» و«الجهاد»).
بالمقابل كانت الأنظمة العربية المعنية تتنبه ــ بتحريض أمريكى معلن ــ إلى خطورة هذا «التغلغل الإيرانى».. فهبت تقاتل «النفوذ» الذى تمادى متقدما من بغداد إلى سوريا فإلى لبنان مع دغدغة مشاعر «الزيود» فى اليمن وتشجيع تنظيمهم بقيادة الحوثيين، وتسليح خصوم النظام الذى انتهى بعد إسقاط الرئيس المغدور على عبدالله صالح فى احضان التحالف العربى بقيادة السعودية والامارات الذى يقاتل الحوثيين.
***
ها هى الولايات المتحدة الأمريكية تندفع إلى «الحرب» مع إيران، من دون أن تعلنها رسميا.. وإن كانت إدارة ترامب قد أعلنت انسحابها من الاتفاق النووى مع طهران، كمدخل إلى حصار كامل «للتمدد الفارسى»!
بالمقابل ترتفع لهجة بعض الدول العربية فى تأييد ترامب، وتشارك فى حصار إيران، و«تطارد» نفوذها فى العراق، أساسا، كما فى سوريا، وتقاتلها ــ مع السعودية ومعظم دول الخليج العربى ــ فى اليمن، مؤيدة الموقف الأمريكى حتى حافة الحرب.
على أن سوريا التى تعانى من الحرب المفتوحة فيها وعليها، ما زالت فى موقع الحليف مع إيران.. كما أن «حزب الله» الذى بات أقوى حزب سياسى، على المستوى الشعبى فى لبنان، لا يخفى استعداده لقتال خصوم إيران فى المنطقة، بالقيادة الأمريكية والتحالف الوطيد مع «دولة يهود العالم» فى فلسطين، إسرائيل.
وإذا كان ثمة «تحالف ما»، ولو موضعى، يربط بين الروس وإيران فى سوريا، فإن واشنطن بدأت تجاهر باستعدادها لمواجهة النفوذ الإيرانى فى العراق.. والأزمة الوزارية الراهنة، فى بغداد، دليل واضح على التحول من المهادنة إلى المخاصمة.
والعرب، كالعادة، يغطون فى سبات عميق، وقد نسوا وتناسوا فلسطين، وهجروا النضال، فضلا عن الكفاح المسلح.. أقله حتى إشعار آخر!

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات