خطاب من مواطنة مصرية إلى الكونجرس - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطاب من مواطنة مصرية إلى الكونجرس

نشر فى : الأحد 19 فبراير 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأحد 19 فبراير 2012 - 8:50 ص

أعضاء مجلسى النواب والشيوخ المحترمين.. تحية طيبة وبعد..

 

أكتب إليكم من القاهرة بعدما تابعت الأسبوع الماضى أعمال جلسة الاستماع الخاصة بمصر على مدار يومين بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، والتى كان عنوانها «مصر فى مفترق طرق». وبداية أريد أن أشير إلى اتفاقى فى الرأى مع ما ذكره أغلب أعضاء اللجنة من الحزبين من أن  تجربة مصر الديمقراطية لن تؤثر فقط على مواطنيها، ولكن ستؤثر على كل الشرق الأوسط، فمصر كما تعلمون تمثل أهم وأقوى دول المنطقة، ولذلك اختارها الرئيس باراك أوباما منبرا للتحدث لما يزيد على 1.4 مليار مسلم حول العالم. وينتظر ملايين المواطنين فى الشرق الأوسط ما ستؤول إليه عملية الانتقال الديمقراطى فى مصر كدليل يضىء لهم ظلمة طريق بناء ديمقراطيات جديدة. أعضاء الكونجرس الأعزاء، قد أتفهم غضب رؤساء تلك المنظمات التى تم اقتحام مكاتبها فى القاهرة يوم 29 ديسمبر الماضى، إلا أننى اعترض على وصف مؤسساتهم بأنها منظمات غير حكومية   NGO.  نعلم جميعا أن أكثر من 90% من تمويل تلك المنظمات إنما يأتى من الحكومة الفيدرالية ممثلة فى وزارة الخارجية والجهات التابعة لها، لذا يجب إعادة تصنيف هذه المنظمات لتصبح «منظمات سياسية شبه حكومية» حيث إن المعهد الجمهورى والمعهد الديمقراطى يرتبطان بماكينة الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى. وفقط أريد أن أنوه هنا إلى أن المعهد الديمقراطى يتلقى كذلك أموالا من حكومات اليمن والبحرين أيضا!

 

لقد ساعد هجوم إعلامكم الحاد على الوزيرة فايزة أبوالنجا فى رفع شعبيتها بين المصريين بصورة كبيرة رغم سجلها المعروف فى خدمة النظام السابق، وارتضائها تمثيل ديكتاتورية بغضاء، وقبولها مقعد برلمانى عن طريق التزوير فى بورسعيد. إن قول رئيسة اللجنة إليانا روس ليتينن إنه لا يجب تقديم أى مساعدات أمريكية أخرى لأى وزارة تديرها أبو النجا، إنما يوفر خدمة مجانية كبيرة للوزيرة المصرية، فبرجاء البعد عن شخصنة القضية بهذه الطريقة الساذجة التى تؤتى آثارا عكسية. وعلى نفس الخط قدمتم خدمة كبيرة، بقصد أو بغير قصد، للمجلس العسكرى الحاكم فى مصر، والذى يعانى من استمرار ضغط الشارع المصرى والقوى السياسية المختلفة المطالبة بعودة العسكر لثكناتهم وضرورة عدم تمتعهم بأى وضع خاص فى الدستور، من تحقيق مكاسب سياسية داخلية بسبب تلك القضية.

 

السادة الأعضاء، ترون من واشنطن أن القضية برمتها ليست قانونية، بل سياسية. وقد تكونون محقين فى هذا الرأى، إلا أن هذا لا يمنع حقيقة أن المنظمات الأمريكية اخترقت قوانين مصرية بصورة لا تحتمل أى تشكيك. لقد قمتم بإصدار تشريع مهم عام 1966 ثم تم تطويره عام 1974  يمنع أى حكومة أجنبية، أو حزب سياسى أجنبى، أو مؤسسات أجنبية أو مواطنين غير أمريكيين من التبرع أو المساهمة أو إنفاق أموال بطرق مباشرة أو غير مباشرة بما يؤثر على الانتخابات الأمريكية، فلماذا تنكرون على مصر ممارسة ذات السيادة فى حياتها السياسية؟

 

السادة الأعضاء، لقد نجحت انتخابات مجلس الشعب المصرى فى تحقيق نسبة مشاركة بلغت 62%، فى الوقت الذى وصلت فيه نسبة المشاركة فى انتخابات 2010 للكونجرس 37.8% وبلغت 37.1%  فى انتخابات عام 2006. لماذا لا توجه هذه المنظمات أموال دافعى الضرائب الأمريكية لتحسين نسبة المشاركين فى الانتخابات الأمريكية، وهل توافقون على قيام الحكومة الصينية أو السعودية أو حتى الفرنسية بتخصيص ملايين الدولارات من أجل تشجيع ودعم عملية انتخابية حرة ونزيهة فى الولايات المتحدة عن طريق تسجيل الناخبين فى كانساس، وتدريب شباب الحزب الجمهورى فى تكساس وعقد ورشات تثقيف سياسى لشباب الحزب الديمقراطى فى كاليفورنيا.

 

أتساءل لماذا يتمتع لوبى نشر الديمقراطية فى واشنطن بحصانة ضد أى نقد صريح؟ هل بسبب قربه من الكونجرس والإدارة معا؟. الشعب المصرى يريد أن يعرف كيف لم يمنع هذا اللوبى وجود علاقات أكثر من ممتازة بين دولتكم خلال العقود الماضية مع نظام حكم مصرى مستبد وفاسد ومنتهك لحقوق الإنسان. وأريد أن أنبهكم  كذلك إلى أنه لم يعد هناك ديكتاتور فى القاهرة، لذا ليس من الممكن، أو المقبول، تجاهل الرأى العام للشعب المصرى، لذا أود منكم، ومن مستشاريكم، ومن مراكزكم البحثية أن تأخذ عامل الرأى العام للشعب المصرى فى حساباتها من الآن وصاعدا. لا يجب أن تتجاهل دوائر واشنطن استطلاعا للرأى العام أجراه معهد جالوب الأمريكى هذا الشهر، وأظهر أن أكثر من ثلثى المصريين قلقون من التدخل الأمريكى المحتمل فى شئونهم السياسية، كما عبر فيه 74% من المصريين عن رفضهم تقديم واشنطن مساعدات مالية لجماعات المجتمع المدنى وللجماعات السياسية الأخرى. كما أود أن أعبر عن رفضى لما تذكره السفيرة  آن باترسون من أن تقديم منح مالية مباشرة لمنظمات المجتمع المدنى لا يمثل أى إهانة للسيادة المصرية! لقد جاءت وثيقة مبادئ وأهداف منظمة الوقف القومى للديمقراطية، وهى أهم الجهات التى يتم من خلالها ضخ أموال أمريكية لدعم الديمقراطية فى الخارج، مشتملة على ستة شروط تحدد ما يجب أن تفعله المنظمة، ونص أحد هذه الشروط «أن تشجع تطوير المؤسسات الديمقراطية والأنظمة الأجنبية بطريقة تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة ومصالح الجماعات التى تساندها المنظمة».

 

لا يجب اختزال العلاقات المهمة بين الدولتين فى قضية تلك المنظمات، لقد أوضح الجنرال مارتن ديمبسى قائد الأركان المشتركة إنه يضر بالمصالح الاستراتيجية لواشنطن، وسيبعد أجيالا قادمة من الضباط العسكريين المصريين عن واشنطن. السادة الأعضاء، لتسمحوا لى فى النهاية أن أختم خطابى الأول لكم بأن أعرض عليكم فكرتين مختلفتين:الأولى: أن توجهوا كل أموال برامج المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى برامج لدعم معامل الفيزياء والأحياء والكيمياء بجامعات صعيد مصر. الثانية أن تبادروا بإلغاء المساعدات كلها جملة وتفصيلا، وذلك قبل أن يلغيها الرئيس المنتخب الأول لمصر الديمقراطية بعد شهور قلائل.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات