الاقتصاد العراقى.. الأزمات والتنمية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد العراقى.. الأزمات والتنمية

نشر فى : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م

نشر موقع جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ المتخصص فى شئون الطاقة ــ وجاء فيه:
يعتبر كتاب الدكتور على خضير مرزا الذى يحمل عنوان «الاقتصاد العراقى.. الأزمات والتنمية»، والصادر فى بيروت فى يوليو الماضى، مرجعا أساسيا عن الاقتصاد العراقى، يضاف إلى المؤلفات الاقتصادية لكل من الدكتور محمد سلمان حسن والدكتور خير الدين حسيب، التى نشرت فى أوائل النصف الثانى من القرن العشرين.
وتشكل هذه الأدبيات المراجع الأساسية للتطور الاقتصادى العراقى، إضافة إلى عشرات الكتب والمصادر المتخصصة التى ترفد المكتبة العربية بالدراسات عن دولة العربية موعودة اقتصاديا، ولكن تعثرت وتدهورت بسبب الحروب والسياسات المرتجلة وسوء الإدارة والفساد.
وما يميز المراجع الأساسية أنها عالجت تحول الاقتصاد العراقى من الاعتماد على الزراعة والتجارة، إلى الاقتصاد الريعى النفطى. وشرح مرزا فى البداية مسلسل الأزمات السياسية والاجتماعية والجيوسياسية التى تركت آثارا سلبية فى الاقتصاد العراقى، على الرغم من الموارد الطبيعية والبشرية المتوافرة له. ولا يُخفى موقع البصرة الاستراتيجى، التى تشهد حركة احتجاجية ملتهبة، والتى تعتبر عاصمة العراق الاقتصادية كونها ميناء البلاد على مجرى شط العرب وذات التاريخ التجارى مع الدول المجاورة والإقليمية الممتدة من دول الخليج إلى الهند وأوروبا. وشكل مطار البصرة نقطة عبور للعديد من شركات الطيران العالمية ذهابا وإيابا من الشرق إلى الغرب. وتحوى البصرة أيضا عائلات يُشهد لها بتاريخها التجارى وبأدائها الناجح والواسع داخل العراق وخارجه. وكان بعض هذه العائلات يدير أسطولا بحريا تجاريا، وأخرى بدأت تصدير التمور المغلفة والمعلبة، وبعضها تخصص فى تجارة الحبوب والماشية. والإشارة إلى البصرة اليوم ضرورى على ضوء الحركات الاحتجاجية والشلل الذى أصابها، وشحُ مياه الشرب والانقطاع المستمر للكهرباء. فشح المياه لا يعود فقط إلى عدم توافرها، خصوصا وأن شط العرب يحاذى شواطئ المدينة، والمشكلة لا تكمن فقط فى السدود التى شيّدتها تركيا، فهذه المشاريع ليست جديدة. وإغلاق إيران عشرات الأنهر والروافد خلال الشهور الماضية كان أُعلن عنه مسبقا. ولكن المشكلة تكمن فى عدم إنجاز محطة جديدة لتكرير المياه فى الوقت المناسب، وفى سياسة التوظيف العشوائية التى اعتمدها النظام منذ عام 2003، والتى نتج عنها تعيين موظفين حزبيين غير مؤهلين ومن دون خبرة وتعليم مناسب، وشيوع ظاهرة النهب والسرقة.
ومن الصعب التطرق إلى أزمات الاقتصاد العراقى الحديث من دون الولوج فى التحديات الاجتماعية، أى أسباب هجرة العائلات التجارية وتهجير الأقليات المتخصصة فى الأعمال التجارية. ولا يمكن توجيه أصابع الاتهام فقط إلى دور «الفخ الريعى النفطى»، على الرغم من أن هذا عامل مهم فى الأزمة، إذ استطاعت دول مجاورة التعايش مع الريع النفطى وفى الوقت ذاته الحفاظ على التجارة الحرة والتخطيط الاقتصادى.
وسلط مرزا الضوء على مشكلتين، الأولى الارتفاع الكبير فى عدد السكان العالية، الذى يبلغ نحو 3 فى المائة سنويا، البطالة، والثانية شحّ المياه. ولكن كان من الضرورى التعمّق فى شرح تحديين آخرين ذات أهمية أيضا، الأول خسارة العراق البيوت التجارية وكبار المزارعين، التى بدأت منذ التحولات السياسية خلال ثورة 1958 وبعدها. أما التحدى الثانى فيتمثل فى انتشار الفساد بشكل غير مسبوق من قمة السلطة إلى أسفلها بعد غزو عام 2003.
ووضع مرزا إصبعه على الجرح الكبير للاقتصاد العراقى الحالى، حيث تتمحور سياسة حكومات بعد عام 2013 على التوظيف الحكومى العشوائى، وقال: «بعد انهيار أسعار النفط فى 2014ــ2015، ظهر واضحا أن التوظيف فى الجهاز الحكومى وصل حدّه، وبدأت بوادر تطبيق برنامج صندوق النقد الدولى نهاية عام 2016، والذى اشترط وضع حد أعلى للتوظيف الحكومى».
وتوقع الكتاب زيادة عدد الداخلين إلى سوق العمل بحوالى 482 ألف شخص سنويا، وتكمن معضلة الحكومات بعد عام 2013 فى اعتمادها سياسة توظيفية حزبية عشوائية تشترط إفادة الحزبيين والأنصار على رغم عدم خبرتهم أو درايتهم بالعلوم والإدارة، وافتراض استمرار أسعار مرتفعة للنفط تغطى مسيرتهم الخاطئة، ولكن ظهر كل هذه الرهانات أثبتت فشلها عند انهيار الأسعار.
وحرص مرزا، وهو الخبير النفطى والاقتصادى، على شرح السياسات النفطية العراقية والمتغيرات الدولية، أى سياسات منظمة «أوبك»، المؤثرة فيها، ومرحلة الامتيازات النفطية والإدارة الوطنية. ويعتبر الفصل عن «المشهد النفطى بعد تغيير عام 2003» مرجعا أساسيا، مدعوما بالتحاليل والتفاصيل لهذه الفترة التى اكتظت باللغط حول ماهية العقود النفطية للحكومة المركزية وإقليم كردستان، والعلاقات والخلافات النفطية بين المركز والإقليم، والتى كادت تؤدى إلى تقسيم البلاد.
وقدم مرزا تحليلا للتفاوت فى علاقة بغداد بالمحافظات فى ظل النظام الفيدرالى، ولقواعد تقاسم الريع النفطى. وعالج الاقتراحات والانتقادات حول سياسة التوزيع المباشر لعوائد النفط على المواطنين العراقيين. وهذا الموضوع الذى لا يزال يثير الكثير من الجدل، اذ يدعى بعض مؤيديه أنه سيؤدى إلى إضعاف نفوذ الحكم الديكتاتورى، وكأن الديكتاتوريات تكون فقط مع الريع النفطى. ويدعى مناهضون للموضوع أن المشروع غير عملى وسيعرقل التنمية الاقتصادية، ناهيك بصعوبة تنفيذه فى ظل غياب عقد اجتماعى وشيوع الفساد.
وشكل تحليل مرزا لمختلف جوانب هذا النقاش، أى إيجابياته وسلبياته، مرجعا فى النقاشات حول مشروع توزيع الريع النفطى، وأهمية نجاح أو إخفاق تنفيذه فى الدول النفطية الأخرى. ويوفر شرح السياسة النفطية بعد عام 2003، وجهة نظر دقيقة ومهنية فى ظل اللغط الذى صاحبها، خصوصا العائدات المالية الناتجة عنها والمسئولية تجاه الشركات.

الحياة ــ لندن

التعليقات