تيلرسون فى ستانفورد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تيلرسون فى ستانفورد

نشر فى : الجمعة 19 يناير 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الجمعة 19 يناير 2018 - 10:55 م

يوم الأربعاء الماضى، أتاحت جامعة ستانفورد لوزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون فرصة طرح رؤيته ورؤية إدارة دونالد ترامب للصراع فى سوريا وسبل تسويته. إلى قاعة اقتصر الحضور بها على إدارة الجامعة وبعض المهتمين بالعلاقات الدولية وأحوال الشرق الأوسط والعلوم السياسية من هيئة التدريس ومن الطلاب وبعض وسائل الإعلام.

جاء تيلرسون الذى تحدث لمدة نصف ساعة بمفرده، ثم ناقشته فى بعض النقاط التى طرحها ولمدة عشرين دقيقة وزيرة الخارجية الأمريكية إبان إدارة جورج بوش الثانية (٢٠٠٥ــ٢٠٠٩) كوندوليزا رايس. ولم تكن رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة الوحيدة بين الحضور، فبينهم كان أيضا جورج شولتز الذى عمل من ١٩٨٢ إلى ١٩٨٩ كوزير خارجية فى إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان (١٩٨١ــ١٩٨٩). ورايس وشولتز ينتميان إلى جامعة ستانفورد، حيث تعمل السيدة فى قسم العلوم السياسية ومعهد هوفر للسياسات العامة والرجل فى معهد هوفر.

لفت نظرى، أولا، التنظيم الهادئ الذى أحاطت به إدارة الجامعة اللقاء مع تيلرسون. تواجد عدد محدود للغاية من عناصر الشرطة خارج القاعة، وسهل إجراءات دخول المدعوين خليط من موظفى الجامعة والطلاب. ولم يكن على كمدعو سوى إظهار بطاقتى الجامعية للتأكد من وجود اسمى على كشاف المدعوين قبل الدخول إلى القاعة، ولم أتعرض لتفتيش أمنى ولا لتوجيه بالجلوس فى مكان معين دون غيره.

لفت نظرى، ثانيا، هالة الوقار التى أشعتها القاعة الجامعية وترجمها إلى كلمات مدير معهد هوفر للسياسات العامة حين عمد قبل تقديم تيلرسون إلى الإشادة بجامعة ستانفورد ودورها فى إثراء العلوم وتطبيقات التكنولوجيا العصرية والنقاش العام حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل وخارج الولايات المتحدة. ولأن تقديمه جاء دون إطراء غير لازم أو بمبالغات فى مديح المسئول تنتقص من وقار الجامعة، لم يكن أمام وزير الخارجية الأمريكى غير أن يبدأ هو الآخر بالتعبير عن رهبته من الحديث فى ستانفورد أمام حشد من العقول النقدية وأصحاب الخبرات المتراكمة فى العلاقات الدولية وشئون الشرق الأوسط. بذلك أسست كلمات التقديم للإطار الناظم للقاء، جامعة وقورة تملك العلم والخبرة ومسئول رسمى يأتى فى تواضع لطرح رؤيته حول قضية مهمة. لا تورط فى نفاق المسئول، ولا بهرجة زائدة فى استقباله، ولا مبالغة فى الاحتفاء بكلمات المسئول الكبير على النحو الذى يصدمنا كل صباح ومساء فى بلادنا التى لا يجرى على ألسنة مسئوليها الكبار إلا الحكم الخالصة والمعارف الكاملة والحقائق التاريخية التى لا ندرك نحن صغار البشر وضعافهم كنهها.

***

لفت نظرى، ثالثا، أن رؤية تيلرسون للصراع فى سوريا وسبل تسويته استندت إلى حتمية رحيل بشار الأسد عن الحكم وضرورة احتفاظ الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة انتقالية تعقب رحيل الأسد واستعادة السلم الأهلى بأشكال متنوعة من التواجد العسكرى فى سوريا، وفى الحتمية خروج على ما بدت عليه سياسة إدارة ترامب خلال عامها الأول وفى الضرورة مفاجأة استراتيجية من العيار الثقيل.

ربط تيلرسون بين رحيل الأسد وبين تغييب شخص الديكتاتور الذى أنزل القتل والدمار بمواطنيه، وأيضا بينه وبين استعادة السلم الأهلى الذى تستحيل استعادته طالما بقى الديكتاتور الدموى فى مكانه، وبينه وبين مواجهة تمدد النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط الذى صار بشار الأسد من أدواته الرئيسية ويرى به تيلرسون تهديدات كبرى للمصالح الأمريكية ولأمن إسرائيل ولمصالح الحلفاء الإقليميين (لم يسمهم تيلرسون، والأرجح أن إشارته هنا هى إلى السعودية ودول الخليج). أما ضرورة التواجد العسكرى الأمريكى فى سوريا خلال فترة انتقالية تلى رحيل الأسد فصاغ وزير الخارجية تبريراتها على مستويات متعددة؛ مواجهة جماعات الإرهاب كداعش والقاعدة والثانية شدد الرجل على نشاطها القوى فى شمال غرب سوريا، مواجهة بقايا نظام الأسد بعد رحيله من خلال دعم لوجيستى وعسكرى لحلفاء الولايات المتحدة المحليين وهم حصرا المجموعات الكردية، مساعدة المجموعات الكردية ومجموعات المعارضة المدنية فى سوريا وهم يسيطرون حاليا على بعض المناطق الآمنة (بتنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن كما أشار تيلرسون الذى لم يشد دون ذلك لا بالدور التركى ولا بأدوار إقليمية أخرى) والتعاون معهم لتطوير بنية جديدة للحكم بعد رحيل الأسد.

بعيدا عن كون حتمية رحيل الأسد وكذلك ضرورة التواجد العسكرى الأمريكى خلال فترة انتقالية ليستا محل توافق بين إدارة ترامب وبين روسيا صاحبة الأوراق الكثيرة فى سوريا اليوم، لم يستشف من ملاحظات ريكس تيلرسون ما إذا كانت المؤسسات الأخرى المؤثرة فى تحديد سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا كوزارة الدفاع ومجلس الأمن القومى والأجهزة الاستخباراتية المختلفة تؤيد توجه كهذا أم قد تعارضه. ليست الولايات المتحدة الأمريكية الفاعل الأهم فى الصراع الراهن فى سوريا، ووزارة الخارجية التى يقودها تيلرسون ليست طليقة اليد فى تحديد السياسة الأمريكية إزاء سوريا.

***

لفت نظرى، رابعا، ذكاء ملاحظات كوندوليزا رايس خلال النقاش الذى أدارته مع وزير الخارجية. فهى أرادت تذكير الحضور بكون إدارة دونالد ترامب، وهى عارضت ترشحه بقوة، ليست كالإدارات الرئاسية السابقة التى عرفها الأمريكيون وتعامل معها حلفاء وأعداء الولايات المتحدة. فالإدارة الحالية أزماتها متلاحقة فى الداخل والخارج، وتراجع شعبية ترامب بين الأمريكيين يقابله غضب فى الخارج من قراراته المتغطرسة كنقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس ومن عنصريته المقززة كتحقيره الإجرامى الأخير للدول الإفريقية والدول غير الغربية التى يأتى منها مهاجرون إلى الولايات المتحدة. ولكى تفعل ذلك دون التورط فى الهجوم على تيلرسون، ما كان من السيدة رايس غير أن سألت الوزير عن الكيفية التى يتعامل بها مع تغريدات ترامب اليومية عن قضايا السياسة الخارجية من كوريا الشمالية إلى إيران والسعودية مرورا بالمكسيك ومهاجريها، الأدوات التى يوظفها للتغلب على الأزمات التى تصنعها التغريدات. هنا تلعثم الوزير، وعلت ضحكات الحضور، ووصلت رسالة رايس.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات