النجوم تنفجر وتموت - داليا شمس - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النجوم تنفجر وتموت

نشر فى : السبت 18 نوفمبر 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 18 نوفمبر 2017 - 8:35 م

السماء أعلى البحر تذكرنا أنها هنا منذ الأزل. لا شيء يعكر صفو هذه الليلة فى جنوب سيناء، وأنا فى معية النجوم، ترمقنى وتسطع كغيرها من النجوم التى يمكن أن نراها بالعين المجردة لأنها تقع على بعد حوالى ألف سنة ضوئية من الشمس، ويبلغ عددها ستة آلاف نجمة تقريبا. هل هذه هى صديقة البحار التى ازداد لمعانها فى تلك الليلة تحديدا؟ أم هى إحدى
«السوبر نوفا« (النجوم المتفجرة) التى تحدثوا عنها فى الصحف العالمية الأسبوع الماضى، فقالوا إنها ظلت على قيد الحياة وصارعت خمسة تفجيرات عرفتها تباعا منذ عام 1954، وكان آخرها فى 2014، فبدلا من أن تحتضر كبعض النجوم تحولت إلى «سوبر نوفا«، أى أقدمت على عملية «انتحارية« سريعة تودع بها مرحلة شيخوختها بانفجار مروع لا يمكن أن نتصور قوته، إذ يساوى ملايين الملايين من القنابل الهيدروجينية. حالة هذه السوبر نوفا التى تحدثوا عنها مؤخرا فريدة من نوعها، لأنها جددت شبابها وانفجرت خمس مرات وظلت على قيد الحياة، ظلت تلمع بعد مرور أكثر من عامين على آخر انفجار، وهو شيء نادر وأظن لم يتكرر بهذا الكم وعلى هذا النحو، أو على الأقل لم يتم رصده من قبل.
***
أحتفظ لنفسى بلمعان هذا النجم، دون أدنى رغبة فى أن أخوض فى تفاصيل الانفجار العلمية وأسبابه التى تتعلق بتراكم مادة الحديد فى مركز النجم وارتفاع درجة الحرارة فى قلبه، إلى ما غير ذلك، فهذا شأن المتخصصين، واكتفى بمتابعة سحر الضوء الناتج عن انفجار نجم صار أكثر شاعرية فى نظرى. أكتفى بالتمعن فى دورات الحياة والموت، فالنجوم مثلنا تولد وتحيا وتموت. فى بعض الأحيان تنطفئ وتختفى فى هدوء، وفى أحيان أخرى تنفجر قبل أن تموت. أى أن فى كل مرة نرى نجما وقد ازداد بريقه، نعرف فى مكان ما أنها ربما آخر مرة سيلمع ويرمقنا هكذا، وبعبارة أخرى النجم الذى نراه اليوم قد يكون قد اختفى من الوجود منذ آلاف السنين، ومازلنا نرى نوره فقط الآن، لأن وصول ضوء النجوم إلينا يستغرق آلاف وملايين السنين. فقط يظل يرمز إلى المحال، إلى ما نصبو إليه ولا نطاله بالضرورة، إلى ماض صار بعيدا لكن لايزال أثره معنا، يضيء سماءنا ويلقى بظلاله علينا.
***
لن يغيب عن ذاكرة الصحراء ذلك البدوى الذى يحمل عصاه فى يده، و ينظر إلى السماء الداكنة ليراقب نجم الثريا بصبر شديد، وسيظل هناك الدليل الذى يعتمد على النجوم وأهمها النجم القطبى أى نجم الشمال لكى يعرف الطريق، فهو النجم الوحيد الثابت الذى يساعد على الحركة ليلا، وإن كان ليس أكثرها لمعانا. من حوله يدور نجمان آخران يقال لهما «الحارسان«، لم يقلل اختراع الجى بى أس أو نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية وتحديد الموقع الجغرافى من أهميتهما كعلامات على الطريق وفى السماء.. علامات أخذنا بها منذ ألف وخمسمائة سنة عندما كان البابليون أول من درس علم النجوم.
***
أنظر إلى أعلى، من شرفتى فى جنوب سيناء، وأعلم أن ثمة مرشدون مزيفون فى هذا العالم أكثر مما فيه من نجوم. أنظر إلى النجمة التى قررت واعتبرتها «سوبر نوفا« وإلى البحر من تحتها، فأفكر فى عدد الشباب الذين تدفعهم الحاجة والقهر والظلم إلى الهلاك لتحقيق حلم السفر إلى أرض أكثر رحابة. ثم أنظر إلى الجبال والصحراء من حولى فأتذكر كل الوجوه التى مررت بها فى طريقى إلى سيناء، وجوه الجنود التى كلما رأيتها كنت أتساءل إن كنت سأراها مجددا عند العودة أم ستكون قد اختفت من جراء انفجار فى مكان ما. يلازم هؤلاء قطعا فى رحلتهم ووحدتهم نجمة تؤنس وحشة الصحراء والبحر.. نجمة وحيدة ماتت قبل أن يصلنا ضوءها.

التعليقات