تيران وصنافير.. صراع السلطات والإرادات - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تيران وصنافير.. صراع السلطات والإرادات

نشر فى : الخميس 19 يناير 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 19 يناير 2017 - 9:55 م
جاء حكم «المحكمة الإدارية العليا» الأخير برفض الطعن المقدم من الحكومة المصرية على بطلان اتفاقية «ترسيم الحدود مع السعودية» مع تأييد وتأكيد مصرية جزيرتى «تيران وصنافير» لينهى أحد أغرب المنازعات القضائية على وجه الأرض. إذ لم يعرف التاريخ واقعة بهذه الغرابة حيث يختصم الشعب حكومته التى تريد التصديق على اتفاقية بها تنازل عن جزء من إقليم البلاد تراه الحكومة ليس جزءا من مصر بينما يراه المواطنون جزءا أصيلا من الوطن لا يمكن التفريط فيه!

حكم الإدارية العليا كان قاطعا ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين «جمهورية مصر العربية» و «المملكة العربية السعودية» فى أبريل سنة 2016 والمتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية. بالتالى فقد ترتب على هذا الحكم آثار أهمها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصرى وضمن حدود الدولة المصرية، بل واستمرار السيادة المصرية عليهم وحظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح أية دولة أخرى. وقادت حيثيات الحكم للنتيجة النهائية التى جاء فيها (وبهذه المثابة يكون الإجراء الإدارى الذى سمته الحكومة المصرية فى تقرير طعنها «اتفاقا مبدئيا بترسيم الحدود» وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين ــ أيا كانت المبررات الدافعة ــ حال كونهما ضمن الإقليم المصرى مخالفا للدستور والقانون لوروده على حظر دستورى مخاطبا به السلطات الثلاث، والشعب ذاته، ولانطوائه على خطأ تاريخى جسيم ــ غير مسبوق ــ يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصرى فى أجياله السابقة وجيله الحالى والأجيال القادمة وليس ملكا لسلطة من سلطات الدولة، ولذا فإن الحفاظ عليه والدفاع عنه فريضة مُحكمة وسُنة واجبة.. فهذا التراب ارتوى على مر الزمان بدماء الشهداء التى تُعين وتُرسم حدوده.. باق وثابت بحدوده شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وسلطات الدولة متغيرة، خاصة وأن التنازل عنه ــ على النحو المتقدم – سيفقد مصر حقوقها التقليدية على مياهها الإقليمية التى مارستها عبر قرون، فضلا عما يشكله من تهديد دائم للأمن القومى المصرى، وإضرار بمصالحها الاقتصادية فى مياهها الداخلية الإقليمية ).

***

لا يمكن أن يتصور أحد بعد قراءة هذه الحيثيات أن يصر البعض على السباحة عكس التيار، بل والإصرار بالزج بالدولة فى خلاف دستورى قانونى تشريعى من خلال الحديث عن اللجوء للمحكمة الدستورية للفصل بين السلطات، إلى جانب تنحية القضاء الذى حكم بمصرية الجزر والبرلمان ــ الذى تشعر من تصريحات عدد ليس قليلًا من أعضائه بميلهم لإقرار الاتفاقية، ومساندة السلطة التنفيذية فى توقيعها على الاتفاقية التى تنهى السيادة المصرية على الجزيرتين«تيران وصنافير»!

سياسيا جاء حكم الإدارية العليا كطوق نجاة للبرلمان للخروج من المأزق والنجاة من كرة اللهب التى ألقيت إليه. لذلك فقد كان تعليق رئيس البرلمان صادما حين قال معلقا على الحكم (البرلمان هو الجهة الوحيدة المنوط بها تحديد دستورية ترسيم الحدود).

من المفترض أن تتراجع الحكومة عن موقفها وتغلق الملف فورا احتراما للإرادة الشعبية ونزولا على أحكام القضاء النهائية، لكن يبدو أن هناك ما هو أبعد مما نراه خلف الكواليس بسبب هذا الإصرار الغريب والعناد غير المنطقى لتسليم الجزر للمملكة السعودية !

يرى بعض الأشقاء فى السعودية أن المعركة القانونية التى خاضها المواطنون المصريون ضد حكومتهم هى نوع من تصفية الحسابات الداخلية. والحقيقة غير ذلك فهذه القضية لم تكن من باب النكاية السياسية ولم تكن تستهدف إفساد العلاقات المصرية ــ السعودية، وإنما كان الباعث الأول هو المشاعر الوطنية المكلومة التى رأت فيما حدث انتقاصا من السيادة الوطنية واستهزاءً بالعقول بسبب الطريقة الغريبة التى تمت بها إدارة الأزمة من البداية. لو اقتنع المصريون للحظة واحدة بعدم مصرية الجزر لكان موقفهم موافقا للحكومة؛ لكن الغالبية العظمى من المصريين شعرت بالمهانة والإذلال والتفريط بسبب طريقة ما حدث وعدم وجود شواهد وبراهين واضحة تؤكد هذا الزعم.

كان الساقط الأكبر بامتياز فى أزمة الجزر هو الإعلام الموالى للسلطة الذى انطلقت أبواقه من اليوم الأول تسب وتقوم بتخوين كل من يقر بمصرية الجزر فى واقعة مؤسفة دفع ثمن التحريض فيها شباب من زهور مصر؛ تم اعتقالهم بسبب دفاعهم عن مصرية تيران وصنافير ورفض التنازل عنهما، وما زال هذا الإعلام يقوم بدور غريب جدا فى نفى مصرية الجزر فى دور لم يمارسه الإعلام السعودى أصلا !

***

العودة للعقل فى معالجة أزمة الجزر صار واجبا ليتوقف العناد والإصرار على إهانة الإرادة الشعبية، لا نريد أن نخسر علاقتنا الاستراتيجية بالمملكة السعودية – المتوترة بالفعل الآن؛ وذلك لأسباب أخرى غير قضية الجزر، ولكننا فى نفس الوقت لا يمكن أن نتخيل أن تكمل السلطة السير فى نفس المسار العجيب الذى سلكته فى معالجة القضية.

أخطر ما يحدث الآن فى مصر داخليا هو أن ندشن صراعا بين سلطات الدولة وتنازعا على المهام والصلاحيات حيث تتغول سلطة على أخرى تحت أهواء السياسة والرهانات الخاطئة التى لن تزيد الموقف إلا إرباكا وتعقيدا. ليس عيبا أن تحدث مراجعة من قبل السلطة لنفسها فى مسألة بهذه الخطورة، العيون تترقب والأيام القادمة ستكتب فصلا جديدا فى صراع السلطات وصراع الإرادات، الثابت الوحيد أن إرادة الشعوب لا تهزمها إرادة حكوماتهم..
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات