مصر وبوتين والمشروع النووى - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر وبوتين والمشروع النووى

نشر فى : الإثنين 18 ديسمبر 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 18 ديسمبر 2017 - 10:45 م
قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزيارة سريعة لمصر يوم الإثنين ١١ ديسمبر الماضى كان من أبرز نتائجها التوقيع أخيرا على عقد إنشاء المفاعل النووى فى الضبعة والذى طال انتظاره. وقد قيل الكثير حول جدوى هذا المشروع ومدى أهميته وفائدته فى ضوء التكلفة العالية له، ولا أنكر أنى كنت شخصيا من غير المتحمسين له فى البداية، غير أن رأيى تغير لأسباب سأعرضها فى سياق هذا المقال. ولكن علينا أولا أن نفهم موقع هذا العقد فى الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس بوتين للقاهرة، وما تمثله من أهمية فى منظومة العلاقات المصرية الروسية قبل التطرق لأهمية هذا المشروع بالنسبة لمصر. 

ولنبدأ أولا بالزيارة الروسية لمصر والتى جاءت فى منتصف جولة سريعة قام بها الرئيس الروسى للمنطقة، بدأها بالتوقف فى القاعدة الجوية الروسية بحميميم فى سوريا، وانتهت بتركيا فى نفس اليوم. إذن هى كانت زيارة عمل مكثفة للغاية ولبضعة ساعات وكانت أهدافها واضحة ومحددة بدقة، ويأتى على رأسها التوقيع على العقد المذكور. وقد سبق الزيارة القرار الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، فضلا عن اغتيال الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح بعد انقلابه على حلفائه السابقين من الحوثيين. إلا أن التطور اللافت للنظر كان إعلان الرئيس بوتين قبل ساعات من زيارته للقاهرة وفى أثناء وجوده بقاعدة حميميم السورية وسط جنوده وقواته عن بدء سحب الجزء الأكبر من هذه القوات من سوريا وعودتها لروسيا بعد انتهاء مهمتها هناك. وهو الإعلان الذى يحمل فى طياته معنى رفع راية النصر وتحقيق روسيا لأهدافها فى سوريا. يقابل ذلك غضب واستياء شديدين فى المنطقة من القرار الأمريكى سالف الذكر، فضلا عما أصاب السياسة السعودية فى اليمن من انتكاسة جراء اغتيال على عبدالله صالح. 

زيارة القاهرة تأتى أيضا بعد عدة أيام من تداول وسائل الإعلام المختلفة لاتفاق مصرى روسى حول استخدام القوات الجوية لكلا الطرفين للقواعد الجوية الموجودة فى البلدين، وهو أرفع اتفاق عسكرى بين الدولتين منذ قرار طرد الخبراء السوفيت فى عام ١٩٧٢. وإذا أضفنا إلى ذلك مشروع الضبعة النووى الذى يرقى فى ضخامته لمشروع السد العالى فى الخمسينيات والستينيات، فإن ذلك يعنى أن العلاقات المصرية الروسية قد شهدت قفزة نوعية ضخمة.

وعودة إلى مشروع الضبعة النووى، فمن الطبيعى أن يشير البعض إلى التكلفة الباهظة للمشروع، والمقدرة بخمسة وعشرين مليار دولار، منها عشرين مليار دولار قرض من روسيا، وهو ما يضيف أعباء جديدة على الديون الخارجية والتى وصلت إلى ٧٩ مليار دولار، دون حساب القرض الروسى. وإذا أضفنا إلى ما سبق ما تتمتع به مصر من ميزة كبرى فى مجال الطاقة الشمسية، وكيف يمكن لمصر أن تصبح من الدول الرائدة فى ذلك المجال لو أحسنت استغلال إمكانياتها هذه، فإن الحديث عن الطاقة النووية يصبح إسرافا وترفا من وجهة النظر هذه.

كما أشرت أنا لم أكن من المتحمسين كثيرا لبناء مفاعل نووى مصرى، إلى أن شاركت ــ عندما كنت سفيرا لمصر لدى روسيا ــ فى زيارة وزير الكهرباء المصرى الأسبق المهندس حسن يونس والوفد المرافق له من هيئة الطاقة الذرية المصرية لروسيا فى خريف عام ٢٠١٠ من أجل بحث موضوع إنشاء مفاعل نووى فى مصر. وكان من ضمن برنامج الزيارة الذهاب إلى أحد المفاعلات النووية الروسية القريبة إلى حد ما من العاصمة والتى ذهبنا إليها عن طريق طائرة مروحية لمدة نحو ساعة ونصف تقريبا. وهناك فقط أثناء زيارة المفاعل الروسى أدركت أهمية هذا المشروع لمصر وكيف أنه يمكن أن يصبح السد العالى الجديد، ليس فقط لقدرته على توليد الكهرباء وتوفير طاقة نظيفة، ولكن من ناحية إعداد وتدريب علماء فى تخصصات عديدة ونقل تكنولوجيا متطورة للغاية إلى مصر، هذا ناهيك عن دخول عصر الذرة التى تأخرنا عنه طويلا. الموضوع ليس مجرد محطة أو مفاعل منعزل وقائم بذاته، يأتى إليه الوقود النووى من الخارج ويتم توليد الكهرباء وينتهى الأمر عند ذلك الحد، ولكن نظام كامل متكامل من خدمات وصناعات تكميلية وأعمال صيانة وتشغيل تتطلب خبرات ومهارات لآلاف من العلماء والفنيين والمهندسين. أى نظام تعليم وتدريب وبنية تحتية تستطيع توفير الأفراد والكوادر العلمية اللازمة لإدارة مثل هذا المشروع بما يتطلبه ذلك من معرفة التقنيات العلمية المصاحبة لتشغيل وصيانة مفاعل نووى وهو ليس بالأمر السهل. الحصول على هذه المعرفة وبناء تلك المنظومة هو ما يفسر أسباب تمسك الجانب الإيرانى ببناء برنامج نووى رغم ما يملكونه من مصادر أخرى للطاقة. ورغم ما يصاحب البرنامج النووى الإيرانى من شكوك حول نواياها السلمية، إلا أن إيران اليوم أصبحت تملك مفاتيح هذه التكنولوجيا، وهو الأمر الذى يثير غضب واستياء إسرائيل التى تريد الاحتفاظ بتكنولوجيا الطاقة النووية لوحدها فى المنطقة واحتكار معرفتها. 

سبق لى أن شرحت فى مقال سابق ما بات يسمى بالثورة الصناعية الرابعة، وكيف أنه قد آن الأوان لمصر أن تلحق بركاب هذه الثورة إن أرادت أن تكون ضمن منظومة دول القرن الواحد والعشرين. ولا شك لدى أن دخول مصر عصر الذرة وامتلاك مفاتيح التكنولوجيا النووية يمثل طريق مصر لدخول القرن الواحد والعشرين، وأن هذا الموضوع بات يمثل أولوية للأمن القومى المصرى يفوق ويسبق العديد من الأولويات الراهنة كتوسيع قناة السويس أو بناء العاصمة الإدارية الجديدة. وأن ما تم ويتم تخصيصه من موارد لهذين المشروعين وحدهما كان كفيلا بالنهوض بالبرنامج النووى المصرى دون تحمل أعباء إضافية وإرهاق الميزانية المصرية المرهقة أصلا، خاصة أننا لا نتحدث فقط عن إنشاء مفاعل نووى فى الضبعة ولكن نتحدث عن إصلاح شامل لنظام التعليم حتى نستطيع تخريج الكوادر اللازمة لتشغيل مثل هذا المشروع وجميع المرافق المرتبطة به، والانتقال بمصر إلى مصاف الدول الحديثة المتقدمة واللحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة.

 

التعليقات